ما معنى طَنْطَنة : طنين , طَنْطَنة جَرَس , طَبْلة يَدويَّة , و(( طنطنة الرجل )) , فالطَّنْطانُ يعني الصَّخَبُ والصِّيَاحُ فيقال : رجل ذو طَنْطان , أي ذو صَخب , والطنطنة كثرة الكلام او الكلام الخفي والدندنة مع النفس , كل هذه المعاني صالحة لطنطنتنا لهذا اليوم وتنطبق على مايدور في العراق من اجتماعات وحوارات لعظماء الساسة العراقيين , ومن ولاهم من محللين ومطبلين وجوقة المستفدين والمتنفذين ومن لف لفهم من محامين وصحفيين وفنانين وقيان ومقدمي برامج متأتئين ووعظاء مبسملين ومحوقلين .
كان الوليد بن يزيد الشاعر الخليفة الأموي متهتكا مستهترا لا يرعى ذمة ولا ضميرا , ولكن له في الشعر والحكمة أقوال حكيمة , ولا عجب ان تخرج الحكمة احيانا من افواه المستهترين , يقول ابن يزيد الماجن هذا)) : تمنيت لو ان كل كأس خمر بدينار ذهب وكل (فرج ) في فم اسد , فلا يشرب الا كريم ولا ينكح الا شجاع(( , ولو كان في زماننا لأضاف (وكل حساب فيسبوك ) كذلك , فلا يكتب الا كريم وشجاع .
يكتب البعض في الفيسبوك بطريقة طنطنة الذباب التي لا تتبين منها غير اضطراب الأجنحة ,فهو يدين ولا يستطيع ان يسمي , وينتقد دون ان تعرف من المقصود ولا يجرؤ حتى على بيان رأيه الصريح بواقعة او حدث ما , ويطن ُّحوله معلقون دون ان يعرفوا ما يقصد مؤيدين بطنين الجبناء الغامض ,هؤلاء نتاج تربية حزبية كانت او حكومية او منزلية ,يربون في داخلهم شرطيا ولا يستطيعون الخروج عن رهبته , يكتبون بصيغة ان (بعض الناس ) او ( احدهم ) وغير ذلك من التعابير التي تدل على الجبن عن المواجهة , لا اخفي ان بعض هذه الكتابات قد تعنيني شخصيا واعرف ذلك بيقين , ولكن هل من الضروري ان ترد على ذبان طنان يخشى المواجهة ؟
ان لم تكن شجاعا وتكتب بالاسماء الصريحة وتوجه الحرف بدقة الى الجبهة , فاجلس مع العجائز المسكينات على عتبات البيوت ودردم معهن وهن يندبن حظ الزمان , فالفيسبوك وسيلة تواصل حضارية لا تحتمل لؤم الأجلاف ونميمتهم وخبثهم , فلا تطنطن ايها الشرطي وافصح , فأول الثقافة الجراة والصراحة , وإذا إستطعت أن تقنع الذباب بأن الزهور أفضل من القمامة , حينها تستطيع أن تقنع الفاسدين والحاقدين بأن الوطن أغلى من المال والجاه , وحينها تستطيع ان تقنع الفاشلين بأنهم اخفقوا , وبأن الوطن والشعب اكبر من كل من يعتقد بأنه هو الوطن والوطن هو ,وأحسن القول من قال لا تسأل الطغاة لما طغوا , بل اسأل العبيد لما ركعوا.
نصارح المطنطنين بهذه القصة : طلب الخليفة عمر بن الخطاب من أهل حمص أن يكتبوا له أسماء الفقراء و المساكين بحمص ليعطيهم نصيبهم من بيت مال المسلمين , وعندما وردت الأسماء للخليفة , فوجيء بوجود اسم حاكم حمص (سعيد بن عامر) موجود بين أسماء الفقراء , وعندها تعجب الخليفة من أن يكون والياً لحمص و من فقرائها , فسأل أهل حمص عن سبب فقره , فأجابوه أنه ينفق جميع راتبه على الفقراء و المساكين , ويقول (ماذا أفعل وقد أصبحت مسؤولا عنهم أمام الله تعالى) , وعندما سألهم الخليفة هل تعيبون شيئاً عليه ؟ أجابوا : نعيب عليه ثلاثا : فهو لا يخرج إلينا إلا وقت الضحى , و لا نراه ليلا أبداً , ويحتجب علينا يوما في الاسبوع , وعندما سأل الخليفة سعيد عن هذه العيوب أجابه هذا حق يا أمير المؤمنين , أما الأسباب فـهي : أما أني لا أخرج إلا وقت الضحى ؟ لأني لا أخرج إلا بعد أن أفرغ من حاجة أهلي , وخدمتهم فأنا لا خادم لي و امرأتي مريضة , وأما احتجابي عنهم ليلا , لأني جعلت النهار لقضاء حوائجهم و الليل جعلته لعبادة ربي , وأما احتجابي يوما في الاسبوع , لأني أغسل فيه ثوبي , وأنتظره ليجف لأني لا أملك ثوبا غيره, فبكى عمر .