جلسة صالون د . تحسين طه أفندي ألأسبوعية لا تنطوي على جدول أعمال , بل تعتمد منهجية خلايا عصف الأفكار ( Brain Storm ) , ولاأدري كيف أخذ حديث الصوفية معظم وقت جلسة هذا اليوم , فقد ورد في سير أعلام النبلاء وعن يونس البلخي قال : كان إبراهيم بن أدهم من الأشراف , وكان أبوه كثير المال والخدم , والمراكب والجنائب والبزاة فبينا إبراهيم في الصيد على فرسه يركضه , إذا هو بصوت من فوقه : (( يا إبراهيم ما هذا العبث ؟ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا اتق الله , عليك بالزاد ليوم الفاقة )) , فنزل عن دابته , ورفض الدنيا , وفي رسالة القشيري قال : هو من كورة بلخ , من أبناء الملوك , أثار ثعلبا أو أرنبا , فهتف به هاتف : ألهذا خلقت ؟ أم بهذا أمرت ؟ فنزل , وصادف راعيا لأبيه , فأخذ عباءته , وأعطاه فرسه وما معه , ودخل البادية , وصحب الثوري والفضيل بن عياض , ودخل الشام , , وكان لا يأكل إلا من عمل يديه مثل الحصاد وعمل الفاعل وحفظ البستان وغير ذلك,وفيها انه اشتغل في بستان رمان وأرطاب لمدة أربع سنين , وفي يوم طلب منه صاحب البستان ان ينتقي له أفضل الرمان والتمر ليقدمه لضيوف قد دعاهم , وقد فوجيء برداءة الثمار التي جلبها لهم , ولما استدعاه وعاتبه , رد عليه أنه طيلة فترة خدمته لم يذق اي ثمرة من جني البستان التي كان يحرسها ويرعاها , فلم يصدق وقال له فقط أبراهيم الأدهم يفعل ذلك , فأنكشفت شخصيته , ولما تكاثر الملأ على البستان ليشاهدوه , أنسحب بهدوء فارا لأرض الله.
ثم انسحب الحديث عن ( مخة ) أخت بشر الحافي , التي جاءت إلى أحمد بن حنبل وقالت: إنا نغزل على سطوحنا بشعلة الملك, هل يجوز لنا الغزل في شعاعها, وقد وقع علينا المشاعل الظاهرية؟ فقال: من أنت عافاك الله؟ قالت: أخت بشر الحافي , فبكى أحمد, وقال: من بيتكم يخرج الورع الصادق , لا تغزلي في شعاعها, وقد حكى هذه القصة بمعناها الشاطبي في الموافقات, وابن الجوزي في صفة الصفوة, كما حكاها الشيخ الحويني في بعض دروسه, وهو من المشتغلين بعلم الحديث , وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: جاءت مُخّة أخت بشر بن الحارث إلى أبي , فقالت له:إني امرأة رأس مالي دانقين , أشتري القطن , فأغزله, فأبيعه بنصف درهم , فأتقوّت بدانق من الجمعة إلى الجمعة فمرّ ابن طاهر الطائف, ومعه مشعل , فوقف يكلّم أصحاب المصالح , فاستغنمت ضوء المشعل, فغزلت طافات, ثم غاب عني المشعل , فعلمت أن لله فيّ مطالبة , فخلصني خلصك الله, فقال لها: تخرجين الدانقين , ثم تبقين بلا رأس مال حتّى يعوضك الله خيراً منهما, فقلت لأبي: يا أبة, لو قلت لها: لو أخرجت الغزل الذي أدركت فيه الطاقات, فقال: يا بنيّ , سؤالها لا يحتمل التأويل , ثم قال: من هذه ؟ قلت: مخّة أخت بشر بن الحارث, فقال: من هاهنا أتيت , وقد ورد عن بشر بن الحارث أنه قال :(( تعلمت الورع من أختي , فإنها كانت تجتهد أن لا تأكل ما للمخلوق فيه صنع )) , وكان بشرلايصلي في بغداد لأنه يعتبرها أرض مغصوبة.
وردت الى الأذهان شخصيات في هذا الزمان أدعت الأسلام وتبوأت مراكز ومراتب وسرقت الى ماشاء الله ولم تشبع , ورأينا زمر ومجموعات تسلطت في غفلة من الزمن وفي بيئات فكرية وثقافية قاحلة لتضع بيوضها السامة وأفكارها المنحرفة في بلاد احتضنت أولى حضارات البشرية, لكي تفقس جيلاً بعد جيل مجموعات مشوهة لا هم لها إلا السلطة والسحت الحرام لتستمر مسيرة التقهقر والاستكانة والعبودية, تارة لدكتاتور أحمق مفترض وتارة لأفكار خرافية من تاريخ مشوه ومفصل على قياساتها وفهمها المسطح وتارة لشيخ القبيلة وأخرى لفارس نرجسي إرهابي ممتلئ بالسحت الحرام والمرتزقة استطاع تحويل ما حوله الى قطعان من العبيد , كما تفعل كثير من الميليشيات وزعمائها اليوم.
في كتابه “نظام التفاهة” يقول الفيلسوف الكندي آلان دونو: ((إن التافهين قد حسموا المعركة لصالحهم في هذه الأيام , لقد تغير الزمن زمن الحق والقيم , ذلك أن التافهين أمسكوا بكل شيء, بكل تفاهتهم وفسادهم , فعند غياب القيم والمبادئ الراقية, يطفو الفساد المبرمج ذوقاً وأخلاقاً وقيماً , إنه زمن الصعاليك الهابط)) , ويؤكد : وكلما تعمق الإنسان في الإسفاف والابتذال والهبوط كلما ازداد جماهيرية وشهرة.
سلاماّعلى قلوب قرأت ( وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) , فأيقنت أنها أيام وليست شهور ولا أعوام وترحل معها الآلام , سلاماّ على صدور تدبرت ( وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ), فأيقنت أن صاحب الدعاء لا يشقى أبدا , سلاماّ على أرواح اوجعتها الجراح , واثقلتها الهموم والأحزان , فكتمتها بكلمة ( الحمد لله ) .