مقاطعة السيد مقتدى الصدر للانتخابات : قراءة في الأسباب والانعكاسات

مقاطعة السيد مقتدى الصدر للانتخابات : قراءة في الأسباب والانعكاسات

تشهد الساحة السياسية في العراق تطوراً لافتاً بعد إعلان زعيم التيار الصدري سماحة السيد مقتدى الصدر مقاطعته للانتخابات البرلمانية المقبلة ، القرار لم يكن مفاجئاً لمن يتابع مسار الصدر منذ سنوات ، لكنه هذه المرة جاء في لحظة حرجة، ليطرح أسئلة جوهرية عن مستقبل العملية السياسية برمتها في العراق .

جذور الموقف : الإصلاح المستحيل؟

يرى مراقبون أن الصدر أعاد التأكيد على مواقفه السابقة الرافضة للمشاركة في انتخابات لا توفر ضمانات حقيقية للإصلاح فمنذ سنوات يرفع شعار مكافحة الفساد وتغيير قواعد اللعبة السياسية التي كرست المحاصصة الطائفية والحزبية على حساب الكفاءة وبحسب ما جاء في بياناته ، فإن النظام الانتخابي الحالي عاجز عن إنتاج برلمان قادر على كسر دائرة الفشل المتكرر، وهو ما يجعل المشاركة في نظره نوعاً من “التزكية” لواقع مأزوم بدل تغييره .

ما وراء الأسباب المعلنة

لكن خلف الخطاب الإصلاحي، يقرأ محللون خطوة الصدر باعتبارها استراتيجية سياسية مدروسة ، فالتيار الصدري الذي يملك قاعدة جماهيرية واسعة، جُرّب في أكثر من مناسبة الدخول بقوة في العملية الانتخابية، لكنه اصطدم بتوازنات داخلية وإقليمية حالت دون ترجمة نفوذه الشعبي إلى إصلاح فعلي. لهذا فإن الانسحاب هذه المرة قد يكون رسالة مزدوجة :

حماية رصيده الشعبي من التآكل إذا دخل في تسويات غير مجدية .

توجيه إنذار إلى الخصوم بأن شرعية الانتخابات ستكون ناقصة في غياب التيار الصدري .

تجربة الانسحابات السابقة

من المهم الإشارة إلى أن الصدر سبق أن أعلن انسحابات مماثلة من الحياة السياسية أو من الانتخابات، ثم عاد ليمارس دوره بطرق مختلفة. ففي 2014 مثلا ، أعلن تجميد نشاطاته السياسية قبل أن يعود لاحقاً. وفي 2022 انسحب نوابه من البرلمان بشكل جماعي بعد أزمة تشكيل الحكومة، ما خلق فراغاً سياسيا أربك المشهد ، اذا النمط يعكس ما يسميه بعض الباحثين بـ”الانسحاب التكتيكي”، أي إدارة الحضور والغياب لتحقيق أكبر قدر من الضغط السياسي.

التداعيات على الداخل العراقي

غياب التيار الصدري عن الانتخابات المقبلة ستكون له تداعيات واسعة فمن الناحية الانتخابية، ستنخفض نسبة المشاركة في المحافظات ذات الثقل الصدري، وهو ما قد يضعف شرعية البرلمان المقبل ، أما من الناحية السياسية ، فإن غياب كتلة كانت تمثل رقماً صعباً سيمنح قوى الإطار التنسيقي وحلفاءهم مساحة أوسع ، لكنه قد يضعهم أيضاً في مواجهة تحديات أكبر في إدارة الدولة دون غطاء “شرعية شعبية” تعوّدوا على وجودها من خلال المنافسة مع الصدريين .

البعد الشعبي : الشارع بين الولاء والإحباط

لا يمكن إغفال أن التيار الصدري يمثل قوة جماهيرية يصعب تجاوزها ، جمهور الصدر لم يعد ينظر إلى الانتخابات كطريق للتغيير، بل يشارك شعور زعيمه بأن صناديق الاقتراع باتت أسيرة الفساد والتحاصص ، ومع ذلك، تبقى المقاطعة سيفاً ذا حدين : فهي تحافظ على نقاء الخطاب الإصلاحي ، لكنها قد تعمّق في الوقت نفسه فجوة الثقة بين الشارع والنظام السياسي برمته .

الخلاصة: أزمة بنيوية لا أزمة قرار

في النهاية، تبدو مقاطعة السيد مقتدى الصدر انعكاساً لأزمة أعمق من مجرد موقف انتخابي. فالنظام السياسي العراقي بعد 2003 ما زال عاجزاً عن إنتاج توافق وطني جامع أو عن بناء مؤسسات قادرة على الاستجابة لمطالب الشارع ، وما موقف الصدر سوى تعبير عن هذه المعضلة البنيوية ، حيث يظل السؤال الأكبر مفتوحا : كيف يمكن لعملية سياسية فقدت ثقة جزء واسع من مواطنيها أن تستعيد شرعيتها وتفتح الباب أمام إصلاح حقيقي؟

أحدث المقالات

أحدث المقالات