مقامة العجمي وألأعجمي

مقامة العجمي وألأعجمي

ذكر الشيخ البحراني في بهجة الخاطر ونزهة الناظر/182 : (( الفرق بين العجمي والاعجمي (( العجمي هو المنسوب الى العجم وان كان فصيحا , والاعجمي هو الذي لا يفصح وإن كان عربيا , الا ترى أن سيبويه كان عجميا , وكان لسانه لسان اللغة )) , وقال ابن قتيبة  في كتب العجم أن بعض ملوك فارس قال : صونوا أسراركم فإنه لا سرّ لكم إلا في ثلاثة مواضع : مكيدة تحاول , أو منزلة تزاول , أو سريرة مدخولة تكتم , ولا حاجة بأحد منكم في ظهور شيء منها عنه ظنّ ) (,عيون الأخبار1/99 , وقال الشاعر: (( تنزو بها العجم في دكن مسعفة  نزو الجنادب في أعناقها الصوف )) ,وقال ابن عبد ربه :(( كانت العرب تسمي العجميّ إذا أسلم : المسلماني , ومنه يقال: مسالمة السواد , والهجين عندهم , الذي أبوه عربي وأمه أعجمية , والمذرّع : الذي أمه عربية وأبوه أعجمي وقال الفرزدق : (( إذا باهليّ أنجبت حنظليّة …. له ولدا منها , فذاك المذرّع )) , وفي العقد الفريد 7/141))  العجمي : النصراني ونحوه وإن كان فصيحا , والأعجمي : الأخرس اللسان وإن كان مسلما , ومنه قيل: زياد الأعجم , وكان في لسانه لكنة,  والفرس تسمى الهجين: دوشن , والعبد: واش ونجاش , ومن تزوّج أمة: نفاش , وهو الذي يكون العهد دونه , وسمي أيضا بوركان  )) .

يقول ابن خلدون في مقدمته : (( من الغريب الواقع أن حملة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم العجم , وليس في العرب حملة علم , لا في العلوم الشرعية , ولا في العلوم العقلية إلا في القليل النادر, وإن كان منهم العربي في نسبه , فهو أعجمي في لغته ومرباه ومشيخته , مع أن الملة عربية , وصاحب شريعتها عربي , أي رسولنا الكريم محمد بن عبد الله , وإن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب , والسبب في ذلك أنهم أمة وحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم , فصار لهم خلقاً وجبلة , وكان عندهم ملذوذاً لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم )) .

تأخر العرب قبل الإسلام كثيراً في اكتشاف الحضارة والثقافة والفنون إلا القليل منهم , لذلك وقتها لم يعرفوا الملك الذي تتولد منه السلطة والدولة بمفهومها البسيط , والتي تمثل حفظاً للحقوق ونظاماً اجتماعيا يحتكم فيه العامة إلى العرف والقانون القبلي , مع توفير الرعاية الكاملة والحماية لتلك الرعية , فعندما بعث الرسول , كان العرب على أصلهم من البداوة والقفار يتناحرون في ما بينهم , وفي الجانب الأخر كان للفرس والروم نظام ملكي ساد العالم وقتها , وعلى رأس كل أمبرطورية ملك مُطاع , وكان للحبشة أيضاً نظام ملكي متقدم حجز مكانه في بلاد الأحباش والسود.

غالبا ما يستخدم العراقيون كلمة العجم لوصف الفرس , إستنادا الى ما ذكر عن النبي بعد انتصار العرب في معركة ذي قار: (( هذا أول يوم انتصف فيه العرب من العجم )) , قال تعالى في سورة النحل ((لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ)) , وقد روى عبد الله بن عباس عن النبي أنه قال : (( أحبوا العرب فإني عربي , والقرآن عربي , وكلام أهل الجنة عربي )) , وقال أيضا : (( من أحب العرب فيحبني أحبهم , ومن أبغضهم فيبغضني أبغضهم )) , وروى جابر بن عبد الله عن النبي أنه (( إذا زالت العرب زال الإسلام )) , وروى أنس بن مالك أن النبي قال : (( العرب نور الله في الأرض , فإذا ذهبت العرب أظلمت الأرض , وذهب ذلك النور)) .

العربية نوعان , عربية العرق والنسب , وعربية اللسان والثقافة , فعرب العرق والنسب هم من ثبت نسبهم إلى قبيلة من القبائل العربية القحطانية العاربة , أو العدنانية المستعربة , الذين يرجع نسبهم إلى إسماعيل , أما عرب اللسان والثقافة , فهم سائر سكان البلاد العربية , وهي بلاد الجزيرة العربية , والبلدان التي فتحها المسلمون , فاستقرت فيها العربية لسانًا وثقافة , ولم تخرج منها إلى يومنا هذا , لكنهم ليس لهم نسب محفوظ إلى واحدة من القبائل العربية السابق ذكرها , وهؤلاء ليسوا أعاجم اللسان والثقافة , فهؤلاء لغتهم الأصلية التي نشأوا عليها هي العربية , والعربية هي ثقافتهم التي نشأوا عليها , لكنهم لا يحفظون نسبهم لواحدة من هذه القبائل , فمنهم من قد يكون له نسب لهذه القبائل لكن لا سبيل للعلم به , ومنهم من ينحدر من نسل الأمم التي كانت تسكن مصر والشام والعراق ونحوها قبل أن يفتح الإسلام هذه البلاد.

ذكر التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة 1 /70 : (( الأمم عند العلماء أربع : الروم , والعرب , وفارس , والهند , وثلاث من هؤلاء عجم , وصعب أن يقال : العرب وحدها أفضل من هؤلاء الثلاثة , مع جوامع ما لها , وتفاريق ما عندها )) , وقال ايضا (( كتب سعد بن أبي وقّاص إلى رستم صاحب الأعاجم : إسلامكم أحبّ إلينا من غنائمكم , وقتالكم أحبّ إلينا من صلحكم , فبعث إليه رستم : أنتم كالذّباب إذ نظر إلى العسل )) , وكتب العتّابي إلى المأمون : (( إن للعرب البديهة , وللعجم الرّويّة , فخذ من العرب آدابها ومباني كلامها , وخذ من العجم مكايدها ونتائج فكرها , تجتمع لك فصاحة العرب ورجاحة العجم )) , البصائر والذخائر7/78.

مِهيار الديلَمي , شاعر من أصل فارسي , متعصب لفارسيته , يتكلم العربية كأهلها , ويقرض الشعر كأبلغ شعرائها , ورغم اعتناقه الإسلام بعد هجرة أبيه به وبعائلته إلى بغداد , واتخاذها وطنا لهم , إلا أنه كشاعر طالما استعان بلغته العربية ودينه الجديد للإشادة بقومه الفرس , وفخره بهم , وزهوه بالانتماء إليهم , يقول :(( قَوْمِيَ استولَوْا على الدهرِ فَتىًومَشَوْا فوق رؤوسِ الحِقَبِ , عمَّموا بالشمسِ هاماتِهُمُ وبَنوْا أبياتَهم بالشهُبِ , وأَبى كِسرَى على إيوانهِ أين في الناس أبٌ مثلُ ابي , سَوْرةُ الملكِ القُدامَى وعَلَى شَرَفِ الإسلامِ لي والأدبِ , قد قَبستُ المجدَ من خيرِ أبٍ وقبَستُ الدينَ من خيرِ نبي , وضَممتُ الفخرَ من أطرافِهِ سؤددَ الفرسِ ودينَ العرب )) .

أحدث المقالات

أحدث المقالات