يقول سلفادور دالي : (( إن المرور من الجنون إلى الجنون هو أكثر الطرق منطقية للوصول إلى الحقيقة )) , هؤلاء (( السورياليون متهمون بأنهم يريدون ان يعدوا مثقفين , مع انهم لا يملكون اي ثقافة في الواقع , وهم يحسبون انهم يصلون الى ذلك باظهار احتقارهم للعادات القديمة , ويبلغون في هذا حد الشعور بالخجل والعار من إيمان ابائهم)) , انهم وحدهم الذين غرقوا بما يكفي , يستطيعون التحدث عن الأشياء بعمق واضح , فتأكد بأن الحزن جميل جداً والليل عديم الطعم بدون هموم .
كل إنسان يحمل في داخله صوتين , أحدهما يهمس له بالحقيقة العارية , والآخر يزيف له الواقع كي يحتمله , كم مرة نظرنا إلى المرآة ولم نرَ سوى وجوهنا , بينما كانت أرواحنا تقف خلف الزجاج , تنظر إلينا بعيون خاوية , الليل صديق جميل ولكنه يكثر من السؤال , كُل حروب العالم تهدأ في الليل , إلا حُروبنا مع أنفسنا تَشتعل في عَتمة اللَيل , تضيق كأنها لن تتسع , وتتسع كأنها لم تضيق يوماً , ليسَ الموتُ غربة , ولا الميتونَ منفيونَ فيها , وحدها الحياةُ غربةٌ و وحدهم الأحياءُ هم المُتغرِبونْ , وهذا العالم مُخيب للآمال , ما من تسلية عظيمة فيه إلا النوم , وألا لم لا نزال نبني الجسورفوق انهارٍ جفت ؟ ولماذا مُنذ أن كبرنا وتركنا صناعة القوارب الورقية ونحن نغرّق ؟.
يقول سيغموند فرويد : (( بدأت الحضارة عندما قام رجلٌ غاضب بإلقاء كلمة بدل إلقاء حجر )) , يتجدد الإنسان كلما مر بتجربة لم يكن قاصدًا الذهاب إليها , تظل تطحنه أيامها حتى تنتزع منه قدرة عجيبة على المقاومة , فمازال يتخبط حتى يتخطاها بالفهم لا بالقوة , بالصبر لا بالعجلة , فيا أيها الوحيد , ستدرك يوما ما عند أول عثرة في حياتك أنك كنت كمن يدخل معركة طاحنة وهو يحمل سكين المطبخ , ويلوح به كالمجنون وسط وابل من الرصاص , الوحدة ليست دائما جميلة كما تتوقع , إنزع تلك الفكرة المقحمة داخل رأسك السميك , وعش حرا , لتشعر بالإنتماء .
ترك السرياليون وصايا ووصفات طريفة حول الكتابة الحرة , لخّصها تريستان تزارا في نص (( كيف تكتب قصيدة دادائية )) : ((خذ جريدة ومقصاً , اختر من الجريدة مقالاً بطول القصيدة التي تزمع كتابتها , اقتطع المقال من الجريدة , قص كل كلمة من هذا المقال بعناية , ضع الكلمات في كيس , حرك الكيس على مهلك , وأخرج الكلمات الواحدة بعد الأخرى , افعل كل هذا بعناية لأن القصيدة ستشبهك )) ,أما النص المختار لريمون كينو (( من أجل فن شعري)) فيقدم وصفة أيضا , لكنها شبيهة بإعداد الطعام مبتدئا جمله الشعرية بفعل الأمر: (( خذوا كلمة أو كلمتين , اطبخوا الكلمتين مثلما تطبخون البيض , خذوا كسرة من المعنى وقطعة كبيرة من البراءة , سخّنوا على نار هادئة , على نار التقنية , صُبوا صلصة اللغز , رشّوا بعض النجوم , أضيفوا الفلفل , واستعدوا للرحيل )) .
كتبت احلام مستغانمي في رواية ألاسود يليق بك : ((حاولت أن تخفي عن الجميع دمارها الداخلي , كان يلزمها إعادة إعمار عاطفي , كأنها مدينه مرّ بها هولاكو , فأهلك كلّ ما كان جميلاً فيها , عزاؤها أنها استطاعت أن تنقذ من الدمار كرامتها , وذلك الشيء الذي لم تمنحه إياه )) , أيها الحنين , اذهب إليه , ادخل غرفته على أطراف أصابعك , ولا تزعجه , وضع تلك الباقه من أشواقي بجواره , وعد إلي لتخبرني : أيذكرني في أحلامه ؟
من رسائل جبران خليل جبران الى مي زيادة : (( تسألينني سيدتي ما إذا كنت وحيد الفكر والقلب والروح , فَبِمَ ياترى أُجيبكِ ؟أشعر ان وحدتي ليست بأشد ولابأعمق من وحدة غيري من الناس , كلنا وحيدٌ منفرد , كلنا سرٌ خفي , كلنا محجوب بألف نقاب ونقاب , ومالفرق بين مستوحد ومستوحد سوى إن الأول يتكلم عن وحدتهِ والثاني يظل صامتاً , وقد يكون في الكلام بعض الراحة , وقد يكون في الصمت بعض الفضيلة )) , ومن رواية حفلة التفاهة لـ ميلان كونديرا : ((بدا لي دومًا أنه من المرعب إرسال شخص إلى العالم دون أن يطلب ذلك , لا أحد من جميع أولئك الذين حولك موجود هنا بإرادته , بالتأكيد ما قلته منذ برهة هو الحقيقة الأكثر تفاهة بين جميع الحقائق , إنها في غاية التفاهة والجوهرية إلى حد أنهم كفوا عن رؤيتها وسماعها )) , يقول محمود درويش : (( يا بائع الأزهار, إغمد في فؤادي زهرة صفراء , تنبت في الوحول , هذا أوان الخوف , لا أحد سيفهم ما أقول )) .
أحد الذين قدموا بعد 2003 , كتب تحليلا سورياليا للوضع قال فيه : (( نحاول قراءة الواقع بعيون خلّدونية , لكن يبدو أنا نسينا أن (دار, دور) لم تعد فقط لعبة للعمران , بل تحولت إلى مسرح عبثي , حيث الجميع ممثلون بلا نص , والجمهور متفرج بلا تصفيق , أما (الإطار التسويقي) الذي جمع الفقراء والأغنياء في المولات , فهو ليس من بركات الديمقراطية , بل من نِعَم اقتصاد السوق الذي جعل (اللحمة الوطنية) مجرد عرض خاص في محلات الجزارة السياسية , يباع وفقًا لسعر الدولار وسقف الاتفاق النووي , ترامب لم يصمت عن العراق , بل اكتفى بمراقبته عبر كاميرات المراقبة البريطانية , حيث الساسة يتسابقون في مضمار الطاعة , ووزيرة الدفاع البريطانية تتسكع في شارع المتنبي , كما يتسكع المحتل في ذاكرة الشعوب المنهكة , أما (قوزي العم سام) , فهو طبق سياسي يُطهى على نار بطيئة , تُضاف إليه توابل المعارضة بجرعات مدروسة , ويُقدم على موائد الصفقات الإقليمية , فيما الشعب يلعق ما تبقى من أوهام التغيير , وفي عراق (عاصمة الدياحة العربية) , ترى السياح يتوافدون من كل حدب وصوب , سياح المناصب , سياح الصفقات , وسياح الفصائل المسلحة , يتنابزون بالبطولات كما يتنابز الأطفال في الأزقة , يكتبون الشعارات بمداد الطائفية , فيما بغداد تقرأها بحبر الحزن واليأس , وصاحبنا (رامبو العصر) , فهو منشغل الآن بإعادة ترتيب العالم , يضغط على زر الاقتصاد هنا , ويفكك تحالفًا هناك , بينما العراق يقف في طابور الانتظار, بانتظار ساعة الصفر وكلمة السر, وكأن التاريخ لم يعلمه أن من لا يملك إرادته , لا يملك حتى حق الانتظار , طريق (البهارات) هو ليس مجرد طريق تجاري , بل وصفة جديدة لطهي المنطقة على الطريقة النيوليبرالية , تُقطع الطرق القديمة , ويُعاد رسم الخرائط , فيما العرب لا يزالون يبحثون عن بوصلة )) .