18 ديسمبر، 2024 9:17 م

مقالة نقدية للنص المسرحي (مدارات) تأليف ميثم السعدي

مقالة نقدية للنص المسرحي (مدارات) تأليف ميثم السعدي

قال السيد المسيح … ((ملكوت الله فيكم))

حينما يحكي اللاوعي وهو يمسك بحجر ما ..حجر اصم ..حجر لا غير .. نعم .. يستحيل هذا اللاوعي لولبا متصلا بماكنة هائلة مخترقا المدارات الحجرية للنفس الواحدة تلو الاخرى في عملية تقشير كبيرة لمقتربات ذاتانية تتفاوض بسحر غامض مع الخيال لإذابة جبل الجليد الذي تختفي خلفه الاقنعة البشرية الهجينة المزيفة والتي تخجل من نفسها وهي تتزحزح كل حين كأنها لحية ممثل تتماوج مع كل حركة عنيفة تعكس تخلخلا معينا في طريقة تثبيتها لذا اجد ان حجر الزاوية في مسرحية (مدارات) للكاتب ميثم السعدي .. هو انه تأتي علينا ساعات نقشر فيها صورنا المقمطة بقماط لا يبدو منه راس للحقيقة سوى  شيء مبهم غامض متلون بالوان زاهية غايته سلب العقل وتهجير الفطنة وانتقاء الصور الجميلة الكاذبة وترسيخها لدى الاخر في عملية تناغم تبرره المصالح مع اعتقادات وخلفيات وسيسيولوجيات ميثولوجية بين الانا (هنا) وبين الاخر(هناك) وكما يحصل لدى الممثل عندما يقوم بإيهام المتفرج بحقيقة بعيدة عن حقيقته في عملية اغواء للعقل واسره في خانة لا يخرج منها الا في نهاية العرض عندما يحيي الممثل الجالسين قاعة العرض …. لتنعكس هذه الحالة في زئبقية عنيفة لدى الاخر  في تحديد كم هائل من الصور ومحاولة القبض على احداها وكأنها لعبة روليت مطاطية المعنى .. لكن امام قوة جبارة في ظروف قاهرة في زمن ومكان لا يشبه نظيره تتراخى وتتفكك وتتفجر كل الاقمطة والاقنعة وتتقشر وتندحر ليظهر المسكوت عنه بجلي الصور.

ومن هذا اللاوعي المنفلت من عقاله واسره الذي اسلفنا ذكره تنطلق حقيقة ثابتة يعتد بها  ان للمسرح مسؤولية كبرى اصبحت بديهية لدى الجميع  مفادها ان المسرح مخلوق لم يأتي صدفة او من تلقاء نفسه بل من اجل حاجة ما فكان وسيلة سامية في الكشف والتحليل للوصول لغاية وان كانت غاية محدودة لكنها تأتي بغايات اكبر واعمق اعترضت طريق الاحداث فتفاعلت معها في مواجهة عنيفة ادت الى انهيار قناعات وتحولها الى اخرى اكثر عمقا وصدقا في عملية تشظي اخترقت كل السواتر والجدران مع تثبيت رؤى وافكار هي في حقيقتها تورج قوي التوهج قشر المبهم والمخفي من الحقائق وهذا ما درج عليه الكاتب ميثم السعدي في تعرضه لقضايا العصر الهامة.

ومن هذا اللاوعي ومن بيئته الحقيقية المسرح استخرجنا دعوات ومرجوات من قبل الكاتب للقراء او المتفرجين في ان يبحثوا عن ذواتهم وحقائقها ومعرفة الانسان نفسه قمة الكمال وكما قال  سقراط (اعرف نفسك بنفسك)وما الانبياء الا بشر جهدوا انفسهم لمعرفة حقائقهم فتكاملت ذواتهم مع انفسهم في صورة متماهية جذابة الهية لكن الانسان في عالمنا الراهن اكتفى بنظرة قاصرة ومقصرة لما يخطر بباله من صور اكتنزها وعيه المنفعل بالمادة لتبقى جاثمة صنمية هذه المادة على عيناه وليبتعد ويتباعد عن جوهره السامي ليسقط في فخاخ المنظور والملموس بانقياد أعمى وراء الرغبات المادية والشهوات الجسدية والتي لم تكن الا سجن روحي  تتقيد من خلاله الانا العليا في انطلاقها نحو الألوهية السامية.

تتمظهر المسرحية بثلاث مساحات او غرف او اجواء او احداث او حيوات لأناس معينين يرتبطون مع بعضهم البعض بأبواب مشرعة كل يؤدي للآخر الا الغرفة الاخيرة فإنها تؤدي الى كشف الحقيقة والمعنى بصور هندسية تعكس مسار الشخصية واناتها وتطورها الدرامي والسيولوجي .. حيث يطل علينا الكاتب بمحكمة يرأسها قاضي مرتبك فكريا لا يبدو عليه أي نوع من الاتزان لا يجيد اتخاذ القرارات يتأكد ذلك من خلال اعتراضات المخرج العديدة على تصرفاته وقراراته والتي تأتي بالضد من فكرة المخرج وما يريد قوله وهو اعتراض يقودنا لأمر غاية في الأهمية بتصوير حالة العبد وربه وهذا ما يريد قوله اكثر الملحدين بان قرارات الله عبثية مرتبكة لا تحكمها قواعد ثابتة ادت لاعتراض العبد على هذه القرارات الغير مدروسة بعناية مما دعا لاتساع الهوة بينهما وهذا ما اكده المخرج بنهاية المسرحية بــ …

 (حسنا ايها الحاكم لن اسند اليك هذا الدور مستقبلاً وسأجعلك مناديا او اي شيء اخر حسب ما ارتئيه انا .. لكني أخشى عليك من غضبي فما دمت انا الكبير الذي جعلك حاكما امتلك القدرة على ان اجعلك  سمساراً فاحذر لأنه حينها قد يتدحرج راسك) وبهذا الخصوص اوجد الكاتب محاكاة لنظرية بيراندللو المسرحية (مسرح داخل مسرح) في انقلابات فكرية مهووسة تجعلنا متيقنين باننا نعيش مسرحية كبيرة وضعها فنان مسرحي كبير ايضا تأليفا واخراجا (الله) نجده في بعض الاحيان احسن الديكور الا انه لم يحسن رسم الشخصيات على الورق ولم يضبط حركتها على الركح  لتتداخل مع مسرحيات اخرى لتتقاطع الصور والمسرحيات بعملية تتدافع لاحتلال المحل المناسب لها والاستئثار به دون الاخر لتكون صورة الفوضى ماثلة بقوى فوق كل الصور وهذا التداخل يقودنا لان نغير القناعات وفقا لحوار المخرج الاخير وكانه يقول لله نحن من خلقناك في اذهاننا ونحن ومن اوجدك كاله تعبد لذا احكم بالعدل ولا تشطط والا سنفنى وجودك وعدم اشراكك مرة اخرى في مسرحية عالمية اسمها الحياة والوجود…

نعود لتداخل الغرف مع بعضها حيث تطالعنا قصة شاب تزوج فتاة حامل من رجل اخر كان قد انتحر مسبقا بسبب هول الحياة وصعوبتها ليعترف هذا الشاب نازفا ذاكرته وما اعتملت ذاته من تقيحات مع جملة من اعتراضات وتبريرات لأدلجة قراراته وسبب مجيئه الى المحكمة ليسجل هنا جملة من اعترافات المواطن العراقي الاسير للفقر والحاجة والعدم وهو يعترض على السلطة التي لم تنفق جهدا يذكر في قتل الفقر وتحجيمه في مجتمعاتنا المقهورة ادت سلبيتها الادارية ان يقترن بفتاة عاشت قبله الحب الزائف مع اخر لم يحسن السيطرة على غرائزه المكبوتة وهي بالمقابل وجدت لذة ما ..كانت روحها المعذبة بالحرمان تختزنها بقوة وتقادم زمني ليكتشفا بعد حين ان طريق اللذة لا يجتمع مع الحب الصادق الحقيقي ليوهما نفسيهما بانهما على حق لكن سيسيولوجية وميثيولوجية المحيط العائلي والشاعري للفرد العراقي قادتاهما الى ازدراء ما قاما به وبالتالي وقعا تحت طائلة اللعن والاغتراب من قبل المجتمع ليجدا نفسيهما امام قرار كبير ادى الى انتحار الشاب بان رمى نفسه من عل ليتم تأشير استقراء من قبلنا لتلك الحالة بعدم وجود شجاعة ما لكليهما امام المجتمع في اثبات حبهما الخاوي وان ما حصل هو نتيجة طبيعية للحب والجنون وما الحب الا جنون وبالتالي على الجميع ان يتخذ موقف المصالحة مع ما حدث لكن الفتاة اثرت النجاة بجلدها وعقد اتفاقية مع المجتمع بتلقي الاهانات والصفعات مع ثعلبنة الموقف واستخدام المكر للاندماج من تسويق جديد لمفاتنها معهم وبهم واليهم ..اما الشاب فهو مذبذب الهوى والعقل اكتشف حبيبته ونفسه ليسا اهلا لشيء عظيم اسمه الحب لان غريزتهم الحيوانية تغلبت على حقيقة الملائكة في احترام الحب وكذلك وجد نفسه صغيرا متصاغرا امام المسؤولية في لملمة الجراح واطباق غطاء يستر عورة الحقيقة التي تسرب عفنها بدفق هائل ملأ افاق الارض واطبق نجومها بذلة على خد اسمر اسمه البسيطة فلم يجد بد من اعلان الهزيمة وتعجيل العقاب فكان الحل انتحارا وهو في حقيقته اعداما له من قبل اعراف ونواميس ضحلة بالية تريد عنوة ان تغفل طبيعة الانسان والتي مارس الصاقها دكتاتور لا يعرف فسح المجال للحرية والاختيار في ان تجد موطأ قدم لها في عالم نراه وهو يتخلى عن هذه الصور عالم عدمي فوضوي ناسيا انه مركز قدرته الاحلام التي لا تعرف التحقيق سوى في اخيلة ما ورائية مخدرة تسير على غير هوى… وكما قلنا وجدت هذه الفتاة طريقا للمصالحة مع المجتمع من خلال مقولة لا انا بلقيس ولا فيكم نبي وكما قال المثل الشعبي العراقي ((يا جماعة خلوا الطبق مستور كلنا اولاد تسعة)) ليتزوجها غر غبي لا يعي شيئا من الحياة غافلا عن مفصل حياتي مهم ودفة سفينة تقود ولا تقاد وقطب الرحى الذي تدور حول مركزه الاشياء .. هذا الشيء الذي به تحيا البشر يومها ومنه تنطلق الى مستقبلها الا وهو الماضي .. الماضي الذي يعتبر هوية تعريفية امام الجميع وبه تقاتل وبه تواجه وبه تحيا وبه تموت ..لذا لم يتطرق الى ماضي الفتاة واهم ما فيه الماضي الجنسي ليسقط في فخ وشرك نصبه لنفسه ليكتشف ان زوجته حامل لتلد بعد ذلك وليدا يسجل باسمه وبين ليلة وضحاها يعترض على هذا الامر ويطلب من محكمة العدل انصافه والحاق اشد العقوبة بالفتاة ووليدها لكن … السؤال لمَ لمْ يعترض الشاب على حمل الفتاة في لحظة دخوله عليها فراش الزوجية لم قضى وطرا منها حتى انجبت وسُجل الطفل باسمه واعترض بعد ذلك على حال الفتاة وفض بكارتها مبكرا من قبل غيره .. هنا يلمح لنا فرويد هذه الجدلية بالجنس والغريزة الشبقية فبعد اشباع رغباته وغرائزه واكتفائه من ذلك تأججت غيرته العربية الاصيلة وكما قال المثل الشعبي (لمن ضرطت صمت) وعندما يُواجَه الشاب من قبل الادعاء والقاضي بعدم جدوى اعتراضه وشكواه يلجأ الشاب للفذلكة مفسرا الوجود بالعدم وهو ينظر للأشياء بغير حقيقتها وهذا من حقه لأنها اصلا مزيفة فكل ما قالته جمهوريات الحب كذب وباطل فلا يجتمع امرأة ورجل ان لم يكن هاجس اشباع الرغبة سيدا للموقف لتلغى كل ملكات الحب القابضة على تلابيب الروح والمسيطرة على زخم فوتونات الشغف والوله المزدحمة تدفقا في مسارات لا تعرف الاستقرار.. ثمة فانتازيا اوردها المدعي العام بمطالبته بان يشنق هذا الشاب الذي وجد زوجته حاملا واراد الطلاق منها وهي بريئة براءة العراق من عقوق ابنائه وهنا بعض التجانس والتجاذب والتوافق وحقيقة مؤشرة بقوة وان كانت مضحكة (الفتاة بريئة) وفقا لما قاله واكده المنطق (كون الفتاة ستمر بحالة الحمل عاجلا ام اجلا ان كانت منه او من سابقه الذي انتحر وسيلحق الطفل بابيه الماثل امامنا كائنا من كان) مما يعطي الانطباع من قبل الكاتب انه يريد القول كم منا من هو مثل هذا الطفل سكت عن فتح بالوعة الحقيقة لخجل ما او لمصلحة ما او لخوف ما وكإن المدعي العام يقول … (ليحترم هذا الشاب نفسه فمن يدرينا ان يكون هو قد اتى بنفس الطريقة لوليده المسجل اسمه في هوية الاحوال المدنية العراقية ونتيجة لعقدة اوديب المذلة تراه يعترض الان على زوجته …

بعد ذلك ينطلق بنا الكاتب في جدليات اخرى لا بطريقة تكديس لبنات الابنية بل تلتف بشكل لولبي هرمي متناسق يتقلب بكل الاتجاهات يتماوج برغبة عارمة للتحول شكليا ومعنويا وسحرا للعيون وكأن ما يرى امامنا كريستال يسر الناظرين وهذه هي القيمة الحقيقية للكاتب ميثم السعدي ومن خلال ذلك يرى المجتمع ذاته ببوح يصعب الاعتراف به حقا في ظروف عادية كما يعجز جبروت كاذب ان لا يتقبل واقعيته المفرطة… بوح كلسع الجمر على القفا بالمسكوت عنه والمقموع واللامفكر فيه والهارب والمنفلت  وكل ذلك بطريقة عجيبة قام بها الكاتب ببث احاسيس وارهاصات قابلة للمعاينة تاريخيا ونفسيا مركزها الانسان ليطالع القارئ او المتلقي سفر ذاته وجذور هويته الأصيلة وحقيقة انفعالاته النفسية وهو يمر على صفحات النص المشبعة بالوهج ليعي كنه شخصيته وصفاتها ومثلها وامراضها وما تصرخ بحاجته من المكملات لنقص يطرأ عليها كل حين ليصل به الى نقطة تسقط جميع الإضافات عنه وتقليم شجرة الانسان نفسيا لتبدو كلوحة حديقة غناء لا لغو فيها ولا تأثيم .

ملاحظة مهمة يجب الانتباه لها لجميع الشخصيات في المسرحية فهي لا تجتمع في بيئة موحدة او عمر واحد او طبيعة موحدة او حتى منهجية ثقافية موحدة ولا حتى ظروف موحدة او طبقية معاشية واحدة لكنها وجدت زمنا ما يضعها في مكان ما في تصادم معين وصراع متعدد الجوانب اساساته ما ذكرنا من جملة الاختلافات الانفة الذكر مع ممانعة قسرية ثبتتها الموروثات المجتمعية الخانقة والتسليم بها كحد فاصل حاكم بين الجميع لتتاكد صورة معينة بان الصدقة هي الضابطة الموضوعية في تلاقح غرائز وميولات الجميع.

الصورة الثانية او القضية الثانية وهي حكاية مصيرية تعيشها اجيال من المعممين الذين جعلوا شكلهم الديني كابن باعوراء الذي غرر بالفتاة المجنونة واغتصبها وقتلها هذه الصورة الواقعية التي اوردها الكاتب اتت كردة فعل واعية لجموع من اعمدة الرفض للاستلاب الفكري واستغلال سذاجة الاخرين او شظف العيش الذي اوغل سكاكينه في أرواح بريئة ما كانت لتكون عليه لولا امبريالية الدين الذي خسر معناه وحقيقته وجدواه بسبب شرذمة استخدمت خيوط العنكبوت فنسجتها عمامة بلونين اسود وابيض تلتصق بجلود بضة هشة اليقين لا تمتلك من الممانعات الفكرية ما يجنبها الانقياد القسري بغياب الوعي في مغارة سوداء كالحة المعاني اسيادها رجال الدين ومن خلال ما قدمنا نجد الكاتب يعرض علينا امرأة عاهرة بالمسمى المجتمعي والتي هي في حقيقتها ضحية للحب الزائف حب لم يمنحه الحبيب الا قشورا واللب احتفظ به لأخرى فهذه العاهرة لم تكن بهذا الحجم من العهر بل كانت تلتف بحرير من الطهر المنمق الملائكي الا ان هذا الحرير تساقط عنوة ومزق بقسوة من قبل شاب تخلى عن رجولته وتنصل عن وعوده فصفع امانته بلعنة الحب والانسحاب من حياة الفتاة التي لم تجد لها من يربت على كتفها ويسرقها مما الت اليه حياتها التي اضحت بائسة لتركس من قبل الجميع وبدفعة واحدة وبيد موحدة في بالوعة العهر والبيع المجاني للقيمة الحقيقية للمرأة في سوق لا يتواجد به الا من كانت له سوابق بهذا المجال ومحترف خيانة لا يجارى ولا يبارى ..وفي خضم سقوطها القسري وتهاوي نجمها الانساني في وحل لزج لا تكاد تسقط فيه قدم حتى تعلق الاخرى اشرأب وجه كالقمر.. بلحية ممشطة وثوب معطر وطول فارع وقوام ممشوق وثمة علامة مميزة على جبهة تطل من بين ركام يصل عنان السماء من آثام لم تصفر حساباتها مع الله ومع الناس لنرى من قبل الكاتب تحولا يبدأ مع دخول حركة أو قوة ضغط أو عنصر جديد في صلب النص تماماً كدخول الرقم واحد بعد الصفر ليطلق باقي الأرقام فبعد عملية حب فاشلة للعاهر مع شاب وبعد الجريمة التي ارتكبت بحقها اصبحت طريحة الشارع لا الفراش للإيغال بقسوة في مدى تعري المرأة لتصبح عظمة ساق لنعجة التهمت بشره فرميت كفضلات في الشارع تتناوبها  مخالب الحيوان ولسع الحشرات .. مر الناسك بدعارته المخفية امام العاهر فارتقى حقيقة حيوانية تثير التساؤلات التي تدعونا لان نضع النقاط على الحروف فكم من ناسك داعر في مجتمعنا العراقي والعربي الاسلامي نكث عهده مع الله واستطاب عهدا مع اللذة ففجر الفاحشة تفجيرا ونفذ الى دهاليز روح العاهرة المعذبة بركيزة الخداع بانه سيظلها بظل لا ظل بعده في بيت تختزن فيه كل مقومات نزيف شبقي حاد يلم شتات روحها المعذبة تواجهه العاهر بقوة وممانعة بقولها (تقول لي ابنتي وهل من ابجديات علاقتك بابنتك ان تضع يدك بهذا الشكل عليها) تتوالى الاقنعة البشرية تساقطا ويطل وبقوة زيف الحقائق من عنق الزجاجة كأفعى اناكوندا مما يجعلنا نتلمس تكرارا لعملية الالتفاف هذه في الهيئة الكريستالية للنص على نحو لولبي يبدأ من النواة المتمثلة بالحب  لينطلق ويتفرع في شبكاتٍ ذرية وتشابكاتٍ كيميائية في محيط النواة ليفجر الكاتب قنبلة اخرى تتشظى حقائق مرعبة تمنعنا من النوم لأيام واسابيع فالناسك علاوة على دعارته واحترافه الزنى بنساء اخريات نجده هنا وقد اعترف ضمنا انه محترف لزنا المحارم فهو لطالما تصرف مع ابنته بهذه الكيفية .. لكن هذه الممانعة لدى العاهر تتكسر امواجا على رصيف اسفلتي اسمه الواقع القسري وهذا حال من فقدت انسانيتها في اتون حماقة اتت على كل ابجديات وجودها الحق لنرى هذه العاهر تسقط  مرغمة او بإرادتها  في لعبة بطلها ناسك مهووس بقتل العفة لدى بنات بعمر ابنته والفاصل في الموضوع وكتبرير سوقي مقيت بان ما يجري سيكون وفقا للشرع بزواج اسمه المتعة او المسيار وربما حتى هذا التبرير لا يتواجد واقعا في منهجية الاغواء الهمجي لدى الناسك .. لا يكتفي الكاتب بصفع الحقيقة فاضحا اياها من خلال ما اسلفنا بل تتطور الصور الكريستالية بنسقها المتماوج المتلألئ في لوحة جميلة نعم لكنها موجعة فنكتشف نحن كقراء والعاهر كوجود فعلي ان الشاب الذي تركها طريحة الشارع ببكارتها المفضوضة  ودمائها التي امتزجت بوحل عبارة هيت لك وهزيمتها الساحقة كإنسانة نكتشفه بانه ابن الناسك الذي راودها قبل قليل ليبعث الكاتب لنا رسائلا عدة تترا متوالية بشكل رصاصات كلاشينكوف تهدم جبلا من اقنعة وكأن الناس لدى هؤلاء مجرد حاجات مهملة لها وقت معين للاستثمار مصيرها الطرقات وكانه منهج متفق عليه وقع بإمضاء اصابع لم تحتج الحبر لتوقيعها لأنها سوداء كالفحم بوثيقة لم نرى منها ترجمة لواقع ما سوى تناسل الخسة والنذالة لأجيال امتدت منذ زمن الجاهلية ونخاسة الفتيات وتوزيعهن كغنيمة في حروب ظاهرها المصلحة العامة.. وهذا هو منهج الافاكين وشذاذ الافاق ..كل حتى تشبع وبعدها القمامة هي المأوى .

من خلال ما مضى نجد ان الضحايا كانت تبحث عن الحب العذري الشريف الا انه وكما يقول الكاتب .. الحب حقيقة مزيفة ولا وجود لشيء اسمه الحب لكن ما يؤسف له ان هذه الشخصيات المحبة تنزلق وبسهولة في تفسير خاطئ للحب وكما في العاهرة نراها  تستحث الناسك لقول ما يريده بالضبط ..(تكلم فانا اعرف الدجالين) مما يدلل على انها كانت خاضعة لسلطة النساك في افتضاض انوثتها وبشكل متكاثف.. ثم بعد ذلك نجد العاهرة برفقة الجميع وقد اشتكوا من استغلالهم بإعدام الحب بدم بارد وفي حقيقتهم يتحملون جزءا كبيرا من المسؤولية والعقاب الجماعي سوف لا يخطاهم ولو بصورة تدريجية بامتداد العمر وبشكل دفعات من القهر والتآكل والاضمحلال كمعنى وجودي يحمل قيما كبرى اسمه الانسان…

سنقف مع بعض وبشكل متدفق لصور معينة مؤطرة بإثارة التساؤلات واطلاق التفسيرات تعكس قدرة كبيرة تواجدت وبقوة لدى الكاتب ميثم السعدي …

 العاهرة : يقال انه في احد الايام قرر ابن اوى ان يتوب عن اكل الدجاج فأبتاع مسبحة مثل هذه…  (تشير الى مسبحة الناسك) ..توبة شكلية حالها حال الكثير من رجالات ديننا الحنيف ابناء اوى .. وذهب الى الدجاج وقال لهم لقد تبت عن اكل الدجاج ولما استأمنه الدجاج هجم عليه واكله .. نقول للناسك ومن لف لفه  فهل انت تحب اكل الدجاج .. الدجاج القابع في خيالنا الدجاج الوديع الفقير الحبوب والذي يستغفل دائما من قبل اصحاب المكر واساتذته حتى ان اكثر رجالات ابن اوى عجزوا عن ان يمنحوا الحب للآخرين وعجزوا عن الواجب الجنسي حتى في اغلب الحالات الا ان عقدة الملكية المقيتة التي تستحوذ على سلوكهم تجعلهم يستأثرون بالغالي والنفيس وحتى سقط المتاع من الدواعر والمنحرفين ليودع في خاناتهم القابعة في دهاليز العري والإمتساخ.

من خلال ذلك تتأكد نظرة الكاتب وفلسفته عن الحب بان الحب مزيف مبني على انتهاك الحرمات ولا يعدو عن كونه لقلقة لسان يطلقها اغبياء ومستغلون بكسر الباء لينطلق الكاتب بنا الى معنى اكبر واسمى الا وهو حب الله فجميعنا نرتكب جريمة معقدة بافتعال الحب مع الله حب نراه ونعتقد به مبني على قدر المنفعة أي عبادة الله وحبه على حرض فالنعمة يتبعها قول المحب ربي اكرمني والمصيبة ربي اهانني وهذا امر موثق لدى الجميع لكن ما نقراه بين السطور لدى الكاتب ثمة ثورة وقنبلة ما ..يريد ان يفجرها من خلال الشق الثاني للحب الالهي بين العبد وربه فالإنسان عاشق وله بربه يحبه حد الجنون لكن الرب بالمقابل لا يتوافق مع هذا الحب رغم انه قال انا اراف بعبدي من الام على ولدها والرأفة من متممات الحب فكيف اذن نرى ونسمع كل يوم والموت القهري والعذابات المتتالية والدماء النازفة الصورة المعبرة لحياتنا هي الصورة الموحدة الجامعة الشاملة لسيرنا الحثيث في عدائية لا تفسير اخر لها سوى البغض ولا غيره …طفل لم يبلغ السنتين تطاله يد الموت ليثكل الابوين ..امرأة في ليلة زفافها يخرج زوجها لحاجة ما ولا يعود بعد ذلك مطلقا حتى تجده وقد افترش الارض والتحف السماء وعنوان حاله يقول قتل برصاصات غادرة .. وفي سياق نقدنا لهذا النص لا نفتعل شيئا من جيوبنا انما هي حقائق اراد الكاتب ان يقولها بقوة وهي ممارسة طبيعية لسلطة النقد التي تدعونا لندلي بهذا المسار دلونا في بئر الحقيقة.

حاول الكاتب ادخال المخرج بين الحين والاخر بجمل اعتراضية لقرارات القاضي بشكل تفسيري مناوئ للقيم المسلوبة مع تداخل جراحي لكشف المضمون وكانه لسان حال الجمهور في بعض الاحيان قارئا ردة افعالهم لما يرون ويسمعون أو كزرع للفكرة في فضاء الذهن لتبني أفكاراً وتصاميما اخرى تقود  لحقائق معينة لا يمكن لها ان تتواجد لدى المتفرج ما لم يتواجد كيان اخر غريب عن جسد المحكمة متمثلا بالمخرج وهو يروم تلقيح الفراغ بالحركة لإخصاب السكون بالمظهر المشع الحاكي والمتكلم بعنف احيانا .

يستمر التشكل البلوري الاخاذ في ثنايا النص متموسقا مع الحاجة الملحة للإيضاح وسلب الضبابية للفكرة الجوهرية متحولا كمجرى نهري لم ينفصل عن مصبه العام حاملا خصائصه ومحتواه لتطل علينا قصة اخرى بطلاها مدرسة تعاني الوحدة تعلق قلبها شغفا بتلميذها الغر الجاهل لنعود من جديد لجدلية الحب والشهوة واللذة وفكرة وتشخيص فرويد التي مفادها ان مرد تصرفات البشر لمصدر واحد هو الجنس والرغبة بالامتلاك والتمحور حول هذه الفكرة بعدة مدارات اظهرها الكاتب بثلاث قصص ..

الطالب : دعي موضوع حبك اللامعقول وافصحي لي بل لنا جميعا عن ما يدور في خلجاتك ؟ اي موضوع ستستخدمين لإقناعي ؟ كانت النسبية و المطلق وبيرانديللو .. (( يقلد صوتها )) ثق يا حبيبي ان افضل ما كتب بيرانديلو هو ( 6شخصيات تبحث عن مؤلف .. فهل سنبحث عن مؤلف ؟ )…

قنبلة يفجرها الكاتب بزمن ومحل لا يخفى على المتفرج القاريء الواعي من خلال قصة هذه المدرسة واغوائها لتلميذها وهذ الحيز من الفراغ يتمثل  بمعهد او كلية فنية تعنى بالمسرح او نشاط مسرحي ربما تكون المدرسة مخرجة للعمل والطالب احد الممثلين وهذا امر وارد فمجرد ذكر بيراندللو تطفو على سطح الفهم والاستنباط ان المدرسة حريفة مسرح عتيدة ومن خلال تجربتي الفنية والمسرحية لم اجد صدى لبيراندللو ومسرحه المتداخل ومسرحيته المشهور ست شخصيات تبحث عن مؤلف لدى عامة الناس الا من كان احد الارقام الصعبة في عالم المسرح والفن لذا نؤكد ما ذهبنا اليه بان المدرسة هي مدرسة مسرح في معهد او كلية ..واكثر حالات الحب التي تشهدها هذه المحافل مردها للأعجاب الطارئ العجول وليس الحب الثابت الواضح المكتمل البناء مع توافر الحاجة الملحة لإكمال ما نقص من صور معينة كمن يرى نفسها وحيدا في صورة معينة لا يراها جميلة بقدر ما ان لم يتواجد بقربها شخص اخر يذوب يتماهى مع الاخر وهذا هو الخلل الحقيقي في حقيقة مثل هذا الحب الارعن وما يجعله كلمة مطاطة تلفظها الالسن دون وعي وادراك اعتقادنا الخاطئ بانفعالات الاخرين واستجابتهم لنا ربما تكون عفوية وقد ترجمت بشكل خاطئ ادت الى يقين حاد يقود الانا لبناء خيال واحلام تبدو كبالون كبير ومع اول وخزة بدبوس مهمل تتفجر متلاشية في الفراغ … بعد عدم اقتناع الطالب بحبها تتجرد عن غاية الحب الحقيقية لتتعرى كاشفة زيفها ووجهها الحقيقي مقشرة اناتها وذاتها الحيوانية امام الطالب قائلة …

المدرسة : لا يا حبيبي بل سنبحث عن مكان نختلي فيه لتسقيني حبك وحنانك

الطالب : يا للمهزلة .. تطلب مني حبا وحنانا !

ترد عليه مبررة رغبتها الجنونية والتي تراها قد اينعت قوة جبارة لا يمكن ردعها ان اقتنع الطالب ام لا …

المدرسة : لا يمكنني ان اقضي بقية عمري بين احضان الوسادة .. لا يمكنني ان اتصور ماذا يمكن لهذه الغربة في هذه الغرفة ان تفعل بي ؟ ( تستمر وكأنها تهذي )

وهنا نجد تأكيد لما ذهبنا اليه ان الجميع يعيش في عالم الهذيان وهذا هو المسرح فمن الكاتب الى المخرج الى السينوغرافي الى الممثلين يتقافز كالقرد في سيرك هذياني لا ترجى منه سعادة تذكر بل هو كمن ينكأ جراحه لتنزف دماء لتجدد قصة تقودنا لشيء ماكث في صورة اسمها اللاجدوى وهكذا دواليك حتى تصيح الساعة.

يتراجع الصبي عن رفضه ومقته وقوله الضمني انا هيت لك.. سيدتي لقد ابحت لك ما املك من رجولة تستحث انوثتك للانفجار وذلك بقوله الذي يفسر مدى ضبابية انفسنا واستعصاء فهمها لتلبية متطلباتها المتعددة المحكومة بالجنون…

الطالب :مدرستي لا تفهم نفسها فكيف بها ان تفهمني ! وهل فهمت انا نفسي حتى يفهمها الاخرون ؟ انا لست الان سوى سنبله صفراء تنكسر بأهدأ نسمة.

قوله اني سنبلة صفراء دليل سقوطه في براثن الحقيقة القائلة لا انا بلقيس ولا فيكم نبي فيشاطرها الشغف بعملية فض لبكارة الوحدة والعزلة والاغتراب لنرى ونقرا ونسمع ترجمة لا منطقية او حقيقية لمعنى الحب ونكتشف انه لم يكن الا تبادل لمنح وهبة الاعضاء التناسلية بين الطرفين وكل يقول هذا ما تبحث عنه خذه ولا تبتأس وما هي الا لحظات تطول او تقصر فتنقلب الهامات متدحرجة بديلا عن السيقان السائرة وهي تلوح لنقطة مبهمة في السماء بتحميلها مسؤولية ما يحدث …

المدرسة :ما الذي فعلته اجبني ماذا فعلت بي انت ؟؟ من اين اتيت ؟ اللعنة عليك ( بهدوء ) من المسؤول عن تنغيص عيشتي (بصوت اعلى) من المذنب في تنغيص عيشتي ؟ امي ؟ ابي ؟ المجتمع ؟ انت ؟ نفسي ؟ لا بد لي من ان انتقم منك انت .. اخرج .. آمرك ان تخرج من افكاري .

فما كان من المدعي الا ان ينتفض ممن كان سببا لخلق شيء قسري اسمه المحكمة وتواجده هو والاخرون في ادارة دفة سفينتها وهي تمخر عباب الاقنعة ينتفض بقوله ..

المدعي العام : اطالب بإنزال اقصى العقوبات بحق الجاني وهو الحب حتى الموت.. وهو اسلوب فانتازي اعتاد الحاكم والمدعي العام التزامه على مدى النص الزمني..

نجد مما فات ان هناك ذبذبة بثها النص بقلم الكاتب قائمة على حركة معينة يفهمها الفكر رقما والبصر لونا والسمع نغمة تعجل باستدراج قهري لذواتنا وبصفعة قوية مفادها اننا وانتم والاخرون منهجنا الكذب والادعاء بأمر لا وجود له اسمه الحب وذلك لسوء الترجمة لمعناه الحقيقي القابع في ما وراء الجبال القصية .. ليعلن الكاتب عن نهضة فكرية ويقظة وجدانية من سبات كبير مقيت الم بذواتنا مع دعوة لنيل اكبر كم من الفرص لاستلهام الدروس والعبر والسير بطريق مخضر يانع لتكامل كريستالي لجسد يفنى مع رسوخ روح خالدة في مقام الوعي المدبر الناضج.

هناك صرخات متباينة الحدة للشخصيات لإعدام المجتمع من خلال الانتفاضة على قيم هشة بالية واراجيز غبية وهي تمثل انتفاضات ميت يرفس برجليه في اتجاهات عدة لا ترقى لان تكون منحوتات واضحة البيان في جسد الواقع واحداث التغيير والسبب في ذلك ان رسوخ ما يعترض عليه من القوة بمكان لا تزحزحه اعتراضات فردية هنا وهناك لا تجمعها حنجرة واحدة كعزف ناي لا يمر بجوفه سوى الريح.

صورة جميلة جدا رسمها الكاتب ميثم السعدي عندما اقعد العاهرة وهي شبه عارية على الطريق تعترض الناسك وغيره من ذباب الموائد وبيان رخص سعرها وفقا لمختمرات ذهنية سلوكية لدى المجتمع.

من خلال قفشة تنتمي للكوميديا السوداء تعرت وجوه اثر وجوه اطلقها الكاتب ميثم السعدي على لسان الطالب حينما سأله الحاكم عن عمره فأجاب وهو يشير لجبهة الناسك عمري يا سيدي القاضي بعمر صلاة هذا العاهر عفوا هذا الناسك … هكذا هم نساك الزمن الغول لا يجيدون من الحياة عملا سوى الانحناءات المتكررة بحركات فيزيائية ورياضات سويدية اسمها الصلاة وهم يرتكبون ابشع الجرائم كل يوم على مراى ومسمع الجميع بحجة ان الاسلام لا يقوم الا بالسيف والجنس وكما في حديث مزور عن رسول الله بقوله ( اننا معاشر الانبياء حبب الينا كثرة الطروقة)) ومعنى الطروقة النكاح فأي دين هذا لا يستقيم الا بالنكاح والعقل والروح اين يذهبان والصفات الحميدة اين تولي وجهها وبهذا الصدد يتردد بين ظهراننا واسماعنا مشروع اطلق عليه القانون الجعفري الموحد وهو بمجمله قفز على الحقيقة وتعال عن الذوق واجحاف لحقوق الناس اهون ما فيه اباحة الرجل الزواج بفتاة ذات تسع سنين بحجة ان سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام قد تزوجت في سن التاسعة وهذا مجانب للحقيقة ومن خلال ما تم تأشيره من سذاجات وتشكيلات مرعبة لتفاصيل القانون نخلص للقول ان الانحطاط الاخلاقي بمدعي الدين واصحاب اللحى المقرفة لا يهدا لهم بال حتى يبسطوا يدهم على كل نساء العالم في عملية جماع تبيح لهم مواقعة ما يشتهون منهن بغير حق والتاريخ اشر وبقوة لحوادث جرت  كانت كالصاعقة وقعا على ضمائر من ازدرى فعلهم الخسيس .

يقول المخرج لا وجود للحقائق نعم فالحقائق لا تبدو حقائق عند الكثير لأنها لو كانت كذلك لساخت الارض باهلها واعلان نهاية العالم فجميعنا لا يرضى للحقيقة ان تكون حقيقة .

في حوارات الحاكم يبدو غباءه المفرط واضحا للعيان والعميان فهو ليس اهلا لقيادة محكمة لها قرارات ستؤثر في مسيرة الاحداث الانسانية مستقبلا ولا يمتلك اجابات مقنعة لتساؤلات يقف امامها عاجزا عن اعطاء كل ذي حق حقه فهو غير مؤهل لذلك البتة ..وهنا تشظي فلسفي يقودنا لوصول خطر الى منطقة اشد خطرا تؤكد اعتكافنا مسمرين صاغرين ام جمادية الحاكم دون ان ننبس ببنت شفة ودون ان يشفي غليل احدنا بما يمنحنا ثمة راحة تمسك زمام أرواحنا المنتفضة الغاضبة.

كل شيء يسير بالمقلوب والجميع متمرد على اصل الاشياء وحقيقتها من الحاكم للزوج للناسك للمرأة للشاب للمخرج للمدعي العام وهذا حال الانسان منذ خلقت التفاحة فافتضت مؤخرة الجريمة والعبث والنفوق اللاإرادي وكأن الكاتب يقول لم نكن اهلا لما خلقنا له فحق علينا عذاب اللذات والشهوات المستعر على مدى طريق تسكنها الحيوانات.

عبارة جميلة جدا هزتني بما فيه الكفاية لاقتنع وبقوة لما اراد النص ان يوثقه ويؤكده وذلك بقول العاهرة …

العاهرة: انت دائما قادرا على اقناعي وحتى ان لم تقنعني بأفكارك اجدني عاجزة عن تفنيدك او اقناعك بالضد من قناعاتك …

وهو تبرير استجابتها لنزواته شكلا واستجابة لنزواتها ضمنا …ثم تؤكد المدرسة ذلك المنحى من التقرير الايحائي للنص …

ثق ليس بيني وبينك الا حاجز بسيط .. ارجوك اخترق هذا الحاجز فهو وهمي زائل ..

نجد من خلال ما تقدم واستعراضا لما جرى من احداث .. ان ليس هناك من رفع قضية على الاخر بل رفعها الضمير والذي يمثله المخرج ليس هناك من حرك تلك القضايا سوى هذا المخرج المتمثل بإثارة المشاكل والذي هو في حقيقة امره الفلسفة القابعة في نفوسنا والتي مصدرها السؤال الماثل في عقلنا الباطن منذ الازل والى ابد الابدين (من اين والى اين ومتى وكيف ولماذا)…

الطالب : (بانهيار معترضا على الجميع) لازلتم تمتثلون لنزواتكم .

اعتراض غير مقبول ..النزوات مشاعر تحتدم في الكيان الانساني وبشكل طبيعي فلم لا ندعها ان تسترسل انهمارا مطلقين عنانها دون ان يكون لها ما يصدها حتى تبين الحقيقة ..ومحل تبيانها هو في اللاوعي والذي يراه فرويد وحسب مدرسة التحليل النفسي هو أهم منطقة سيكولوجية نستطيع بموجبها أن نفهم سلوكياتنا سواء منها السوية أو الشاذة  .. لذا ترى ان النفس الإنسانية تجمع بين هذين النقيضين ولكن ثقافة الإنسان التي يكتسبها نتيجة لمعطيات ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية تغلب أحدهما على الآخر في صراع لا يقل عنفا عن صراع الديكة في حلبة المتعة واشباع الرغبات وبما ان الدافع المحرك للفعل الانساني عند فرويد هو غريزة الجنس القاهرة والتي من خلالها تتحقق اللذة وما هذا التحقق الا رمز لهذه الغريزة التي تدفع للحياة وتصنع الحياة في ذات الوقت وان كان البعض يرى هذا التفسير مجانبا للحقيقة لنرد عليه ..وهل بعد ما قاله كاتب النص وعلى لسان ابطاله ..ان هناك حقيقة فعلا لذا لا يصح لك الاعتراض وفقا للنص على ما قاله فرويد.

اخيرا وليس اخرا لا يسعني الا ان احيي قيمة الكاتب ميثم السعدي الفنية والادبية لهذا الصرح الذي بنته مخيلة تتفطر ابداعا وتتشكل لونا يطبع الوجود بصيغة اسمها التفجير والتنوير والاهتداء حتى يصل بالمتلقي لاحكام قبضته على الحقائق كي لا تتسرب كافعى لين مسها من بين قحفتي راسه ….