لاشك أن جرس الإيقاع لازال يرن في الأُذنية الشعرية العربية ولازالت أيضا القافية تقود المخيلة العربية وهي بلا شك عودة للوراء على صعيد قصيدة النثر وأصطباغ الشكل الجديد أعني قصيدة النثر إصطباغها بالنثر الفني ،وفي كلا الحالتين هي حالة من الرجوع وفي أحسن حالاتها حالة من الدوران حول موروثات القصيدة الكلاسيكية القديمة ، أما طبيعة اللغة المستخدمة فأن هناك ظلا ملاصقا للمفردات المستخدمة وظلا لطبيعة تحريكها مع مساحة محدودة في إعطاء الدلالة بعدا أخر غير مكرر أو مستنسخ وكحالة طبيعية فأن هذا التعامل مع اللغة لايشجع أو بالأحرى لايساعد الشاعر على القيام بمغامرة حقيقية يكتسح بها الجمود الذي طغى على الشكل القديم وحَكَمَ بنائيه ،ومجمل المنتج الحالي منتجا يقترب في بنائه من الشعر الحر أو القصيدة القديمة ولكنه موزع بموجب شكل جديد أو أنساق جديدة بلاضابط وأن الضابط الوحيد هو رغبة الشاعر بكيفية تسطير شكله على الورق ، إن الحداثة في الشعرية العربية تجد نفسها دائما داخل اللغة وبذلك فأن الشاعر العربي ينقل إحساسات اللغة في النص ويفترض أن يكون هناك إحساسا متوازنا بين إحساسات اللغة وإحساسات الشاعر أي أن ينظر الى اللغة من خارجها لإقامة الفاصل المناسب بين الإحساسين كي لايسطو أحدهما على الآخر ،ومن ذلك يبدو أن الحداثة العربية أصبحت أقل وضوحا في الإنتماء إلى الشاعر نفسه وخصوصا خلال العقد المنصرم أي السنوات العشر الأخيرة فقد إختفت طرائق التعبير عن الأنا واضمحلت الإرادة الواعية في خلق المضمون المقترن بفكرة الوصول الى المناطق المجهولة والمحرمة ،ولاشك أن أحد مأسي الحداثة العربية هي أنها قد أدارت نصف وجهها لموروث القصيدة الكلاسيكة وأخطر مما في النصف المتبقي هو بقاء روح تلك القصيدة وبعض وظائفها مؤثرا في طبيعة الأسلوبية الحداثوية وكذلك تقبل المخيلة لتلك المؤثرات القديمة ،
أن مجمل المنتج الشعر العربي الحالي أما يُكتب ليُفسر أو يكتب ليُنظم في حين أن ثورة الحداثة الشعرية الغربية وتحديدا رواد قصيدة النثر ومحدثوها يرون أن هناك تلازما مابين المسارين تلازما لاغنى عنه للنص وهذا التلازم يؤدي وظيفة مهمة في عملية البناء الشعري إلا وهو تطويع الإختلال في النص والناجم عن حجم وقوة الأفعال النفسية والعاطفية أما مديات إنفتاح الشاعرية العربية الحديثة فهناك محاولات (خلال العقد الأخير ) محاولات حقيقة لكنها بسيطة وغير عميقة ونوعز ذلك بأعتقادنا الى محاولة البعض تقليد بعض شعراء الحداثة الغربيين 0 بودلير .. رامبو .. لامارتين .. ميشو …)أو تقليد البعض من الحداثويين العرب ( أدونيس …سعدي …الماغوط .. سامي مهدي …أنسي الحاج ….)وهي محاولات في الغالب تقوم على النظرة التقليدية المتداولة لقضايا الموت والحياة والوجود وبنفس المقاسات الشائعة والمشتركة لدى العديد من الشعراء في العالم أي أن الشعر العربي يقوم على الحيادية بين المفاهيم القديمة والمفاهيم الجديدة وهذه الحيادية بأعتقادنا ربما تؤجل والى عقود قادمة من أن يكون الشعر العربي شعرا عالميا لنقصه أو لإفتقاره أي إفتقار معظم شعرائه للوجه ألتنظيري الذي يحمل الهوية العالمية عبر صراع الفرد العربي منذ وجوده ووجود أسلافه غير العرب على الأرض، لاشك أن الشعرية الغربية قد عملت على وتبنت الحاجة للمتطلبات الروحية أي سعيها الذي نجحت فيه لإقامة الإتصال مع القوى الغامضة للإنسان وكذلك القوى الغامضة للغة وبالتأكيد فأن هذا الإتصال قد تم بعيدا عن أي مسعى عقلاني والسؤال المهم هنا هو كيف يتم مثل هذا الإتصال عند الشعراء العرب بوجود العوامل التي ذكرناها سابقا وهل يمكن خلق حيوية شعرية صارمة خارج تلك الحدود المُقَدَره تلك الحدود التي كانت تُعرف الشعر بأنه(فن نظم الأبيات الشعرية )..؟،
لقد تمرد العالم على الكثير من النظم والموروثات وبدأت الموجات الجديدة تدك الحصون الشعرية القديمة بدءا بتجديد اللغة والإنتقال من الأشكال القديمة الى إشكال جديدةٍ وكذلك الإرتقاء بالمضمون الذي هو بكثافته ووحدته وشفافيته يكونُ معصوماً من الخطأ بدل الميل نحو الجمال الشكلي وهذا الميل نحو الجمال الشكلي قد أصبح سمة قد تكون طاغية على مجمل النتاج الحداثوي للشعر العربي خلال العقد الأخير،،