يروي الرحالة الألماني كرستين نيبور , الذي زار الحجاز عام 1762, لكنّه لم يصل إلى مكة , عن ثقات أخبروه بأنّ المهمة الأساسية لأغَوات الحرم النبوي في المدينة , هي حراسة الكنز العظيم الموجود في الحجرة النبوية , والذي يتكون من أحجار كريمة أهداها إلى المقام النبوي أثرياءُ المسلمين , وأهمّ هذه الأحجار ما يسمّى بـ((حجر الفلاسفة )) , الذي يحوّل المعادن البخسة إلى معادن ثمينة من ذهب وفضة , وفي رواية أخرى لِنيبور, يقول إنّ الكنز هو عبارة عن كمية كبيرة من مسحوق يحوّل المعادن إلى ذهب , وقد ورد ذكر الأغوات في ثنايا الكتب التي أرّخت للأماكن المقدسة في الحجاز, ولدى الرحّالة الذين مرّوا بتلك الأماكن لاستكشافها أو قاصدين الحج , واتوا على ذكر هؤلاء الأغوات بأعتبارهم حرّاس هذا الكنز العظيم .
لفظ الأغوات أعجمي منتشر في عدة لغات بمعاني مختلفة , كالأخ والسيد وكبير الأسرة الخ , واستعملت لفظ آغا الأعجمية باللغات التركية والكردية والفارسية, فعند الأكراد تطلق على شيوخهم وكبارهم , وتطلق عند الأتراك على الرئيس والسيد , وتطلق في الفارسية على رئيس الأسرة , وصارت كلمة آغا أيام الدولة العثمانية تطلق على الشيخ أو السيد وصاحب الأرض ورئيس خدمة البيت , وكان كثير من خدمة الحكومة في الوظائف العسكرية يلقبون بكلمة آغا , وكانت تطلق أيضا على الخصيان الخادمين في القصر, وفي مكة والمدينة لفظة خاصة بخدمة الحرمين الشريفين.
كان المخصيون قبل عهد نور الدين زنكي يتواجدون في القصور لخدمة نساء السلاطين , ولكن لم يخدموا في الحرمين إلا في عهده , وان أول ظهور للأغوات أو بداية خدمة الأغوات للحرمين بالمسجد النبوي في عهد السلطان نور الدين زنكي عام 557 هـ الموافق 1161م , وهو أول ظهور لهم حيث أرسل 12 خصيًا من الأغوات لحراسة الحجرة النبوية , بعد أن اكتشف أن هناك اثنين من نصارى الأندلس يقومون بحفر خندق من تحت الحجرة النبوية للوصول لجسد الرسول , لسرقة جسده , وصب الرصاص حول الحجرة النبوية حتى لا يتمكن أحد من الحفر والوصول إلى قبر النبي , وأرجع هذا العمل بعد أن رأى نور الدين زنكي في منامه الرسول يستنجد به من شخصين , ليذهب إلى المدينة ويتقصى الموضوع حتى وجد النصرانيين , وبعد نور الدين زنكي جاء صلاح الدين الأيوبي ليرتب أعمالهم ويخصص لهم رواتب وتضاعف عددهم إلى 24 خصيًا , ليزداد عددهم مع الزمن ليصبح عددهم 120 أغًا عام 1176هـ في عهد الدولة العثمانية , وازداد عددهم بشكل كبير ليصل عام 1270هـ لدرجة أنهم أصبحوا يصلون التراويح بإمام منفصل.
تم استقدام آخر أغا للحرم عام 1399هـ بعد أن رفع الشيخ عبدالعزيز بن باز مفتي السعودية بأن ذوي الأغوات يتعمدون خصيهم , وهذا بدعة لا أصل لها في الإسلام , ليتم إيقاف استقدام الأغوات بعدها , وكانت مهام الأغوات في الحرمين 40 مهمة , ومن أبرز مسؤولياتهم سابقًا هي فتح الحجرة النبوية والمنبر, كذلك التنظيم والتنظيف والفرز وغيرها, فيما اقتصرت مهامهم في العهد السعودي على استقبال الملك والوفد المرافق له , وكذلك استقبال الوفود الرسمية وخدمتها , وتقديم ماء زمزم لهم , والآن لم يبق لهم أي مهمة , نظرًا لكبرهم وعدم قدرتهم على العمل وقيام شركات الصيانة والنظافة بجميع المهام ,أما عن جنسياتهم فإن أصولهم مختلفة من الحبشة والسودان والروم وبخارى وأتراك , ولا تقتصر على لون أو عرق ولم يبق منهم الآن إلا الأحباش فقط , ويعاملون كسعوديين بعد أن تم منحهم الجنسية السعودية , فيما بقي منهم الآن في الحرمين 6 أغوات فقط.
يغلب على لباسهم اللون الأبيض , وهو السائد, إضافة للسديري والعمة ويميزهم الشال المربوط في أوساطهم , وهو يختلف من شخص لآخر حسب رتبته , ويكون الشال الاخضر حصرًا على شيخ الأغوات أو نقيب الأغوات أو أمين الأغوات , ويعتبر الإخلال أو الأهمال بالملبس خطأ يعاقب عليه شيخ الأغوات , ومن عاداتهم في اللباس عدم لبس الساعة أو الخاتم أو وضع الشماسه فوق رؤوسهم , ولا يرتادون الأماكن العامة كالمقاهي , وأن لهم أوقافًا كالعقارات والأسهم , من ضمنها امتلاكهم157 مليونًا في جبل عمر, وأكثر من 44 وقفًا في مكة , وهناك صكًا كبيًرا لأوقاف الأغوات في المسجد النبوي أوقفه لهم مرجان سليم أغا 62 وقفًا , وكان أكثر عقارات الأغويين في المنطقة المركزية , وتصرف لهم رواتب من ريع الأوقاف , حيث يصرف لشيخهم 40 ألف ريال والأغوي العادي 35 ألف ريال غير 8000 ﷼ شهريًا تصرف لهم رواتب من الدولة.
يروى أن معاوية كان أول من استخدم الخصيان لخدمة الكعبة , ويقال إنهم كانوا عبيداً أرقاء وليسوا خصياناً , وان ابنه يزيد هو أول من اتخذ الخصيان (وفي رواية أخرى أن أبا جعفر المنصور هو من فعل ذلك) , أما لماذا اتخذ الخصيان لخدمة الحرمين فلأنهم بلا شهوة تجاه النساء وبالتالي أكثر بعداً عن الملذات واخلاصاً في العمل , ورغم هذا كان معظم الأغوات يتزوجون من خلال شراء الجواري في الماضي ثم – بعد إلغاء الإماءة – بالزواج من الأرامل والمطلقات , وعادة ما يقدم الآغا على الزواج (ليس من أجل المتعة الزوجية) بل من أجل خدمته ورعاية شؤونه وغسله عند الوفاة , وغالباً ما يقول عند كتابة العقد: قد تزوجتها مكحلة بدون مرود (فهي لديها مكحلة أما هو فلديه مرود ولكنه معطل) , وغالباً ما يحرصون على الزواج من أمهات الأيتام طمعاً في نيل ثوابهم وتفهماً لحرص الزوجة على وجود الأطفال , والمفارقة هنا أن البيزنطيين والأتراك اعتمدوا أيضاً على الخصيان , ولكن لحراسة قصور الحريم (منعاً للفتنة فيما لو وظفوا خدماً مكتملي الرجولة) , فقطع خصيتي الطفل قبل سن البلوغ تقطع شهوته عند الكبر وتجعله أمردَ ناعماً غير ميال للنساء ,. ويجمع الباحثون على أن عادة إخصاء الفتيان لغايات مختلفة (حراسة الحريم , الغناء , التسري..) كانت تقليداً غربياً معروفاً لدى الاغريق والبيزنطيين قبل أن يصبح عربياً أو تركياً , وأول خليفة اشتهر بتعلقه بالخصيان هو الأمين ابن هارون الرشيد , ويروي عنه المسعودي : أنه قدم الخدم والخصيان وآثرهم ورفع منازلهم حتى إن والدته الأميرة زبيدة أشاعت عادة الغلاميات لاجتذاب ابنها إلى النساء , (والغلاميات فتيات صغيرات يلبسن كالغلمان ) .
بدأ ((أغوات الحرم )) بالانقراض , لسبب بديهي هو منع الأخصاء , الا انه مايزال الإخصاء – بمعناه الطبي – يستعمل كـ ((عقاب )) , وحائلاً دون تكرار الجريمة , ففي سبتمبر 1996م تم تعديل قانون الإخصاء في أمريكا بحث يجوز استعمال هرمون البرجيسترون (الانثوي) لحقن المدانين بجرائم جنسية ضد القصار, وفي حالة تكرار الجريمة يجوز إخصاء المجرم أو اللجوء إلى أي إجراء طبي يخفض مستوى التستيرون بجسده .