عام 1973 , حضرت أول قراءة شعرية لسعدي يوسف في جمعية الفنانين التشكيليين , ما شدني لمتابعته, ذلك الهدوء العجيب الذي يتسم به , و هو يلقي قصيدته : لا صياح , لا أنفعالات جسدية مبالغ فيها أو ليست في محلها , كانت كلماته تصل هادئة شفافة مثيرة للتساؤل , وعندما بدأت في متابعة أشعاره , وجدت ان شعر سعدي يوسف يكتنز كثيرًا من الدلالات والإشارات والإيحاءات والمعاني , لابدّ من معاشرتها واحتوائها طويلاً حتى تُفضي وتبوح .
(( يا جارُ , آمنتُ بالنجمِ الغريبِ الدارْ
يا جارُ , نادتْ ليالي العُمرِ : أنت الدارْ
يا ما ارتحلْنا وظلَّ القلبُ صوبَ الدارْ
يا جارُ لا تبتعدْ … دربي على بغداد )) .
الموقف المميز لسعدي هو معارضته للعدوان الثلاثيني على العراق عام 1991 , والذي بني عليه موقفا وطنيا آخر في أدانته للغزو الأميركي للعراق وفضحه لمن أشترك في مجلس بريمير , وعندما بدأ إسم الشاعر سعدي يوسف يتكرر على صفحات الفيسبوك, كان واضحا أن سعدي لم يتغير , لم يزل المدافع عن مصالح الشغيلة , منتقدا و بضراوة سواء في قصائده أو مقالاته السياسية , الشخصيات السياسية و الأحزاب التي تعاونت مع المستعمر لإحتلال العراق عام 2003 , من ضمنها الحزب الذي كان أحد أعضائه في يومِ ما , كانت قصائده و مقالاته تثير الجدل عند متابعيه من العناصر التقدمية , وحملات شرسة متوالية من معارضيه و مناوئيه , والتي كانت احيانا تنتهي إلى أغلاق صفحته على الفيسبوك , وهنا تكتب زوجته : (( أتذكر جملة لا تسعفني الذاكرة الآن في تذكر اسم قائلها, و هيّ : (( في شاطيء الرمل أغدو انا البوصلة )) , لقد كان سعدي الذي لا يتوقف صوته , بوصلة الوطنيين ألأحرار)) .
((يومَ انتهَينا إلى السجنِ الذي ما انتهى
وصَّيتُ نفسي وقلتُ المشتهى ما انتهى
يا واصلَ الأهلِ خَـبِّرْهُمْ وقُلْ ما انتهى
الليلَ بتنا هنا , والصبح في بغداد )) .
لقد كان رحيل سعدي يوسف خسارة كبيرة تلحق بالشعر العربي , ولكن ما يخفف هذهِ الخسارة الموروث الضخم الذي تركه في مجلداته الثمانية , وترجماته المبكرة لشعراء عالميين , علاوة على القصة و الرواية و النثر و المئات من البحوث و الأعمال النقدية ,
الأماكن التي ولد و ترعرع فيها كانت تتسم بجمال و طبيعة خلابة قبل دخول الأستعمار , كانت أشبه بجنات الله على الأرض , كتب عن البصرة و قنواتها و انهارها و غابات النخيل الكثيفة في ابي الخصيب و حمدان مسقط رأسه , لم يكتب أو يُخلد أحد سحر هذهِ الأماكن قدر ما فعل سعدي في قصائده , كما أن سعدي كان الصادق الأمين و الوريث الشرعي لمن سبقه من شعراء بصرة العراق الكبار (كبدر شاكر السياب و محمود البريكان ) , وبتجربتهما التي وصفها بحركة التحديث الأعمق أثراً في الشعر العراقي فالعربيّ , وقول
سعدي أنه تعلم من محمود , كما تعلم من بدر , من أن الشعر هو في الموضوع ذي الجوهر.
(( كلُ الأغاني انتهتْ إلاّ أغاني الناسْ
والصوتُ لو يُشترى ما تشتريه الناسْ
عمداً نسيتُ الذي بيني وبين الناسْ
منهم أنا , مثلُهم , والصوتُ منهم عادْ )) .
الذين يعرفون سعدي يوسف جيداً يعلمون بأنه ساخر كبير و صاحب نكتة , أطلق على نفسه الألقاب التي أثارت غضب معاصريه , سمى نفسه بالشيوعي الأخير, لبس القرط و قال في ذلك: لا شاعر إلاّ سعدي يوسف الـمُخَلَّد , واطلق على نفسه لقب حفيد أمرؤ القيس لبلاغته , يقول سلام مسافر : (( مثل سعدي يوسف يولدون كل الف عام , وحين زار سعدي موسكو, سمعت مسحوق الهمس في داخله :(( يا خيبتنا من الرفاق )) , كان يفتح نافذة القطار المسرع , بين حين واخر, ليقذف بأوراق كراسات الدعاية السوفيتية مقهقها : خليها تطير بالبر, أفضل من ان تلوث شنطتي )) , وسعدي المتمرد , لا يرضخ للخوف , فعلى مدى ثمانين حولا , خاض شتى المعارك انتصارًا للوطن الحر والشعب السعيد , وظل وفيا لقيم الحرية والعدالة والديمقراطية , فكسب محبة الملايين , وكرة الحاسدين , وضغينة كتاب وشعراء , عجزوا عن مقارعته في الإبداع الأدبي , فاستلوا خناجرهم السياسية المسمومة.
(( مِن شُرفتي أسمعُ الأعشابَ والأشجارْ
والوردُ يَحكي معي إذْ غابت الأطيارْ
هذا الربيعُ مُقِيمٌ عند باب الدارْ
تكفي الإشارةُ مني كي أرى الأنوارْ )) .
المبتسرون وحدهم يكرهون سعدي , فهو لم يسرق ديناراً واحداً من اموال الشعب العراقي ويغتني بها حراماً محرماً, ولايتخذ موافقه السياسية نزولاً عند رغبة الجيران وارضائهم والتمسح باكتافهم من اجل حفنة دولارات , لم يفعل سعدي يوسف بالعراق وشعبه ما فعلته طغمة الفساد والفشل واللصوصية والقتل من تدمير حاضر البلاد ومستقبلها , لم يلغ بدماء
العراقيين كما ( لاغ ) بها المنافقون الذي يقتلون بيد , ويرفعون الشعارات البرّاقة الكاذبة بيد اخرى , اما قصة وزير الثقافة الذي اعتذر عن موقف صحيح اتخذه , فهي قصة فضيحة من فضائح هذا الزمن العراقي الرديء , ولا ادري صراحة كيف سيحترم هذا الوزيرنفسه حين يختلي بها ليفكر مليا كيف وقّع الاعتذار بسبب مكالمة هاتفية قالت له كن فكان .
(( مَنْ أبعدَ الغيثَ ؟ مَنْ أدنى سماواتي ؟
حتى غدا الرملُ تكريماً لِجَنّاتي ؟
لكنّ لي أُسْوةً بالكوكبِ الآتي
من المجرّةِ
فلْتَصْدَحْ كَمَنجاتي
إنّ الصلاةَ معي : مجرورها والجارّ)) .
تقول أقبال كاظم زوجة سعدي يوسف انه بعث لها رسالة صوتية على السكايب تقول : ((الخبر البارز الرئيسي المنشور على الصفحة الاولى من جريدة الصباح الجديد العدد 2659 في 4 أيلول 2013 يشير الى الشخصيات و الجهات المستفيدة من املاك الدولة بصورة غير قانونية, الشخصيات و الجهات المتجاوزة للوحدات السكنية العائدة للدولة في المنطقة الدولية و خارجها , مجمع القادسية الوزاري رقم الدار 10 حميد مجيد موسى عضو مجلس النواب , رقم الدار 14 مهدي الحافظ عضو مجلس النواب , رقم الدار 28 فخري كريم رئيس مجلس السلم و التضامن العراقي و رئيس مؤسسة المدى الاعلامية ,
الافضل قراءة المقال بأكمله , وعاشت القيادات الحزبية المتواطئة و المتنعمة بخيرات الامريكان و ومرتزقتها الحاكمة )) , لترد اقبال (( أحمد الله انني لم استشهد من اجل هؤلاء المرتزقة , كان عليهم رفض الرواتب العالية التي توزع على اعضاء البرلمان ,كان لزاما عليهم رفض البيوت , والقصور التي وزعتها المستعمرة الامريكية (( المنطقة الخضراء)) و بدلا من ذلك اغترفوا من نعم السرقات .