راق لصاحبنا بيتي المتنبي (( لو مال قلبي عن هواك نزعته وشريت قلبا في هواك يذوب ,
ايات حبك في فؤادي احكمت من قال اني عن هواك اتوب ؟)) , مما أستوجب المناغاة , ففي العقد الثامن من العمر يتفادى الطيبون استعادة المنقضِي , ويتجنبون استقراء المرتجَى , أذ انه حتى الأمل صار صعباً , ولو أنه يلوح متثاقلاً وسط أكوام ألأدوية والعلاجات وجداول مراجعة ألأطباء , ألا ذلك الخافق النابض .
صاحبنا لا يزيفُ الواقع ولا يملكُ له أدوات مكياج , تتعانق عنده أرملة الورد بشهيق قبل الندى , يعشق وفق هندسة التجلي , وفق إحداثيات العشق , ينثر كؤوس معينها على شفة محراب المواويل , ويوزع أنفاسه على الأطراف , بين تقاسيم نهرٍ وسطر نخيلات , وبضع حبات رملٍ كصفائح تناثرت , ويتذكر ماخطه حسين مردان : (( إبليس والكأس والمأخور أصحابي , نذرت للشبق المحموم أعصابي , من كلّ ريّانة الثديين ضامرة , تجيد فهم الهوى بالظفر والناب , وقع السياط على أردافها نغم ٌ, يفجّر الهول من أعراقها السود , تكاد ترتجف الجدران صارخة ً, إذا تعرّت ْ أهذا الجسم للدود ؟ )) .
بدأ يحس ان الطريق تلين ساعة بساعة, وقد تجمد بها, لا يمكنه قول الشيء نفسه عن الأحباء والحب المزدهر وكرب الأمل , نظرته المشهدية تخفق بأجنحة عبثية ومجنونة ,ستخبره رطوبة الشفاه , وفى القلب يتحول الحزن إلى إمتنان لانهائى ,مرأة فقط تحمل قلب كصندوق مجوف لتابوت , ذات خبرة فى خنق الفرح , أيها الاشمئزاز , مختبئًا أنت وراء معنى الأشياء والناس , حاضر دائمًا بلامبالاتك اللزجة , ينفجر أحيانًا , عندما يظهر وجه رهيب في المنتصف من الطريق , والقلب زنزانة بين الحب والشمس , وجهه نصف جانب مظلم لوجه عشتار .
صاحبنا لا يجد السباحة ضد التيار خياراً , بل رقصةٌ , إيقاعها صمتُ الأحلام , وسقفها ذاكرةُ الشمس المكسورة , أصابع الموج تلوّحُ كأنها تقول : ارحلْ نحوالداخل , حيثُ التيار ليس سوى انعكاسٍ لأفكارك الهاربة , وفي أعماقه كان يرى نفسه :جسدٌ يَتقدّمُ ببطء , لكنه ممتلئٌ بالأسئلة , لماذا يعشق الماءُ افتراسَ الجسد ؟هل العاصفةُ هي الشاعر الذي فقدَ قافيتهُ , أم أنها القصيدة التي لا تريد أن تُكتب؟ وحين يصل إلى الهدوء الذي يسبقُ الهزيمة , تجده محاطاً بصمتٍ أزرق , لا زمنَ هنا , فقط ارتعاشةُ أصابعٍ تبحث عن حبلٍ يربط الوجود بالعدم .
في لحظات التجلي وعندما يغدو صاحبنا متفائلا يرفع الكأس عاليا ليقول : (( في كل اضطراب مكان للسكون , وفي محيط الأزمات ينمو الثبات, لكل بلوى مخرج وطريق للشفاء , رغم شدة الصعابوطول المسافات , انت محبوب في سياق الأوجاع , وكل امتحان ينمي فيك القوة , ومن كل تحدي تولد لك الحكمة , ارفع عينيك إلى السماء العاليةحيث الرحمة تجري كنهر السلام ,ففي كل تجربة تكمن دروس , وفي كل أزمة تنمو نبضات الأمل في عتمة اليأس , انظر إلى النورحتى في أعماق الظلامتسطع النيران , ومن وراء كل حزن وشدة ستجد يد الرحمة تمتد لتشفي الجراح )) .
يتناص الشيخ زاير الدويج مع مالك بن الريب الذي يقول : ((خذاني فجراني ببردي إليكما / فقد كنت قبل اليوم صعبا قياديا/ وخطا بأطراف الأسنة مضجعي/ وردا على عينيّ فضل ردائيا )) , حيث يرد عليه قائلا : (( نحل جسمي وتظل روحي تعالي/هبطنه والنذل بينه تعالى/ يا جاره الدهر ما انصف تعالي/ نخلط همومنا ونجسم سوية )) .