23 ديسمبر، 2024 11:55 ص

عندما سُئل الكاتب الروسي أنطون تشيخوف كيف تكون المجتمعات الفاشلة ؟  أجاب : (( في المجتمعات الفاشلة ثمة ألف أحمق مقابل كل عقل راجح , وألف كلمة خرقاء إزاء كل كلمة واعية, تظل الغالبية بلهاء على الدوام , ولها الغلبة دائماً على العاقل , فإذا رأيت الموضوعات التافهة تعلو في أحد المجتمعات على الكلام الواعي , ويتصدر التافهون المشهد, فأنت تتحدث عن مجتمع فاشل جدا )) .

المتداول ان الناس عادةً يميلون الى جمع المال والثروه , أكثر من ميلهم الى تحصيل الثقافه , في حين ان سعادة الانسان تتوقف على ثقافته اكثر ما تعتمد على ثروته, وان ضعيف العقل لايدري كيف يملأ اوقات فراغه , فهو يندفع بشراهه بحثاً عن الملذات واشباع الرغبات , لينته اخيراً تائه حيران لامعنى لحياته, ترى كيف نفهم هذا النوع من البشر انه ليست الثروة هي الطريق الصحيح بل الحكمه والمعرفه هي التي تسيطر على الاراده , وأن سعادتنا تعتمد على ما في عقولنا من علم ومعرفه , لا على ما في جيوبنا من مال ,

أن يولد واحدُنا بعينين اثنتين وبلسان واحد فهذا يوحي أنّ النظر والملاحظة متقدّمان على الكلام , وأنّنا كلّما تحدّثنا مرّةً كان علينا أن نلاحظ مرّتين , أو أنّ علينا أن نلاحظ مرّتين قبل أن نتحدّث مرّةً.

ان انتظارالوقت المناسب لتحقيق الإنجازات يدفع الى المزيد من التخاذل , كل لحظة في حياة الانسان الناجح الذي لديه طموح هي الوقت المناسب , هناك قصيدة تنسب للشاعر بابلو نيرودا يقول فيها :  ((يموت ببطء من لا يسافر , من لا يقرأ , من لا يسمع الموسيقى ,من لا يعرف كيف يجد شيئا بفضل عينيه , لا يجازف أبدا بتغيير لون ملابسه أو لا يتحدث أبدا مع غريب, يموت ببطء من يتجنب العواطف وزوبعتها الانفعالية التي تمنحنا النور في العيون وتصلح القلوب الجريحة, عش الآن , جازف اليوم  , بادر بسرعة , لا تترك نفسك تموت ببطء لا تحرم نفسك من السعادة)) .

لطالما رافقتني القراءة وأضحت شاغلي مثل التنفس , والكتابة ايضا, ودائما عندما تضيق بي الاماكن , أجد مع الكتب ثمة فضاءآت , وآمال اخرى تنتظر التحقيق , ومنها تعلمت أنه ليس أسهل مِن الهدم , كل عدته عضلة وفأس , أمَّا البناء فعدته رَويَّة وتفكير , الهدم ساعة وتتناثر الأنقاض , والبناء شهور وسنوات, ورأيت كيف تميلُ الجماعات غالباً إلى العودة إلى الأساطير, الحكايات التي توارثتها في الأزمنة من أجل أن تفسر الأحداث المهولة التي تضربُ البشر , وتعلمت انه من صور الانقياد الأعمى خلف القطيع قول غسان كنفاني ((أحيانا يخرج ماعز من أجل قشرة فاكهة, فيجر القطيع خلفه)).

كان ابن خلدون قد لاحظَ أنَّ الثقافة تتراجع في عهود الانحطاط , يكثر أدعياؤها من الذين يهرفون بما لا يعرفون , فالمثقّف هو من يستدعي حصرياً نشاط العقل والتفكير, وهو في اللغة العربية الثَّقِف, أي الشخص الحاذق الفَطِن.

 ترى ماذا نفعل لتلك الأمم التي تنام في جحور رؤوسها المغلقة, تضيق مساحات أرضها في شخير وهنها, وتتحول كتل شعوبها أشياء, لا تعرف إلا المسافة بين المطبخ والحمام إن وُجد في أكواخها الخشبية أو الإسمنتية , التعليم عندها ضرب من العبث, والحرية من عمل الشيطان , وبالشهامة الجاهلية تتقاتل الأحياء والعشائر والقبائل , ويصير النهب والفساد عقيدة , والجهلة والفاسدون هم القادة بالقتل والنهب والعمالة, لقد تجلت عدالة الخالق سبحانه في هبة العقل لجميع الناس بالتساوي , لكن منهم من لم يدخل إلى خزينة رأسه, فتراكم على ما فيها تراب الجهل , وبقي حقله بوراً وبواراً, فالعقول البشرية أرض , بذورها المعرفة وسمادها العلم وماؤها الحرية.

شعوب تمتلك ثروات هائلة في باطن أرضها, وفوق أرضها مساحات خصبة هائلة صالحة لزراعة كل أنواع المحاصيل , تتدفق حولها مياه الأنهار, والغابات أدغال يعمّها السواد, لكن في رؤوس من يدبّون فوق تلك الكنوز, حقول يسكنها تراب, وكم من أمة منَّ الله عليها بخيرات سائلة تندفع من بطون الأرض التي يعيشون فوقها, لكنها اكتفت باستخدام أفواهها لبلع ما يهبها لها العاقلون الذين يستخرجون ما ملكت بطون تلك الأرض , ويسخّرونها لخدمة شعوبهم ورفاهيتها.