مقامة العيون عيون

مقامة العيون عيون

هل لاحظتم رياض احمد وهو يؤدي زهيري الحاج زاير الدويّچ عن العيون ؟ وهل لاحظتم طبقات انتقاله بالصوت ؟ گال: شتوصف خطوط حواجبه وعينه؟ گلت: الحواجب حواجب , والعيون عيون , (( ظبي الفلا لو زهد ورد العيون عيون , تكتب وترسم على معنى العيون عيون , خفنا تصيبك عليك من العيون عيون , عندي خبر من عيونك ما لهن عينه , واللي بلاني بحبك مالكَه العينه , كَال شتوصف خطوط حواجبه وعينه , كَلت الحواجب حواجب والعيون عيون )) , وصف الاشياء في نفسها هو أسمى و أعظم انواع الوصف لأن في سياق الكلام دائما ما يكون المشبه به أكبر او أجمل من المشبه , وهنا الحاج زاير عجز ان يجد شيئاً اجمل من تلك العيون الا أن يصفها بنفسها , والجملة (( الحواجب حواجب والعيون عيون )) , هي عبارة تستخدم للتأكيد على أن لكل شيء صفة ووجود خاص به , لا يمكن الخلط بين الحواجب والعيون , فكل منهما له دوره وموقعه , والعبارة تعني أن لكل شيء طبيعته الخاصة ولا يمكن أن يحل محل شيء آخر .

العيون هي مرايا الروح ,وبلسم الوجدان في الغناء والشعر العراقي , فمنذ الأزل , كانت العيون محط أنظار الشعراء والفنانين , ومصدر إلهام لا ينضب في وصف الجمال والتعبير عن المشاعر, وفي العراق , حيث تتجذر فنون الغناء والشعر في عمق التاريخ والثقافة , تأخذ العيون مكانة خاصة , فهي ليست مجرد أعضاء للرؤية , بل هي مرايا للروح , نوافذ تطل على خفايا القلوب , وبلسم يشافي الوجدان , وقد تغنى بها الشعراء والمطربون العراقيون على مر العصور, مستخدمين أجمل الكلمات والأمثال الشعبية ليرسموا لنا لوحات فنية ساحرة , ولكم تردد صدى بيت الشعر العراقي الأصيل : (( عيونك ديرة وعشگ , والديرة بيها كل اليحبون )) , هذا البيت يختصر الكثير , فالعيون هنا ليست مجرد وسيلة للنظر, بل هي (( ديرة )) أي وطن ومستقر, فيها كل ما يثير الحب والعشق , هي ملاذ للقلب المتيم , ومحطة يلتقي فيها العشاق.

إن التغزل بالعيون في الغناء والشعر العراقي ليس مجرد وصف لجمال الشكل , بل هو وصف لعمق المعنى وتأثيرها على النفس , إنها رمز للحب , للشوق , للحزن , وللسعادة , هي قصة كاملة ترويها نظرة واحدة , ولغة صامتة يفهمها القلب قبل العقل , وما زالت العيون , وستبقى , مصدر إلهام لا ينضب لكل من أراد أن يعبر عن أعمق المشاعر بصدق وبلاغة , وفي مقام الغزل , كثيراً ما نسمع التعبير: (( يا عيون المها , فدوة لرمش عينك )) , هنا يتم تشبيه العيون بعيون المها , وهي من أجمل عيون الحيوانات المعروفة بالاتساع والبريق والسواد , وهذا التشبيه يضفي على العيون الموصوفة جمالاً وروعة لا مثيل لها , ويظهر مدى الإعجاب الذي يصل إلى حد التضحية (( فدوة )) , ويذهب الشعراء أبعد من ذلك في الوصف , فيقول أحدهم : (( شفت بعيونك لمعة حزن , ودمعه تخفي أسرار )) , هذا البيت يعبر عن قدرة العيون على كشف خفايا النفس , ففيها يمكن رؤية الحزن المكنون , والأسرار الدفينة التي تحاول أن تخفيها الدموع , العيون هنا ليست مجرد مرآة للجمال , بل هي مرآة للحزن والألم , تعكس ما لا يمكن للكلمات التعبير عنه.

((صلفات العيون بس جفاك يكسرهن
وانت الوحيد الذي ينباح لك سرهن
هجرك وبعدك جمالك دوم يكسرهن
يكتلني مرك واگولن لك حلو منت مر
حنضل واحسك شهد چنك صرت من تمر
خايف ع الضلوع من هذا الگلب من تمر
خايف دليلي بحدا الدگات يكسرهن )) .

يزخر الغناء العراقي بوصف العيون والتغزل بها , فكم من مرة سمعنا المطرب يردد : (( يا عيون صابتني بنظرة , جنها سهم بقلبي اخترق )) , هذا المثل الشعبي المنتشر في الأغاني , يصف قوة تأثير النظرة من العيون الساحرة , وكأنها سهام تخترق القلب وتتركه متيماً , إنها صورة بليغة تعكس عمق الانجذاب الذي تسببه النظرة الواحدة , ولا يغيب عن ذاكرتنا المثل الشعبي العراقي الذي يصف العيون التي تحمل علامات السهر والعشق : (( عيونك بيها سوالف سهر , ومنها الرمش ما ينام )) , هذا التعبير يصور العيون التي تحمل في طياتها قصصًا من الأرق والعشق , وكأن رموشها نفسها لا تعرف النوم من شدة التفكير والشوق , إنها عيون تعكس حالة القلب المشغوف , وتكشف عن معاناة المحب وسهره الطويل .

يقول مظفر النواب : (( عيونَك , زرازير البراري بكل مَرحها بكل نَشاط جناحها , بْعالي السَحَر والروح مِنّي , عوسجَة بَر ما وصَل ليها النده , ولا جاسها بگطرة المطر , وصفولي عَنك , بالنباعي تفيض واتعنيت ليله ويه الگمَر, وصفولي عَنك , كل مسامة تفيض مِنك عطر , يَلحِسنَك نَهَر تنْزل بصدري , ويَه النِفَس وبدَمي غَصبَن تِنعجن )) .

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات