4 أكتوبر، 2024 10:27 م
Search
Close this search box.

مقامة الزفرة

كتب الصديق التونسي هاشمي بلطي : (( بين النّبض والنّبض زفرة خرساءُ تتكلّس )) .

من الزفرات أننا نعلم أولادنا قيم ومثل عليا, الصدق, الأمانة, الشهامة, وننسى أننا نهيئهم ليتحولوا إلى أحمال وديعة بيد الذئاب, رجالات المال والسلطة والثروة.

من الزفرات القديمة التي تعود لأيام عملي في السلك الخارجي لبلاد كانت مطمئنة , اني عايشت الكثير من الذين جاؤوا إلى أوروبا, مقفلين على كل المستويات, لا ثقافة أو معرفة أو حس إنساني عام , نهم هائل للمال , للمتع , للجنس , فراغ عاطفي وروحي , في قلوبهم وحش كامن , لا يعرف الرحمة , في الحقيقة , لا أعرف كيف شكلوا أنفسهم , الدين الذي يدعونه مزيف, المذهب أو الطائفة التي يدافعون عنه مزيف , شخصيات مزيفة, لا رائحة لهم, لا صوت, لا روح, لا قلب , إنهم نفوس ميتةتعيش في صحراء قاحلة , ألم يجعلك تطلق الزفرات .

 

زفرة الدهشة لأهل اليسار , ترى كيف نتعامل مع من يسرق منك خطابك ويعمل عكسه , فيقول أنا مع تحرير فلسطين من الماء إلى الماء , ومع اليسار , ومع الاشتراكية , ومع الديمقراطية , أما واقعا فهو يتعامل مع الرجعية , ويغازل الصهيونية والامبريالية , ويتنازل عن السيادة , وينسى سارقي نفطه وخيراته , ولا نستطيع أن نتهمه بالرجعية , والمشكلة انه لازال خطابه يساريا ويدفع بالبلاد إلى أقصى اليمين .

 

تطلق زفرة لقاعة في نيويورك شبه فارغة وجوقة تصفيق لخطيب مجنون , يترسخ في الذهن ان البشرية أنثى مغتصبة , وكل زناة الليل فوق جسدها يرقصون ,غريب حال الناس , يدافعون عن الأب الذي اغتصب أمهم , وتتساءل بزفرة ترى هل يستطيع الإنسان المشتت الذهن أن يحب ويمنح ؟ هل يمكن للمستمتع بالذل أن يكون معطاءً وكريمًا في الحب ؟ الكثير منًا يشعر بالسعادة في ذل الحبيب له , لهذا ينتهي الحب نهاية مدمرة ,أما السوي هو وحده الذي يتلذذ بالحب ويفرح به.

 

زفرة لبلد الحضارات والموروثات الإبداعية الألمعية الأصيلة , الذي أنار مسارات البشرية بالمعارف الفياضة بالطاقات المتنامية بالمستجدات , التي أوصلتها إلى مدارات زمنها المعاصر, هذا البلد , تحول إلى (مثرودة ) في صحون الطامعين به , والمفترسين لثرواته وذاته وموضوعه , فبدى كأجداث خاوية , أحياؤه أموات وأمواته أحياء , حاضره مفقود وغابره موجود , والتقهقر عنوان التواجد فوق ترابه الذي لا يرتوي من دماء أبنائه , ولا يشبع من أبدانهم الشهية , التي تغادر مسارح الحياة وفقا لإدعاءات الضلال والبهتان , وتدمير الدين والأمة بالدين .

 

تأتيك الزفرة الحارقة حين تتسائل : أين الذكاء يا وطن الأذكياء؟ مفكرون وعلماء وكتاب وشعراء وفلاسفة وأعلام في كافة المعارف ,  والبلاد على جرف هارئ , تتلقى (الكفخات) من جميع الجهات ,فلا سيادة , ولا عزة ولا كرامة , ولا إهتمام بحقوق المواطنين , ولاغيرة وطنية وإنسانية , والوطن في غياهب النسيان , وكل مَن عليه , يلتهمه القطيع في الميدان , ويصيخ السمع للضلال والبهتان , والسمع والطاعة برهان , وتعطيل العقول عنوان , وما أبخس المواطن الإنسان , فهو بلا حقوق ولا قيمة وعليه التمتع بالقهر والجور والخسران , ترى هل أن الوطن محكوم عليه بالإمتهان؟ لماذا لا يقوده الأذكياء؟الأغبياء قادتنا والأذكياء أعداؤنا , نداء يتردد في أعماقنا , وما يعانيه المتميزون في مجتمعاتنا دليلنا , وهكذا في زمن الذكاء الإصطناعي المنان , نمارس تمرين ( إلى الوراء در) .

وفي زفرة الختام , ماذا ترتجي ممن لاعهد لهم ؟  دستورهم التقية, يقتلون جمهورهم ومواليهم ويسرقون مستقبل أبنائهم ويخربون مدنهم وينقلبون على من نصبهم على الكراسي , ويتنكرون للقوة العظمى التي جاءت بهم الى الحكم , ويجاهرون بانتمائهم لأعداء أهلهم ,هؤلاء الذين قتلوا غيرهم بدم بارد, كيف ورثوا تاريخهم لاولادهم؟ هل ذاقوا الموت؟ كيف كان بالنسبة لهم؟ هل تذكروا ضحاياهم؟ ماذا كان احساسهم؟ ماذا كانوا يظنون أنهم فاعلون؟ أي قضية تستحق أن يقتلوا من أجلها إنسان بريء؟ تبًا لهذا العالم كم هو قاسي .

أحدث المقالات