نشرت سعدية مفرح على منصة ( X ) قولا من مسلسل عمر : (( لكل طحين نخالة , وهؤلاء نخالة قومهم )) , وتسائلت : (( ترى.. من هم نخالة قومنا في الوقت الراهن؟)) , وفي معجم المعاني (( نُخَالة القوم )) : أراذلهم , وقديما قالت العرب : لكل طحين نخالة , ونخالة اليوم في العراق هؤلاء الفارغون أصحاب العقول المعطلة , الذين يسلمون بمنطق الظلاميين والجهلة من أصحاب الأجندات القاتلة , والذين لا هم لهم إلا تهييج الغوغاء , و بث السموم بإشاعة الإفتراءات و الأكاذيب .
لطالما كانت المجتمعات البشرية تشهد صعود وسقوط قوى سياسية واجتماعية , وفي خضم هذه التحولات , يبرز مصطلح (( نخالة القوم )) , ليشير إلى الفئات التي قد تستغل الظروف لتحقيق مصالحها الخاصة , دون مراعاة للصالح العام , الكل يتأبّد في موقعه , وتلك عادة الطغيان والإستبداد المشين , وكلمة الوطن لا معنى لها , والشعب أرقام , يسعى وراء كل ناعق , ووسائل غسل الأدمغة ذات تأثيرات مجزية , فلا قيمة للجماهير في زمن التفاعلات التواصلية القاهرة لإرادة ورأي البشر.
أعاد (( الحواسم )) الجدد من نخالات ألأحتلال بغداد إلى قرون ما بعد هولاكو بقليل , لا مشاريع ثقافية أو حضارية إلا للنهب , لا سينمات لا مسارح لا بارات لا ملاهي لا حدائق لا كهرباء لا ماء لا جدل لا حريات لا تنانير لا أزياء لا شِعر إلا للطميات ولا جوائز إلا للجنائز, والعراق المهدمُ الخربان من أسفل القدم حتى الجمجمة التي أصبحت قاصة لجمع أموال اللصوص والفاسدين وبعض الغلمان , ممن دقوا العمائم على رؤوسهم بالمسامير, فصاروا ديكوراً دينياً لابتزاز العوام وتضليل الفقراء ونهب الجهلة أموالاً وأرواحاً , وهم أحياء أو في القبور
في كل بقاع المعمورة دائماً ما يكون الحاضر أجمل من الماضي , إلا في عراق النخالة فعقارب الساعة تسير إلى الوراء , وهناك شيء عجيب يحدث في هذا البلد , ثروات مهولة دخلت الوطن بفضل النفط لا بفضل عقول النخالة التي تحكم هذا البلد , يقابلها فساد طاغٍ يتصدر العراق فيه قائمة الدول الأكثر فساداً , هكذا أصبحت المعادلة كونها أصبحت من الطبيعيات عند العراقيين , وباتت أوطاننا بفضلهم أوهن من بيت العنكبوت , وأفضل ما تجيده هو البكاء على الأطلال وتذكر الماضي التليد , ولم يعد الأكاديميون يسلمون من أذى حرب الطوائف , وسطوة المليشيات , والقتل على الهوية , حين أطلق حكام العراق القادمون مع الاحتلال العنان للرعاع بالقتل والتهجير وتسويد مدن العراق وجعل البلاد مأتما دائما.
ولنفهم كيف تفكر نخالة القوم , دعوني اسرد عليكم , بأني قبل ايام , اطلعت على مقطع فيديو , يظهر فيه مقدم البرامج احمد ملا طلال ومجموعة من الاشخاص من ضمنهم شخص لا اعرفه , الكارثة الحقيقية في هذا الفيديو ان الشخص الذي لا اعرفه , كان يدافع ويبرر الحصول على العمولات (الكوميشن) بقوة , ويقول انها مشروعة , وانها مستخدمة في كل العالم , وانه بدون دفع العمولة , لن يأتي لك أحد لتنفيذ المشاريع , هذا الشخص هو المقصود بالنخالة , والذي يعد بمثابة سلاح سري في جعبة الفاسدين قاموا باستخدامه لوضع حد لاتهامهم بالفساد , وهكذا لم تُوفّق البلاد بحكمٍ رشيد في جُلّ هذه العقود الماضية , ليس من نقصٍ في الرجال الكبار , بل من شللٍ مُمنهجٍ في إقصاء أهل الرُّشد والحكمة والعلم , (( تُهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت/ فإن تولّت فبالأشرار تنقادُ , إذا تولّى سَراةُ الناس أمرَهُمُ / نَما على ذاك أمر القوم فازدادوا)) .
هذه الصفة المروعة (( النخالة )) , أزرت بهم , وأصابت مجتمعات الأمة بمقاتل متراكمة , وأخطاء متعاظمة , حتى فقدت أسباب قوتها , وإندحرت في خنادق ذلها وهوانها , يتوهمون بسببها بأنهم فوق الخلق أجمعين , وأنداد رب العالمين , تعميهم عزلة الكراسي عن الواقع الذي عليهم أن يتفاعلوا معه ويصلحوه , تستحضر المصائب وهي جوهر التداعيات والنكبات على مر العصور, فالمسافة بين الكراسي والواقع تتسع , وكلما زادت تنامت الويلات وتعقدت الحياة , وهذه فجيعة الحكام النخالة , الذين تراهم يتحدثون في فضاءات أوهامهم , وتصوراتهم المبنية على ما تقدمه لهم الحاشية من أكاذيب , وآيات مديح وتعظيم وتبجيل وإمتهان , فالحاشية تفكر بمصالحها وما تكسبه وتخشى أن تزعج السلطان بالصدق الواضح الفتان , والمشكلة أن الحكام أسرى أوهامهم , ويحسبون وجودهم في مواقعهم دليل صواب , وعلى الجميع أن يذعن لإرادتهم , ومن لا يحني رأسه , سيذوق العذاب المرير.
لم يعد في وطَني حِدأةٌ تُغنّي , اللصوصُ ( النخالة ) الأوفياء لدينِ السَرِقة , جعَلوها تَجوع , في بَلدِ الفِئران , ولهذا تجدهم لا يعترفون بحقوق الإنسان , ويرفعون رايات الجور , ويعدمون الأبرياء , ويتمادون ببناء السجون والمعتقلات , ويصيبون مجتمعاتهم بالرعب والرهبة من الكراسي وما حولها , فالغاب قانونهم , والقوة ديدنهم , وما إستطاعت قوة أن تدوم , (( شعلة اثر شعلة ونفوس من حريق تصّهرت في حريق , مدن تختفي بلسعة افعى وانقراض لها بلمح البريق , تستدلون بالمتاحف عنكم عجزت ان تعاد بالترتيق ,
نحن عدنا الى الفيافي لنستقرأ الماء ظمأى الى دليل الطريق , فتّت الصخر تستدل على الاحلام ذابت في المسامات او سنا التحديق )) .