18 ديسمبر، 2024 5:50 م

“مقالات في الشعر ” لفاطمة المحسن ..من الجواهري الى مظفر النواب

“مقالات في الشعر ” لفاطمة المحسن ..من الجواهري الى مظفر النواب

تفتتح الكاتبة فاطمة المحسن كتابها ” مقالات في الشعر ” تعريفاً افتراضيا للشعر بالقول ” الشعر فن لايمكن تحديد مغزاه ، هو اقرب الى فضاء حر للمخيلة ،تصبح محاولة قراءته كما لو انها بحث عن تنظيم ومنطق لايدرك في هذا الذي يسمى ” القول الشعري” . وتعترف المحسن ان تعريفا كهذا يفلت من موضوعه .
تستعرض المحسن في كتابها الصادر عن دار سطور العراقية 2021 النقودات والمنهجيات الشعرية من ابن قتيبة الذي يعتبر اول ناقد عربي واضح المعالم مبحرة في عوالم الشعر والشعراء حتى تجليات القصيدة الحديثة .
ولخطورة هذا الابحار فان الكاتبة تسبقنا القول في قدرات النجاح في السير عبر هذه المجاهيل وتقول في مقدمتها ” أنا اجهل قدراتي على النجاح في هذا الباب ، لافتة الى ان طبيعة الكتاب هي نتيجة اهتمام محدد في مرحلة من مراحل حياتها .
يتضمن ” مقالات في الشعر ” آراء في قامات الشعر العربي ابتدأته المحسن بالجواهري وصولا الى مظفر النواب مروراً بكوكبة محمود درويش ،أدونيس ،محمد بنيس ، أنسي الحاج ، سعدي يوسف ، نازك الملائكة ،عبد الوهاب البياتي ، بدر شاكر السياب ،شاكر لعيبي ،مؤيد الراوي ، سركون بولص ، فوزي كريم ،عبد القادر الجنابي ، نزار قباني ،شيريكيو كس، محمود البريكان ،غسان زغطان وعباس بيضون ” ..عارجة على مجموعة من الشعراء الانكليز والاميركان.
وتتيح لنا المحسن في مقدمة كتابها معرفة منهجها الذي اعتمد المرور على تجارب شعرية مختلفة في الشعرية العربية قديمها وحديثها من الجواهري حتى قصيدة النثر .تقول المحسن في مقدمتها ان الكتاب ” يحوي وقفات منوّعة عند الشعر المكتوب بالعربية وبعض النماذج من شعراء الانكليز البريطانيين والاميركان ، ولعله يتبع قبل كلّ شيء ذائقتي وخياراتي ” منجية نفسها من مساطر النقد الصارمة التي ” تركت العرب اسرى الاستغراق بنظريات غدت اشبه بموجات انتشرت على دفعات في العربية” .
تتناول المحسن الجواهري باعتباره حافظ اختام العربية وآخر الكلاسيكيين ،مرّ على ثلاثة اجيال وضعته في منزلة الثوابت من تأريخها مثل اسماء المدن والانهار كما في تقييمها بافتتاح مفالاتها بالجواهري .، مذكرة ايانا بوصف جبرا ابراهيم جبرا للجواهري ” كأنه كان يستعيد موقع راوي الملاحم في ثقافة الاغريق “.
وعلى اختلااف العراقيين على تصنيفه كيساري أو ملكي أو بين منزلتين ، فان المحسن تحيلنا الى شهادة احد خصومه وهو سليم طه التكريتي بالقول ان الجواهري ” ثورة على كل شيء ،على الحكم ، على المجتمع وعلى نفسه هو “. وتصل الى استنتاج في نهاية الفصل الخاص عن شعر الجواهري ،، بان شعر الجواهري يحمل بصماته ، بصمات آخر الكلاسيكيين الكبار ..ولنا ان نتذكر ان ليس كل من كتب القريض احتفظ مثل الجواهري بقوة التاثير والمكانة التي ملكها .
تتناول المحسن في نهاية ابحارها في عالم الشعر والشعراء الشاعر العراقي مظفر النوّاب ربما بزمن عودته الى الوطن بعد سقوط الدكتاتورية بالقول ” هكذا يعود مظفر النواب الى العراق ، بالكاد يحمل قدميه كي يخطو خطواته على ارضه ،ثمة سلام على محياه ، وعيناه غائمتان ، ولم يكن قبلها سوى الرجل الحزين ، كلما التقاه الاصدقاء ” وسبق مظفر ملامح هذا المشهد حين كتب قصيدته :
مو حزن ..لكن حزين
مثل ما تنكطع جوا المطر
شدّة ياسمين
موحزن
مثل صندوق العرس
ينباع خردة عشك
من تمضي السنين
مثل بلبل كعد متأخر
لكه البستان كلها
بلايا تين
مو حزن ..لكن حزين .
كانت عاطفة النواب الساكنة في فصاحة عذريتها ، طريقه الى توليد المعنى الحداثي للقصيدة كما ترى المحسن ، لافتة الى ان النواب لم يذكر العراق في شعره ولا مرّة واحدة ولا اشار الى مكانه ولكن ” لايمكن ان نسمي شعراً شديد الصلة بمحليته مثلما نقول عن شعره “.
وتصل فاطمة المحسن بحساسية وذائقة الشعر المميزة لديها الى استنتاج عن شعر النواب قائلة : يجمع مظفر في سلّة شعره ماعزّ على الشعر الفصيح فكأنه يولد من نفسه بلا اسلاف ولا ميراث ، لافي اللغة ولا في الصور ولا في التراكيب فهو لاينتسب الى مدارس المحكي العراقي ولا يتأثر بفصيح جديده وقديمه .
جولة معرفية مميزة تقودنا اليها فاطمة المحسن في عوالم الشعر والشعراء تكشف لنا فيها، بمهارة فائقة ، مساحات من حياة وتقييمات ونصوص الشعراء تاركة لنا روح المخيلة والاستذكار والابحار معها في هذا العالم الشعري .