مايعجبني في ابا المصعب العزيز هو دقة متابعته او اكتراثه وتوثيقه لمطاردات الحياة ,
يقول جبران : (( الرغبة نصف الحياة , أما عدم الاكتراث فنصف الموت )), وفقدان الشغف هو المرحلة التي عندها يقف الإنسان أمام الأشياء التي قد تلهّف من أجلها قبل سنوات , غير مكترثٍ غير مبالٍ غير متلهّف , يبصرها شيئًا سخيفًا مملًا , فاليوم قد وصلت إلى ما تريده , لكنك لم تعد تريده.
يقول محمود درويش : (( ليتني حجرٌلا أَحنُّ إلي أيِّ شيءٍ فلا أَمسِ يمضي , ولا الغَدُ يأتي ولا حاضري يتقدَّمُ أَو يتراجَعُ لا شيء يحدث لي , ليتني حَجَرٌ ـ قُلْتُ ـ يا ليتني حَجَرٌ ما ليصقُلَني الماءُ أَخضرُّ, أَصفَرُّ … أُوضَعُ في حُجْرَةٍ , مثلَ مَنْحُوتةٍ، أَو تمارينَ في النحتأو مادَّةً لانبثاق الضروريِّ من عبث اللاضروريّ ..)) , تلك هي مرحلة من عدم ألأكتراث او العدمية البحتة , من تضييع تاريخ اليوم , شيء يشبه حالة الشرنقة” الفكرية, أن تعتق نفسك من العالم ومن توقّعاته , ولكن أبا المصعب ليس هكذا , هاهو يوثق حالة شلتاغه ويشخص العلة التي أدهشت الطبيب.
ما الذي نفقده عبر مطاردات الحياة ؟ لقد اكل النهر الجرف و مضغ المعنى , وأختلط النص مع الموج , وصرخ بعلو صوته انقذوني بعدما مسني الغرق في عمق الماء , تتبعثر الحروف بعد الأنزياح وينتهى كل شيء , وكل ما قد تعلّمتُه عبر مخاضات الحياة هو أنّ الشغف لا ينتظر, فليدوم ألأكتراث .
يقول باولو كويلو عن ألأكتراث او الشغف : (( هو الإثارة التي يحدثها ما هو غير متوقع, هو الرغبة في التصرف بورع , واليقين أننا سننجح في تحقيق الحلم الذي طالما راودنا , يرسل إلينا إشارات لنهتدي بها في حياتنا , ويجب أن نعرف كيف نفك رموز هذه الإشارات )) , والأكتراث باختصار هو الرغبة في إحداث فرق , في تجسيد أثر , هو الحماس , الشعلة , الحرارة التي تبثّ التوهّج في برود الأشياء فتحييها , وإنّ فقدان الأكتراث هو أسوأ اكتئاب , يجعل الروح مسطحةً تمامًا , مُتخمَة بمشاعر الفراغ , يصل به الإنسان إلى حالة منّ حالات عدم التجاوب refractory phase , وهي المرحلة التي لا تنجع معها العلاجات .
يعطي ألأكتراث للروح قوّةً تشبه السحر, كثّف طاقتك بكلّ ما استطعت لتستطيع تحصيل أكبر قدرٍ ممكن من النور, يخجلني اهتمام شخص لم أصنع له يوماً معروفًا , ويؤلمني نكران شخص أشعلت له أصابع يدي شموعاً , والذين أغرقتهم بالاهتمام أغرقوني بالوجع , وانا أفضل الاهتمام دون طلب فهو الأجمل , جميعنا نحب الاهتمام , ولكن لا نحب أن نطلبه , والاهتمام لا يكلف شيئاً , لكنّه يعني الكثير , في بعض ألأوقات كرهت أن أهتم بأحد , فحين أهتم أشعر بأنّهم يتغيرون , وكلما زاد الاهتمام زاد التغيير , فلا ترغم أحداً على الاهتمام بك أو الاشتياق إليك , فالشوق يأتي ولا يؤتى به.
أبا المصعب العزيز يا رفيق العمر والدرب , يقول علوكي : (( ما زلنا على تلك الخصلة المباركة والكلمة القويّـة المسبوكة فوق سندان الكلام المبين وذاك الرسوخ البائن الأمين , حتى دارت بنا الدائرة ودرنا بها وحارت بنا وحِرنا بها وداخت ودخنا وناحت وتناوحنا , فصرنا على بعض ضعفِ حيلٍ وشحّة ذات يمين , فأنفضّت الناس من حولنا فما هِنّا ولا شكونا ولا بدّلنا ثوباً بثوبٍ وقولاً بقولٍ ولا قعدنا ببابِ مائدةٍ نطيحةٍ منطوحةٍ متردّيةٍ بائتةِ حرامٍ جائفة دنيئة من متروكات السبع والضبع والغزاة )) .