يقولون : (( عندما تغار المرأة تبكي , وعندما يغار الرجل يصمت )) , ولكن صاحبنا يفاجئنا اليوم بأن يبوح ويعلن , وهاهو يستعرض غيرته قائلا : (( لاتعجبوا اني اغار
اغار من الفجر لانه نقي , اغار من البحرلانه واسع وعميق والاهم انه كريم , اغار من النجوم لانها عالية وتضيء دروب المتعبين , اغار من الشمس لانها تمنحنا الدفء وتقضي على الظلمة في حياتنا , اني اغار حتى من الليل لانه امين على اسرار العاشقين , اغار من البلبل والهزار لانهما قد نذرا للحب والغناء حتى ولوتبدلت سماؤنا , اغار من الريح لانها ذات قرارقوية تكتسح الادران وقبل ان تستشير احدا قد تنتج الثمار لانها تسهم في اللقاح للانتاج , اغار من النسمة لانها رقيقة ومنعشة , اني اغار من الورود لانها جميلة تجدد العهود وتطرد العفن , اغار من القلم لانه يخلد الطيبة وحب الخير عن هذا الطريق , فكيف اذا صرت كل هذا او بعضه لاصبح الانسان ؟فهل الى ذاك سبيل ؟)) , لم يترك شيئا لم يغار منه .
الغَيْرَةُ هي أفكار, وأحاسيس وتصرفات تحدث عندما يظن الشخص أن علاقته القوية بشخص ما تهدد من قبل طرف آخر منافس , وهذا الطرف الآخر قد يكون مدركًا أو غافل أنه يشكل تهديدًا , وقيل الغَيْرة : كراهة الرجل اشتراك غيره فيما هو حقه, وقال الراغب الأصفهاني : الغَيْرة ثوران الغضب حماية على أكرم الحرم , وأكثر ما تراعى في النساء , والغَيْرَة -بالفتح- المصدر من قولك : غار الرجل على أَهْلِه والمرأَة على بَعْلها تَغار غَيْرة وغَيْرًا وغارًا وغِيارًا والغَيْرة هي الحَمِيَّة والأنَفَة , والغيرة المعتدلة من الأخلاق المحمودة في الإسلام فعن جابر بن عتيك: ان النبي كان يقول: (( من الغيرة ما يحب الله , ومنها ما يبغضه الله , فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة , وأما التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة)) , قال الشوكاني: فالغَيْرة في الريبة : نحو أن يغتار الرجل على محارمه إذا رأى منهم فعلًا محرمًا , فإن الغَيْرة في ذلك ونحوه مما يحبه الله , والغَيْرة في غير ريبة : نحو أن يغتار الرجل على أمه أن ينكحها زوجها , وكذلك سائر محارمه , فإن هذا مما يبغضه الله تعالى , لأنَّ ما أحلَّه الله تعالى فالواجب علينا الرضى به , فإن لم نرض به كان ذلك من إيثار حمية الجاهلية على ما شرعه الله لنا.
عن أبي هريرة أن رسول الله قال : ((المؤمن يغار, والله أشد غيرًا )) , وقال أيضًا: ((إن الله تعالى يغار, وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه )) , الغيرة والحب وجهان لعملة واحدة , والغيرة هي إلتقاء صوت العاطفة بصوت العاصفة , ومن بوادرها إشتعال المرأة وإنطفاء الرجل , والغيرة تشوش العقل, ولا تسمح بالتفكير المتعقل , وهي سلاح ذو حدين يمكن أن يلهب مشاعر الحب ويزيدها أو أن يخنقها , فليس بالمستحسن التعبير بالغيرة , في حالة عدم التأكد من ألأحساس المقابل , أذ يعني ذلك الكشف عن لحظات الضعف لمن لا يستحق , والغيرة إحساس جميل اذا كان في حدود, وهي هى الطاغيه فى مملكه الحب , وقليل منها بناء و كثير منها هدام , وهي نار والقلب حطب , فإن لمست القلبالغيرة , فمن المؤكد أنه سيحرق , لأنه متى دخلت الغيرة خرجت الحقيقة من الرأس , و الفضول يولد من الغيرة.
يصفها النّاس عادةً بأنّها نّار تغلي في الصدر,شعور متداخل بين الغضب والحزن والألم والسخط في الوقت نفسه , شيطان يهمس في داخلك : يجب أن تتدخّل , ينبغي أن تقول شيئًا أو أن تفعل شيئًا ,يجب أن تُبعِد مصدر الغيرة , شيطان آخر في مقابله يوسوس : لكنّك إذا فعلت ستبدو مثيرًا للشفقة ,ستبدو طفوليًا , ستحرج نفسك , سيعرف الآخرون أنّك تغار, وبين هذين الشيطانين بين أن تشعر بأنّك مُكبّل وعاجز عن التدخّل وبين غضبك الذي يلحّ عليك للتدخّل تتولّد مشاعر جمّة متضاربة , حين عبر أحمد رامي عن غيرته لام كلثوم وجعلها تغني قصيدته الشهيرة : (( أغارُ من نَسْمَةِ الجَنوبِ على مُحيَّاكَ يا حبيبي , وأَحْسِدُ الزَهْر حينَ يَهفو على شَفا جَدْوَلٍ لَعوبِ , وأغْبِط النَهرَ حينَ يَجري على بِساطِ الجنى الخَصيبِ فَقَدْ تَرى فيهِما جَمالاً يَروقُ عَينَيْكَ يا حبيبي )) .
هناك غيرةُ المتنبي : (( وَيُغيرُني جَذبُ الزِمامِ لِقَلبِها فَمَها .. إِلَيكِ كَطالِبٍ تَقبيـــلا )) , غارَ من الناقة , قال الواحدي : يقول يحملني على الغيرة جذبك زمامها إليك لأنها تقلب فمها كأنها تطلب قبلةً , وقول المتنبي : (( مالَنا كُلُّنا جَوٍ يا رَسولُ أَنا أَهوى وَقَلبُكَ المَتبولُ , كُلَّما عادَ مَن بَعَثتُ إِلَيها غارَ مِنّي وَخانَ فيما يَقولُ )) ,قال البرقوقي: الجوى, وهو الحرقة في القلب من حزن أو عشق , والمتبول , الذي هيمه الحب وأفسده وأسقمه , يتهم رسوله الذي أرسله إلى الحبيبة بمشاركته إياه في حبها , يقول : ما لنا أيها الرسول كلانا جو بحبها فأنا الوامق العاشق , وأنت الرسول قد ملك عليك الحب قلبك , فما لك تشبهني فيما ألقاه وأقاسيه؟ وكلما عاد إلي الرسول من عندها غار مني عليها لأنه رأى حسنها وافتتن بحبها , فحمله ذلك على الغيرة وخان فيما يؤدى من الرسالة إلي منها وإليها مني.