كتب أحد الأصدقاء تحت عنوان (خواطر) : (( أظنُ أنَّه أحيانًا بعض ما يُكتب , يكون لغزًا لايعرفه غير كاتبه فنعود لنقرأه مرارًا لعلنا نحله لكن بصمت , كما لبعض الموسيقى لغزًا وضعه فنانها لا يفهمه غيره لكننا نستمتع بالاصغاء إليها بصمت , كذلك اللوحة الفنية يكون فنانها قد وضع شيئا فيها لايفهم مغزاه سواه لكنها تمنحنا شعورًا ما , يتركنا لنصمت )) ,ونقول عن الخواطر أنها شيء جميل و نبيل , فالخاطِرُما يَخْطُرُ بالقلب من أمر, أَو رأْي , أَو معنًى,  و الخاطِرُ القلب أو النفس (على المجاز) , والجمع : خواطِرُ , وقد أستُعملت كلمة ( خاطِر) مصطلحًا في علم الكلام في نحو العام 255هـ بمعنى: ما يَعرِضُ للنّفسِ من اعتقادٍ أو ظنّ , كما ان الخواطر هي مجموعة الأفكار والآراء والمشاعر التي تتبادر إلى ذهن الإنسان أو تظهر في قلبه , وهي عبارة عن لمحات فكرية أو عاطفية تظهر بشكل مفاجئ ,  أو هي فكرة أو رأي أو شعور يتبادر إلى الذهن بشكل مفاجئ , وليس فكرة ناضجة أو متطورة

هناك من سمت خواطره فأبدع فكتب : ((كلهم يمشون نحوي , حتى أنا , حُضورك في كتاباتي , ليس اعتيادياً , بل ضرورة أدبية ,  ودخلتُ جنّة قلبك أفواجا , خيرُ جليسٍ في الزمان عيناها  , لا حاجةَ لي للنّوم , فكلّ أحلامي أنت ,  أنتِ (( العشرة )) المُبشّرين بحُبي  , كان قلبهُ كجلمودِ صخرٍ , حَطّهُ الحُب من عَلِ , رغم انحناء ظهرها , نتوكّأ عليها جميعاً , تلك أمي  , من يأخذ دور البطولة مني , ويعطيني حائطاً ولو كان مائلاً لأستند عليه ؟  من مكتبة عينيكِ , قرأتُ آلاف الكتب , كان آخرها : (( موسم الهجرة إلى الجمال )) , أنتِ أقرب البعيدين , وأبعد القريبين , مُريحة حدّ الوجع , موجعة حدّ الفرح , أنتِ في منتصف كل شئ , حتى في قلبي ,  كان ضليعاً في اللغة .. حتى سَكَنتْ ما بين أضلاعه .. فأصبح يضمُّ جميع الحروف لأجلها !! إنها شخصي المُفضّل .. أفضفض لها عنها !! خيرُ الكلامِ أنتِ وإن كلامي قلّ فالصمتُ فيكِ بليغٌ والسكوتُ أجلّ .

يعرفون الخاطرة : هي أن تمسك القلم وتترك لقلبك وروحك وعقلك ووجدانك العنان في التعبير دون شروط ودون قيود ودون أحكام فهي لا تشترط بقافية ووزن أدبي إلا انه يجب أن يكسوها التناسق في اللّحن والكلمات , تعبر فيها عن أحاسيسك بسلاسة وطلاقة , فهي تعبير عن مكنونات النفس وما يدور فيها من صراعات أو حب أو حزن أو حتى ضيق أو ألم أو فرح وسعادة , وهي كلام القلب يترجمه اللّسان لكلمات , هي فن أدبي وتعبيري عن ما يخطر في القلب والعقل معا , وهي نثر أدبي تحاك كلماتها ببلاغة , وتتصف بجمالها لكثرة الصور الفنية والتشبيهات والمحسنات والإستعارات والكنايات المستخدمة فيها . خذ خاطرة هذا الفلسطيني : (( تقضي سنوات , تصنعُ تمثالاً لزعيمك , وعندما تَفرغُ من نَحتِهِ , يُمسكُ التمثالُ المطرقةَ من يدكَ , ويُحطّمك , كل الذين أنرتَ لهم الطّريق , استكثروا عليك (( عُود كبريت )) وقتَ انطفائِك , لا أملك (( عصا سحرية )) لأغيّر العالم , ولا ((عصا موسى)) لأقنع العالم , لكنني أمتلك “عصا جدّي لأكسر راس العالم إذا لزم الأمر ,
يا موت , يا ريتك أقلّ , ما عندك قلب تا يلين ؟   شو الحل , تا الوجع ما يضلّ , من عام الثمانية وأربعين ؟ )) .

ولنناغي حفيف ستائر خواطرك , يحق التساؤل لمهمومي الأوهام : (( ما فائدة ( بيوت ) أشعارنا إن لم يسكنها طفل رجيف القلب ؟ )) , لستُ يوسفَ , ولا عزيزَ لديّ , فاتركوا قميصي وشأنه , حاجة تعيد وحاجة تزيد , كتّر خيرك , ضلّ بعيد , كل الناس فراقا صعب , إلا إنت فراقك عيد , أنه ذلك الذي حين تأخّر نُطقه , اقترحوا أن تُرضعه أمّهُ (( حليب الحمير)) , بَعدها كبُرَ وملأَ الكونَ نهيقاً , حيث أصبح حاكماً  )) , ومن الهوامش تقول لطفية الدليمي : (( لاأؤمن بالجهات , لااليمين ولا اليسار , لاالشرق ولاالغرب , أؤمن بالأعالي والأعماق حسب)) .

اتجول في مدن خيالك , فأهلوس وأعترف انه في قصيدة الوتري (ديوان الجواهري) اتعبني البيت : (( ولقد رأى المستعمِرونَ فرائساً منَّا , وألفَوْا كلبَ صيدٍ سائبا )) , صحيح أنه من حق الانسان ان تتحول وتتبدل قناعاته , مثلاً من بعثي الى شيوعي وبالعكس , من اسلامي الى ليبرالي , من درويش الى ملحد , من حبيب واشنطن الى حبيب طهران , من صديق الى عدو , لكن هذه التحولات تحتاج الى زمن ومعطيات وتدرج وقناعات وضمير , في ان لاتكون تلك التحولات انتهازية ومصلحية وقائمة الى نوع الدفع وكميته و (( شرعيته)) ,

والتماسيح إذا جاعت تصبح مجنونة , وان شبعت تنصرف الى النوم غير مكترثة , تذكرت قول هنري ميللر : (( لا أَدري كيف أَمضيتُ باقي النهار , كُل ما أتذكره هو أنّ وجع القلب يزداد باطّراد  , لا شيءَ كان قادراً على تخفيفه , لم يكُن السبب شيئاً موجوداً بِداخلي , بل كنتُ أنا نفسي , كنتُ أنا الوجع , وجعًا يتكلّم ويسيرُ على قدمين)) .

ولكي نجاريك ونكون عاقلين نفرز الأشياء ونحلل الواقع فنقول : قرأنا قول الجاحظ : (( ولعمري إنّ العيون لتخطئ , وإنّ الحواسّ لتكذب , وما الحكم القاطع إلاّ للعقل )) , وقول
أبو حيّان التّوحيدي : (( إذا كانت الحركة بشوق طبيعيّ لم تسكن البتّة )) , وقول فرويد : (( الأحلام غالبا ما تكون أكثر عمقا عندما تبدو مجنونة )) , فنتفكر ونكتب : (( يوما ما ستسكنك أفكار مجنونة منفلتة متبرّمة بكلّ انتظام وعليك أن تسايرها  ,أن لا تخدش ما انتظمت فيه من ترتيب , أن تروم الشّيء وتشتهي نقيضه , أن تتمرّغ في كلّ ضروب الغلط وتعتنق ما يجب من الشّطط , وعليك أن تحصي كلّ ما جنته نفسك عليك من أخطاء وأن تعيد ارتكابها بأكثر ما يجب من الحرص على الإتقان والتّفنن , لتضمن أنّك لم تترك لأبناء الحلال من بني جلدتك فرصة اتّهامك بالتّلميح هروبا من عواقب التّصريح ,عليك أن تعتذر عن هرطقاتك بالإصرار على الاعتراف بها والاعتزار بكونك أتيتها بكامل الإدراك والتّعقّل , فليس من صالحك أن يكون للاعتذار مجال في ما أفنيت عمرا ترتّب تفاصيله , وتقسو على ذاكرة تعذّبك وتأبى أن تنسى ,فلم تُبق لك إلاّ أن تكون لها وفيّا )) .