مقاعد مجلس النواب: بين أحلام المرشحين وإفلاس الناخبين..

مقاعد مجلس النواب: بين أحلام المرشحين وإفلاس الناخبين..

كل أربع سنوات تتجدد الانتخابات التشريعية في العراق، حيث ينتخب المواطنون أعضاء مجلس النواب أو ما يُعرف بالسلطة التشريعية. ومع هذه الانتخابات تتجدد أحلام أبناء الشعب وتتجدد المطالب، وتبدأ التجمعات الجماهيرية واللقاءات بين المرشحين والجمهور الانتخابي. عندها نجد أن صوت الوعود يعلو، يرافقه الخطب الرنانة وهيئة المرشحين وهم يرتدون بدلة الإنقاذ لهذا المواطن البسيط الذي غزاه الفقر ومزقت ثيابه أفعال رجل السياسة الكاذب. وبين هذا وذاك نجد الحديث عن كرامة رغيف الخبز وعن الإصلاح وعن تحقيق العيش الكريم وأن المستقبل أفضل، ولم يبقَ شيء إلا الذهاب إلى صندوق الاقتراع.
قهقهات من هنا وهناك وأهازيج نسمعها من المهاويل والشعراء ومتحدثون بخطب على منصة التقديم وأصواتهم عالية على المنابر وهم يزكون المرشح الفلاني أو يمدحون النائب السابق ويذكرون أفعاله وكل حسناته وكأننا نعيش في يوم القيامة، فالكل هنا يبحث عن حسنة منسية ويبتعد عن أي سيئة حصلت في تلك الأربع سنوات السابقة.
أما الناخبون الذين زمروا وقطعوا العهود بأنهم لن يكرروا ما مضى، وأن مرارة السنين تذكرهم بتلك الأصابع البنفسجية التي كوتها نار الخيبة مرارًا وتكرارًا، لكنهم ما زالوا يعيشون ذلك الحلم الجميل الذي يتحدث عنه المرشح ليندمج مع الأمل واليأس الذي يخيم على قلوبهم. وفي كل مرة، وكالمعتاد، تتسع تلك الفجوة بين ابناء المجتمع كلما اقترب ذلك الموسم الانتخابي الجديد.
مجلس النواب العراقي بمقاعده المحدودة أصبح عروشًا للملوك، يكسب من يفوز بأحد مقاعدها الملايين من الدولارات وتتغير مجريات حياته من ذلك الموظف البسيط أو العاطل الفقير إلى صاحب الأملاك وصاحب السلطة والجاه. ولذلك يستوجب عليه أن يعرف جيدًا كيف يبدأ بمساومات كسب هذه الأصوات من هؤلاء المواطنين التائهين في طرق السياسة الجديدة، سياسة الديمقراطية وفروعها ومفاهيمها التي وصلت ربما بطريقة خاطئة.

كل أربع سنوات نعود إلى نفس الطريقة المكررة، فتتزين الشوارع بملايين اللافتات وتجد مكبرات الصوت في المناطق الشعبية والكاميرات وهي تصور ذلك المرشح ووعوده بالإعمار وخدمة من لا خدمة لهم.
المرشحون يطرقون أبواب الناخبين ويشكرونهم على حضورهم مؤتمراتهم الانتخابية ويقدمون ابتساماتهم أمام الكاميرات. لكن الحقيقة الثابتة والواحدة أن خلف كل هذه الصور هناك حقيقة واحدة، ورغم أنها تحمل طعم المرارة الكبيرة إلا أنها هي الحقيقة. حقيقة مقاعد مجلس النواب التي أصبحت هي الهدف وركوب المطية للوصول إلى المصالح الشخصية، فآمال الشعوب لا يمكن تحقيقها بينما أحلام المرشحين بالوجاهة والنفوذ والسيارات المصفحة والرفاهية لعوائلهم سوف تكون بمجرد إعلان نتائج الانتخابات.
نعم، هناك من ينتظر الامتيازات وهناك من يعيش على الأحلام البسيطة كالحصول على راتب رعاية اجتماعية او صورة تجمعه مع النائب الفائز……

نعم، إن قانون الانتخابات يقول إن المواطن اليوم هو الشريك الأساسي في صناعة القرار وانتخاب السلطة التشريعية، ثم بعدها هم من سوف يقومون بانتخاب السلطة التنفيذية. لكننا ما زلنا نشكك كثيرا نحن المواطنين في العراق بتنفيذ مضمون هذه الفقرات من قانون الانتخابات لأننا نرى أن شراء الذمم أصبح بحَدث ولا حرج، وأصبح إعلان النتائج وتأخيرها يقع ضمن سلطة الأحزاب، يرافقها شكوك ذلك الناخب الذي أدلى بصوته وأصبح مبهم وربما سوف تتصرف به جهات مجهولة.

ما يحزن الطبقات المثقفة وغيرهم من المتابعين لأحداث الشأن العراقي هو تلك التحالفات التي أصبحت تحمل طابعًا مشبوهًا، لأننا نرى فيها أن المرشح نفسه لن يستطيع الاحتفال بفوزه ونجاحه لأنه قد وقع على نفسه عهودًا مع تلك الكتلة أو الحزب، وسوف تكون أغلالًا في رقبته لا يستطيع التخلي عنها لأي سبب كان… وخوفه من الإفلاس الأخلاقي أمام جمهوره الانتخابي وقاعدته الشعبية التي بصمت له من أجل الفوز، والافلاس المادي أمام كتلته التي ربما قد وقعته على أوراق بيضاء…
. وبين أحلام المرشحين وإفلاس الناخبين تظهر لنا صورة جديدة لمجلس برلماني جديد، صورة كنا نتوقعها بصيغة أخرى بعيدة عن مفهوم الطائفية والمحسوبية وشراء الأصوات والذمم…وتعود. الامور بعدها الى مجاريها الطبيعية.. ويعود الناخب تحت اشعة الشمس مع انقطاع الكهرباء والخدمات المتردية ويذهب المرشح الفائز الى جناتٌ في منطقته الخضراء وقربه قاصات البنوگ مفتوحة له وامامه التبريد المركزي لسيارة التاهو الحديثة..
فهنيئا لك يافاعل الخير لانك اوصلته لما هو عليه…

أحدث المقالات

أحدث المقالات