1 فبراير، 2025 2:47 ص

كتب صاحبنا الثمانيني : ((شعرت بالحاجة الى التلذذ بقول الشاعر : دولاب فرني الوكت

وخميت الولايات,  الغربة صارواهلي وخلاني الشمات)) , وعندما نستذكر باقي ألأغنية فهي تقول : (( ومابين شوق وصبر خلصن سنين العمر , يكولون غني بفرح احرق خطوط العتب وانثرها ويه الريح , واذكر محاجي العشق يابو شعر تسريح , والعمر شمعه انطفت وكل السوالف قضت , يكولون غني بفرح )) .

لماذا لا يزال المثقفون  شعراء وكتاب , لايشيعوا بنتاجاتهم الأدبية البهجة والسرور لدى المتلقي ؟  ولماذا حالة الصراع النفسي الداخلي للإنسان العراقي حصراً ؟ ولماذا هذا الحزن المتجذر الذي ما أنفكَ ملازماً للعراقيين إلا ما ندر , أللهواء الملوث بالحقد والضغينة والاستئثار بكل شئ له علاقة بذلك ؟  وهل أن الماء الذي نشربه وتستقيه جداولنا يحال لحزن وألم دائمين ؟  أم أن التربة العراقية تنتج الهموم لنحصدها كما الحنطة والشعير ؟

يروي التاريخ  أن الشاعر (الفرزدق) ذهب حاجاً لبيت الله الحرام , وهناك التقى الأمام (الصادق ع ) فقال له أنشدني يا ( فرزدق ) ما قلته بجدي (الحسين ع) , فبدأ (الفرزدق) يقرأ أشعاره للأمام , فأستوقفه الأمام قائلاً : لا يا ( فرزدق ) بل أتلوها عليّ كما يتلوها العراقيون وبطريقتهم , وكان له ما أراد وجرت عيونه حزناً لجده (الحسين ع) متأثراً بالطريقة التي تليت به القصيدة إياها كما يزعمون  , ومنهم من يقول أن الحادثة إياها جرت مع الأمام زين العابدين (ع) , وأخر يقول أنها مع الأمام الرضا (ع) والشاعر دعبل الخزاعي , ولتكن الحادثة مع أي منهم فهذا يؤكد أن الحزن العراقي متأصل حد النخاع , وأشيع عنا هكذا في كل البلدان العربية ولم نستمع لأغنية تطربنا إلا إذا كانت حزينة.

أعتقد أن الآلات المستعملة بالغناء العراقي أكثر إيلاماً وحزناً من الآلات الموسيقية الأخرى , ومثل ذلك (الناي والربابة) اللتان لهما ذلك الإيحاء الخفي لاختراق شغاف القلوب , كما إن جسم العود على شكل كمثرى وأوتاره العميقة الرنانة هي العمود الفقري للموسيقى العراقية , تستحضر نغماتها الحزينة وجرسها الغني صورًا للتجمعات القديمة حيث تُروى القصص تحت السماء المضاءة بالنجوم , وبالرغم من تعرض العراق طوال تاريخه إلى غزوات وحروب , فإن الغناء لم يتراجع , بل بقي صوتا معبرا عن معاناة الناس وهمومهم وأشجانهم , ولهذا اتسمت الأغنية العراقية بالحزن العميق الذي أصبح سمة تميزه عن غناء البلدان العربية الأخرى , ويبدو أنه حزن ورثه العراقيون من أجدادهم السومريين , لاسيما سكان جنوبي العراق الذين تميزوا بالنواح .

بينما يرتبط الحزن عموما في حياتنا اليومية بالمشاعر السلبية , فان الحزن الناتج عن الموسيقى ليس كذلك , مما يبرر السؤال لماذا عدد كبير من الناس يستمتع للموسيقى الحزينة , بل ويستمتعون بشعور الحزن الناتج عنها , وما الذي يجعل الأغنية تبدو حزينة؟ وهذه فرضية راسخة , حيث تبين أن السمات الصوتية المماثلة الإيقاع البطيء , ومستوى الصوت المنخفض , والجرس الداكن , والنغمة المنخفضة , والنغمة الصغيرة , وتنوع مستوى الصوت , وهجمات النغمة البطيئة  تُستخدم بالفعل في كل من الموسيقى والكلام للتعبير عن الحزن.

ترى لماذا لا يغادر الشعراء العراقيون القصائد الحزينه واستعاضتها بقصائد مبهجة ؟ هذا عريان سيد خلف يقول : (( ضمني أبليل ثاني وحل حلال الخل شحيحه أفراحنه ودكانها أمعزل , البسمه أنبوكها من الآه والياويل  وصياد الهموم أبدفتره أيسجل , مشكلتي الفرح ماعرف بابه أمنين وبثوب الحزن من زغر متمشكل , ناورني الدمع بأول مدب عالكاع  وناغمني الحزن وّي رنة الجنجل)) , وهذا الشاعر رياض النعماني الذي كان في الغربة مستبشرا يكتب قصائد فرح الا انه عندما عاد للعراق مستقراً به ثانية كتب ما نصه (أتباوع على بغداد تبجي ويبجي ليها البجي / بيها الليل حفره والبيوت أكبور / واحد على واحد ميت ومنتجي / كابوس راكس غارك أبكابوس / ياناس وين الناس / وين الهوى وذاك العمر / جنيت يابغداد أدور بيج عنج / تمشي الكهاوي أتدور أبكل درب / أتريد واحد يكعد ومالكت / وحدج وحيده والأحزاب أشكثر) . 

أحدث المقالات

أحدث المقالات