18 أبريل، 2024 1:15 ص
Search
Close this search box.

مقال السيّد جعفر الصَّدر يُظهر العقد الاجتماعي بحلته الجديدة

Facebook
Twitter
LinkedIn

أن للسيّد جعفر الصَّدر فلسفته الخاصة، ورؤيته المغايرة عن السائدة، وهذا ما اكده مقاله الأخير الذي صدر بعنوان (نحو الانتقال من مرحلة السلطة وإدارتها إلى مرحلة الدولة وبنائها) الذي خصَّ به جريدة الصباح.

حيث طرح إشكالية الدولة، والفوارق بين الإدارة والبناء، عن طريق بعدين؛ أحدهما قانوني والآخر سياسي، فلقانوني(هو الذي يتضمن مواد الدستور، وكيفية بناء الدولة، أما السياسي: فيتضمن انتخاب الرئاسات الثلاث، وإعداد برنامج حكومي لإدارة الدولة.))

وأن الاستحقاق القانوني برأيي السيّد جعفر هو ((الاول والاكبر وهو إكمال مشروع بناء الدولة “ببُعدين” كما سيأتي، وله شرط وجودي؛ وهو مشاركة جميع أبناء الوطن فيه، بجميع اطيافه وقواه المدنية وفاعلياته المختلفة وفي ضمنها الاحزاب، أي المجتمع المدني.))

و ((البعد الاول: قانوني: وهو صياغة وثيقة دستور البلاد، والتي تحدد ما هية الدولة وفلسفة الحكم، ونوع النظام، والحقوق والواجبات، بين الحاكم والمحكوم، وبين سلطات الحكم المختلفة، ثم تبدأ مرحلة تطبيق الدستور بعد إقراره من خلال نفس القوى مجتمعة، والتي ينبغي أن تستمرَّ في عملية البناء والتطوير والتعديل بل التغيير إذ لزم الأمر مراعاة لمصالح البلد العليا، وتكيّفاً مع المتغيرات.))

أن البعد الأول الذي يطرحهُ السيّد جعفر الصَّدر في مشروعه الذي يتبنا بناء الدولة، عن طريق الدستور، الذي يُنظم آلية البناء بشكلٍ مباشر، وقد لمح السيّد جعفر الصَّدر إلى احتمالية التعديل والتطوير ومن الممكن أن تصل إألى مرحلة التغيير للدستور، تكيّفاً مع المتغيرات الزمكانية، ومراعاةً لمصالح البلاد العُليا، من أجل تحديد عدة أمور، منها شكلية الدولة، هل هي مدنية، علمانية، دينية، وغيرها، هل تسير الدولة على مبدأ فصل السلطات، أم دمج السلطات، وإيضاح الحقوق والواجبات في جميع المجالات، بين الحاكمِ والمحكومْ، بين الرئيس والشعب.

أمّا ((البعد الثاني: مجتمعي: فلهذه القوى الحقَّ في المشاركة الفاعلة لرسم السياسات المصيرية والعالية الأهمية للبلد، من خلال الحوار والتواصل، وعبر المؤسسات الرسمية والشعبية المختلفة حتى يشعر الجميع بدورهم بل واجبهم في بناء بلدهم وتحديد خياراته، ورسم مستقبله.))

أن البعد الثاني “المجتمعي” الذي يذكره السيّد جعفر، يؤكد على أن لهذه القوى الحق في المشاركة الفعالة لرسم السياسات المصيرية للبلاد، من خلال التواصل عبر المؤسسات الحكومية والشعبية، المُنظمات التي أُنشئت مؤخراً، لتُحدد شكلية الدولة، ورسم خارطة العلاقات الخارجية، والعمل على تأسيس اقتصادٍ متوازٍ، وغيرها.

و ((أما الاستحقاق الثاني: هو برنامج لإدارة الدولة عبر مؤسساته المختلفة؛ التشريعية والقضائية، وصولاً إلى السلطة التنفيذية، والتي عُهد إليها إدارة الحكومة، وفقاً لبرنامج زمني محدّد، فيجب أن يُستلهم من ستراتيجية بناء الدولة التي حُددت في المرحلة الاولى في بعديها القانوني والمجتمعي، مع حفظ الاختلافات والاجتهادات في هذا التحديد.))

أن الاستحقاق الأول الذي يتضمن بُعدين قانوني ومجتمعي، له تأثيرٌ بالغٌ في الاستحقاق الثاني، الذي يُمثل إدارة الدولة، فقضية إدارة الدولة تُستلهم من استراتيجية بناء الدولة، لأنه هُنالك فرق بين مشكلتي البناء والإدارة يوضحه السيّد جعفر قالاً ((فبناء الدولة يتطلب مساهمة الجميع حكومة وشعباً، فمشكلة بناء الدولة والبلد هي “الحوار والتوافق”، بينما مشكلة إدارة البلد هي “القرار”.))

لذلك فالأغلبية الوطنية تتضمن إيجابيات عدة، منها حل عقدتي البناء والإدارة، فالأغلبية الوطنية تعني (التوافق والحوار) الجاد من أجل حلحلت الأزمات.

وبنفس الوقت تعني أن يكون (القرار) وطنياً خالصاً، من دون تأثيرات خارجية.

ولهذا يقول السيّد جعفر ((فأن طرح الأغلبية الوطنية هو الآلية الأنسب لنجاح البرنامج الحكومي والطريق الأمثل لإدارة الدولة.))

ولا يمكن أن تتحقّق الأغلبية الوطنية من دوّن لغة الحوار، التي تعد أحد أهم أجزاء الثقافة الوطنية، التي يشير اليها السيّد جعفر الصَّدر قائلاً ((إننا بحاجة وبشكل جاد ومستمرٍ إلى حوارٍ مجتمعيٍّ بين جميع القوى المجتمعية أحزاباً وأعلاماً ومثقفين وواجهات اجتماعية ودينية ومنظمات غير حكومية ومختلف النقابات العمالية والطلابية والمهنية وجمعيات الأسرة والمرأة والحوزات العلمية والمؤسسات الدينية الأخرى، ولنعمل على بلورة رؤىً مشتركة ومتفق عليها لما يحتاجه البلد، مع حفظ الاختلافات، بما لا يعرقل مسيرة بناء الدولة.))

والأغلبية الوطنية التي يدعو لها السيّد جعفر الصَّدر هنا مغايرة حسب تحليلي الخاص التي يدعو إليها البعض، من حيث المحتوى والمضمون الجوهري، لأنها وحسب كلامه آنفاً، (تؤسس لعقد اجتماعي جديد)، بين الرئيس والشعب، بمختلف مكوناته المتنوعة التي عدّدها جنّابه، لأن العراق ما بعد 2003م كأنه قد عاد إلى (الطور الطبيعي)، عند طريق تفشي الفساد السياسي السلطوي، وتسلح الشعب، وغيرها من الأمور السلبية التي عادّت بنا إلى “الطور الطبيعي”، ولا يمكن معالجتها إلاّ عن طريق (عقد اجتماعي جديد ـ أغلبية وطنية)، بين الحاكم والمحكوم، يَعرف كُلاً منهم حقوقه وواجباته.

وهذا ما نص عليه حديث الإمام علي (ع) الذي افتتح فيه السيّد جعفر مقالته، التي جاء فيها (فَإِذا أَدَّتِ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ، وَأَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا، عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ، وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ، وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ، وَجَرَتْ عَلَى أَذْلاَلِهَا السُّنَنُ فَصَلَحَ بِذلِكَ الزَّمَانُ، وَطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ، وَيَئِسَتْ مَطَامِعُ الْأَعْدَاءِ. الإمام علي بن أبي طالب.)

وقد ذكر السيّد جعفر آلية عمل (العقد الاجتماعي الجديد ـ الأغلبية الوطنية)، حين قال ((فمن أجل نهضة أمةٍ، نحتاج:

1ـ مشاركة أبناء الشعب جميهم في بناء هذا البلد.

2ـ و إلى الشعور بالمسؤولية وتحمل الأمانة.

3ـ وإلى تضحياتٍ وصبرٍ وعملٍ وجهدٍ.))

 

وأهم بنود (العقد الاجتماعي الجديد ـ الأغلبية الوطنية) التي نصَّ عليها السيّد جعفر الصَّدر مقاله الأخير، ما هي إلاّ:

((أولاً: أن يكون قرارنا عراقياً مستقلاً لا تابعاً، فيجب أن نقرر؛ هل نحن دولة سيدة أو تابعة.

ثانياً: العراق دولة اتحادية، يُنظم الدستور فيها العلاقة بين المركز والأقليم.

ثالثاً: ملف النظام الإداري اللامركزي للمحافظات.

رابعاً: أن نتخلى عن أي مرجعية خارج البلد فمرجعيتنا هي الدولة، نحميها وتحمينا بشعبها ودستورها ومؤسساتها، لتكون مرجعيتنا وطنية.

 

خامساً: أن يُطبق الدستور على الجميع دون استثناء.

 

سادساً: حصر السلاح بيد الدولة “العنف المشروع”، وأن يكون السلاح لخدمة الوطن، وخضوع القوات الأمنية بكل مسمياتها لسلطة الدولة، وائتمارها بأوامر القائد العام، وتحديد صلاحياتها وإعادة هيكلتها وتطويرها.

 

سابعاً: محاربة الفساد، وإيقافه عبر آليات متخصصة، وأن نختار بين الحكم الرشيد أو المؤسسات البيروقراطية الفاسدة.

 

ثامناً: العدالة الاجتماعية، وتقليل الفوارق بين أبناء الشعب الواحد بكل الوسائل المتاحة.

 

تاسعاً: أن نقرر ما هو شكل النظام الاقتصادي للبلاد، وأن نضع خطة اقتصادية متكاملة لبناء قطاعٍ خاصّ فعال وشريك للقطاع العام، وإصلاح النظام الإداري والمالي والنقدي للدولة.

 

عاشراً: الموارد الطبيعية ملك الشعب عبر أجياله المتعاقبة، وعلينا أن نحسن الاستفادة منها وإدارتها بما يحقق النمو والازدهار لنا وللأجيال اللاحقة.))

 

لا أحد ينكر أن العراق حكومةً وشعباً مقبلٌ على مرحلة إنتقالية حالياً، كما مرَّ بها عدة مرات، وخير مثالٍ على ذلك أحداث عام 2003م، التي مثلت إنتقالة جذرية في تأريخ العراق الحديث، لكنها كانت إنتقالة وخيمة، لما حملت من أضرارٍ سلبية، فقد شوهت صورة الإسلام والوطن، فما علينا إلاّ أن نكونَّ مستعدين للإنتقالة النوعية الجذرية الوطنية التي ستحدث في العقد الثاني من هذا القرن، ولن تتصف بما أتصف بها الأخير بأذن الله، بل سنستعيد بها ماء وجه الإسلام والوطن الذي أراقوه ممن جاءوا على متن دبابات المحتل، وأن ندخل التأريخ من أوسعِ أبوابه، عن طريق التأييد والمُناصرة لهذا العقد الاجتماعي الجديد المتمثل بحكومة الاغلبية الوطنية، التي تُخبئ لنا المفاجئات الوطنية.

وأن غداً لناظره لقريب.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب