يقول باولو كويلو : (( الجهل يقاس بمقدار الشتائم التي يستخدمها الشخص عندما لا تكون لديه أي حجج للدفاع عن نفسه )) , في تعليق على شتائم أحدهم كتبت على صفحته : ( كم اعترف بكونك جليلاً في التحقيق والسرد والنقل الأمين , لكن عبارة واحدة تجعلك تحت طائلة النقد , وأحيانا الشك في علميتك وأنت الذي تدعي الأكاديمية , ليست مشكلة أن لا تحب الحزب الفلاني , ولك ان تذكر مساوئ عهده بما تشاء , لكن أن تصفه بالمجرم والنذل وكذا من الأوصاف السوقية , يخرجك عن رزانة المثقف والمحقق والمؤرخ , عباراتك هذه
ضد خصمك , يمكن أن تقال في مقهى أو بين اصدقاء , لكن لا يجوز أن تكون في مواقع رصينه , وتصدر عن أحد من يدعي نفسه من فحول المثقفين )) , وطلبت ممن يتفضل بالتعليق ألا يخرج عن القصد , قصدنا ليس حزبا معينا , إنما استخدام مفردة غير لائقة , سوى كانت ضد هذا الحزب أو سواه , من كاتب يفترض ان له وزنه و بحوثه .
قال ألأمام علي أيام حربه مع الخوارج : لا تسبوهم و لا تشتموهم , لسنا شتامين و لا لعانين و لا سبابين , قولوا أخواننا بغوا علينا , وقد قرأت تغريدة لشيخ خليجي تقول : (( لسنا بالشتامين ولا اللعانين ولا أهل فتنة , ترفعنا عن قذارة المسيئين ليس ضعفاً , بل مكسب لديننا وأخلاقنا وسمعتنا الحشيمة , اسفهوهم فهم المسفوهين )) , ومثلما يقول الشاعر: (( إن اللئيم بقبح القول تعرفه وبالحوار طباع الناس تكتَشَفُ – فنُ التَّخاطب ذوقٌ ليس يُدركهُ إلّا كريمٌ بحسن الخُلق يتَّصفُ )) , وهكذا فأن اللين هو المفتاح الذهبيّ للقلوب, والطريقة الأصحّ للتدرّج في الكمال.
لو فكر الشاتمون لثواني قبل ما يقومون به , لكان أفضل لهم من أن يضعوا أنفسهم تحت الانتقاد من القريب قبل الغريب , فاذا اردت ان تهاجم خصمك محاولا تسقيطه فلا تستعمل كلمات او اوصافا سوقية ومبتذلة كالطعن بالشرف مثلا, لان ذلك يفقدك المصداقية ويرفع من شأن خصمك , وتذكر ان الكلام صفة المتكلم , فاستعمل لغة رفيعة وحجة دامغة في هجومك لكي لا ينقلب الهجوم ضدك.
لا شك أن أول ما سيتبادر إلى دماغك عن السِّباب هو أنه شيء محرّم , ومحظور, وغير مقبول تحت أي ظرف , وهو مؤذٍ كذلك , لهذا السبب تضع قنوات التلفاز صفيرا مكان الشتائم , خشية أن يؤثر ذلك على عدد متابعيهم , أما كتابيا فقد يضع البعض طلاسم (كـ !&@$#) ) للتعبير عن أن هناك كلمات نابية قد قيلت أو كُتبت , لكن على الرغم من ذلك , فإن استخدام الشتائم هو سلوك عابر للثقافات , يوجد في كل اللغات وله تاريخ ضارب في القدم لدرجة أننا لا نعرف بدايته , كان منهج المتنبي المسجل باسمه في فن الهجاء الشعري , أن يهجو على قدر احترامه لذهنية المهجو, فإن كان ذا عقلٍ وذائقة أدبية , فإنه يبدعُ له قطعًا من الهجاء الفني , والصور غير المباشرة , أما إذا كان يحتقره , فإنه (يصير يسب) بنص , لكن لأن المتنبي كان ماكينةً بشرية لإبداع الحكمة , فإنه لا يكف عن إطلاق تُحَفِه الشعرية حتى وسطَ موجات السباب , يذكر الرواة أن أحد الأشخاص اعترض طريق المتنبي , وذلك لإجباره أن يمتدحه في قصيدة , فرّ المتنبي منه , لكنه قرر مكافأته بما يستحق وما لا يستحق من أجل ما فعل , فأهداه قصيدة من أقبح الهجائيات في الشعر العربي عرَّض -تصريحًا لا تلميحًا- فيها بنسبه وشرفه وشرف زوجته , ووالديه , ولعل أكثر أبياتها أدبًا في هجاؤه :
(( ومن البليَّةِ عذلُ من لا يرعوي *** عن غيِّهِ .. وخطابُ من لا يفهَم
وإذا أشارَ مُحدِّثًا فكأنَّــهُ *** قردٌ يُقَهْقِهُ أو عجوزٌ تلطِــــمُ )) .
بعد الانتشار السريع لوسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي على مدى السنوات الماضية , وكثرة المشهورين عبر العديد من هذه المنصات مثل فيسبوك وانستغرام وسناب شات , إلا أن السياسيين منهم يفضلون موقع التدوين المصغر تويتر , كان غالبيتهم لا يتصور في يوم من الأيام أن يتم قذفه أو التشهير به أو التعرض لشرفه وعرضه عبر هذه المنصة , وبالمتابعة لكبار المغردين وأكثرهم شهرة نجد كثرة السب والشتم بألفاظ خارجة عن المألوف , وعن الشهامة والمبادئ العربية الأصيلة ولكنها مع الأسف تنبع من العرب , وغالبيتهم من الجاهلين بالقضايا التي يسبون ويقذفون من أجلها.
مع ظهور هذه الظاهرة للمغردين الخارجين عن القانون والأعراف والعادات والتقاليد , أصبحت هناك حسابات لأشخاص محسوبين على حكومات , يفتقرون لأقل صفات الرجال الأحرار , ويتمادون على أعراض , ويقذفون محصنات بأقذر الألفاظ , ولا أريد ذكر مثال لهؤلاء لأنكم جميعاً تعرفونهم وتعرفون من يتبعون , ما يثير الاشمئزاز بهؤلاء أنهم محسوبين على العرب بغض النظر عن تعاليم الدين الإسلامي , لأن هناك من إخواننا الذين يعتنقون ديانات أخرى لا يرضون بما لا يرضى به الإسلام , ولهذا أنتقدهم على أنهم عرب والعرب معروفون بالنخوة والشهامة والأخلاق مع اختلاف أديانهم ومعتقداتهم , والاحتماء وراء شاشات هواتفهم الذكية أيضاً ليست من الشجاعة.