فشلت جلسة البرلمان المعول عليها , بعدما أختصم مقاولا التفليش الرئيس ونائبه , وبعدما صاح الرئيس : (( أشخ على ابو العراق )) , وأنهى الجلسة , وكلمة (( يشخ )) في اللهجة العراقية تعني (( يتبول)) أو (( يبول)) , وهي كلمة عامية شديدة الوقاحة تستخدم في سياقات غير رسمية , وتعكس مستوى غير مسبوق من الازدراء والتهور من قبل رئيس الجلسة ,وفي الدخول بهذا السياق الشوارعي , يبدو أن جلسة البرلمان قد وصلت إلى طريق مسدود , بل وتحولت إلى فضيحة بكل المقاييس , الخصومة بين مقاول التفليش الرئيسي ونائبه , وتصريح الرئيس الصادم حين تبول على أبي العراق , الذي أنهى به الجلسة , لأن مثل هذا السلوك لا يقوّض فقط الجلسة نفسها , بل يضرب في الصميم هيبة المؤسسة التشريعية وثقة الشعب فيها , وكلها مؤشرات على انهيار تام للعملية البرلمانية في هذه اللحظة .

(( الشّيطانُ /بالَ فِي أعْشاشِ الْملائكةِ فلمْ ينْمُ لهَا ريشٌ ولَا ذاقَتْ لذًةَ التّجْنيحِ كتبَتْ عليْهَا بحبرٍ تالفٍملْحمةَ الْيأْسِفِي قبابِ الْغرانيقِ )) , ماذا ترتجي ممن لاعهد لهم ؟  دستورهم التقية, يقتلون جمهورهم ومواليهم ويسرقون مستقبل أبنائهم ويخربون مدنهم وينقلبون على من نصبهم على كرسي العراق , ويتنكرون للقوة العظمى التي جاءت بهم الى الحكم , ويجاهرون بانتمائهم لإيران الفارسية وما علموا ان العراق عصي على التفريس , عراق الغد سيكون علمانيا إنسانيا عابرا للقومية والعرقية والطائفية, مسالما سالما من كل سوء, عراق هو المتن والآخرون مجرد هوامش.

يقول الفيلسوف والكاتب الروماني  أميل  سيوران : (( لأننا فشلنا في خلق إنسانٍ يفكّر , لم يتكوّن لدينا شعب , بل تشكّل لدينا جمهور , جمهورٌ مصفق , وجمهورٌ لاعن , يصفّق مرة , ويلعن مرة , لكنه لا يفكّر)) , يحزنك أنك لا تعرف عدد المحافظات في بلدك وما اسم رئيس جمهوريتك وما تاريخه؟ ويحزنك ان النشيد الوطني لبلدك ليس عراقيا ولا علم بلدك هو علم العراق أيضا, بل هو علم فرضه إقليم من بلدك على الغلمان الحاكمين مقابل خلع المشروعية عليهم من قبل سكان ذلك الإقليم , يحزنك ان يحكمك ملتحين فيحددوا لك الحق والباطل , يحزنك ان ملايين العراقيين من اخوتك ينامون على الخوف والجوع في حين يزرع المسؤولون الحكوميون ريشا من الذهب على أجساد العاهرات في الملاهي المنتشرة في مدن ارض السلام .

التاريخ يقول إنَّ الكرسي يَتعب من شاغلِه إذا أسرف في الرهانات الشائكةِ وأسرفت أجهزته في ولائمِ القسوة , فلاتندهشوا , هذا هو نظام اللصوص ,  لاتندهشوا من فضائح هذا النظام الفاسد الذي يحكم البلاد منذ عقدين من الزمن , فحين يحكم اللصوص تكون مخرجات الفضائح من مستنقع عملية سياسية يديرونها بمقاسات المافيات والسطوة والقوانين التي تحكمها تحت شعار (( حاميها حراميها  )) , ولست مندهشاً من ان النزاهة لدينا تحتاج الى نزاهة لحمايتها , وان مراقب المسؤول بحاجة الى من يراقبه والحارس بحاجة الى من يحرسه والقانون الى من يحميه والاموال الى من يصونها من ايادي لصوص اليوم والشهر والقرن , لست مندهشاً من فضائحية لصوص يتفقون على النهب ويختلفون على التوزيع فتزكم الانوف رائحة الفساد من رؤوس نعرفها ويخشى الجميع الاعلان عن أسمائها , لست مندهشاً من التنصت والتخابر والتجسس بين أفراد عائلة اللصوص , لينكشف المشهد على فوضى الصراعات الداخلية التي تنخر بجسد هذا العراق الذي يكرهونه على رؤوس الاشهاد .

تدويخات ممنهجة كريهة سائحة على ما تبقى من جسد بلاد ما بين القهرين العظيمين  ,

يبدو العراق الذي شخ المقاول على أبوه , وكأنه عالق في مفارقة مريرة : بلد غني بإمكاناته , فقير بواقعيته , مغمور بالثروات , محروم من الاستثمار فيها , حاضر في خرائط الصراع وغائب عن جغرافيا التقدم , (( مشخوخ عليه )) , ألا فاقرا باسم حزبك وجيبك الذي حكم , اما عشيرتك التى ( ابتلت بيكم ) وتتحمل وزركم وطائفتكم حمالة الحطب براء منكم الي يوم الدين عندما لاتكونوا للعراق كله , أولئك الاوغاد بلا حدود , شلة السلب والنهب  بكل وقاحة , البلد بنك منهوب لكل من هب ودب , شوهوا الاسم الكبير , اسم العراق الصوت الهادر المسموع من كل البقاع إلى بلد يرزح تحت العصابات والاحتلال بكل المسميات والعناوين , المسروقات المنهوبات منذ السقوط حتى اليوم هي اكثر من خمسمائة مليار دولار ونور زهير وكل قضايا النزاهة والكلاوات والقضاء الفاسد الذي يغطي الحيتان الكبيرة , لن تعيد الى الخزينة عشرة مليارات دولار كحد أقصى .

قرأت قصيدة بعنوان : (( صرخة لا محلّ لها منَ الإعراب )) , فتقول : ((  الى متى
يظلُّ الإنسانُ الصادِقُ ضميراً مُستتَرِا , وتظلُّ الأقَزامُ المُشَبَهَة بالأفَعالِ , تنصِبُ وترفعُ مَا تشَاءُ متى تشَاءُ ..؟ )) .

أحدث المقالات

أحدث المقالات