مقامة الثمن الباهظ

مقامة الثمن الباهظ

يتلذذ صاحبنا المندلاوي عندما ينشر حكم الحب , حيث كتب اليوم : (( الحب اقصر كلمة ينطقها اللسان , واطول درس يتعلمه الانسان ,  يأتيك مجانا ,  ويغادرك بثمن باهظ تدفعه روحك وجسدك  )) , نتناغم معه , مدركين ان الحب ليس في العثور على شخص تعيش معه , بل في العثور على شخص لا يمكنك تخيل الحياة دونه.

تعلمنا من دروس الحياة , ونصائح الحكماء , ألا نقع في الحُب إلا مع شخص يجنّ إن تخللت أصابعك بين أصابع غيره ,  فتراه يسأل عن أسباب الخدوش في أطرافك ويراها بمثابة علامات لأيام مرّت على قلبك ,  ويلاحظ أبسط تفاصيلك تلك التي قد تظن أنها غير مهمة , لكنه يراها كل شيء ,  ويعانقك عناق المكتفي بك عن جميع ما في الكون.

يقول فيودور دوستويفسكي في روايته  (الجريمة و العقاب ) :  ((أتدري ما هو الحنين ؟

الحنين هو حين لا يستطيع الجسد أن يذهب إلى حيث تذهب الروح )), فما العمل  والقرب منك دفئ وحنان , والبعد عنك ندم , والفراق عنك ألم ؟ أو كما يقول أمين جياد : (( كيف و أنتِ دمي حينما أَهمُّ بالكتابةِ إليكِ تهْربُ الحروف ُ , فأُطاردها بنصْفِ شَغَفي , أُمْسكُها فتتعلَّقُ بي , أُقَبّلُ  حرفاً , حرفاًتَنْزعُ ثيابها خجلى فتنامُ تحت أصابعي أسمعُ لهاثها  فيكتملُ الشغف , أبلّلُ نقاطها نقطةً نقطة , فتصيرينَ حَجَراً مجنوناً  بيْنَ دمي )) .

مجانا ولد الحب داخل قلبي وكان أكبر من حجم ذلك القلب , شعرت انه لم يولد حبي له في هذا الزمن , بل قدم إليّ من روح أخرى حلت بيّ , أحسست كأني أعرفه من حياة سابقة, افترقنا هناك ثم عدنا لنلتقي ثانية هنا , فالحب لا يغادر الأرض , بل يولد من رحمها ويتناسل فوقها , لذا فأن أرواح العاشقين متشابهة , لكن بصور مختلفة , ما زلت أتذكر ابتسامته, وهو يصغي لما أقول بينما يدي غافية بين يديه.

تعلمنا حكمة ثمن مغادرة الحب الباهظ من أور , فمذ ذاك والناس تصفُ أجمة القصب التي تقف وحيدةً في العراء وتنحني لتقاوم الهبوب على أنها الألم , منذ أور وهم يَصِفونَ الأجمة كيف أنّها تعمّرُ طويلاً لتزهرَ مرة واحدة في تخوم حياتها وتموت , تزهرُ قبلَ أن تموت , لكن الوصف لا ينتهي عند هذا الحدّ , إذ أنّ الأجمة الميتة تظل ناتئةً لتكوّنَ دكةً صلدةً تقف عليها الطيور لتشرب الماء أو تستريح , ومنذ أور ونحن لا نستريح دون الجلوس على دكة آلامِ مَن سبقونا , مِمَن أزهروا وماتوا .

هناك أغنية غجرية تقول  ترجمتها : (( عندما يصاب الغجريّ بالحب , ينقطعُ عن الغناءِ ويقطرُ دماً , يتحول من قاطعِ أخشابٍ إلى شاعرٍ , يا للخساًرة , بيوتُنا في العرباتِ التي تجري نحنُ الغجر, وأنت وسيمٌ بلا جرأةٍ , قوسٌ بلا سهامٍ , أيها الفتى , شمعتان داخلَ رأسي صورةُ عينيها مذ رأيتها , شمالُنا السماءُ وجنوبُنا الأرضُ شرقُنا وغربُنا الأغاني , وأَوتارُ جسدِك في السُّرةِ أوتارُ جسدِك , إصلح شالي أيها الشيخُ إصلح شالي , ولك قبلةٌ من الفمِ )) .

كتبت الصديقة مونيا صاري : (( لا زالت الأكواب تتزاحم على طاولة القدر , ورشفة العمر واحدة لم تتغير , عميقة المذاق صاخبة المسك , جياش لونها ,  ثائرة الهدوء كحيلة النظرات , عربية الحسن , تملأ الدنا من ثرثرة عشقها الخالد , وحديث الروح تحركه ملعقة الشوق المغمورة بالوجد , وجدران الفؤاد حيث صدى أحاديثنا المسائية تملأ ذاكرة الزمكان )) , أما عريان السيد خلف فقد دفع الثمن باهظا , وهاهو صوته يتهادى قائلا :

(( محطاتي كضن ودبيب ليك أمشاي ولامره أكصدتني ولا تراوالي
جلدات الزواجل طشرتهه أصكور لازقَت مَلابي وتاه منوالي
يبو أعيون الوسيعه النهد شايل غيض دصد عينك عليه ولا تظل سالي
تمنيتك تجيني أغلك عليك العين وشمك شمة الغايب تعناني
أجيلك مستحي والشيب أكل بالراس أخافن عين كل واشي أيتخطالي
نسيت العيب والفشلَه وحجي البطران تنطرتك تجيني أتجيد عذالي
خليها أبكفاك أمعكرات البال ياهو اللي وشالك يكعُد أكبالي
أطيح أبخاطرك وبجي أبشليلك دم بطران الحجالك والكلب خالي
تعال أكرب حبيبي أنصفي راي أبراي مبخوت أعتذرلك بس تعنالي )) .