اكثر من مائة وعشرين عاما مضت على تدويين اول وثيقة دستورية عرفها العراق والتي حملت في حينها تسمية (القانون الاساسي العثماني) وعلى الرغم من كون العراق من اوئل الدول العربية التي عرفت الدساتير وربما تكون مصر قد سبقته الا ان بغداد والقاهرة وكل الدول العربية تعاني اليوم من ضعف دستوري ناجم عن قلة وعي المشرعين تارة أو التعديلات التي يجريها السلاطين تارة اخرى..
وربما ان الحقيقة التي يجهلها الكثير من العرب عموما والعراق على وجه الخصوص ان اغلب الدساتير كتبت اما ترضية لمصلحة أمير دولة او لمصلحة حزب حاكم او شخص واحد وبالتالي فان اغلب الدساتير تعاني من قلة التوافق الشعبي بشأنها وأن الكثير من الجماهير العربية تنظر الى دساتيرها بانها(غطاء) لمصالح فئوية خاصة.
ولو نأتي على قراءة تاريخ العراق مثلا نجد ان الفترة التي اعقبت او وثيقة دستورية تعاقبت فيها اربعة انظمة جمهورية متباينة في أوضاعها السياسية والدستورية إلا انها تميزت بسمة واحدة كونها قد امتلكت وثائق دستورية مؤقتة تعكس بصورة واضحة حالة عدم الاستقرار السياسي لهذه الانظمة للفترة بين 1958 ولغاية 2003
ومن الواضح للعيان ان الانظمة الجمهورية الاربعة قد اخفقت في نقل العراق الى مرحلة الشرعية الدستورية القائمة على اسس المؤسسات الدستورية ذلك لان هذه الانظمة قامت لا لكي تحافظ على الحياة الحرة الكريمة والرفاهية للشعب وانما لكي يكون الفرد مشروعا ووسيلة للفداء من اجل الحزب او الفكرة او للقائد ربما.
وبعد 2003 وحتى اليوم ظهرت دعوات لضرورة كتابة دستور من منظور عصري يحفظ وحدة وسيادة العراق ارضا وشعبا .، ولكن هذه الدعوات لم تستطع ان ترى نجاح مشروعها مع كتابة عراق ما بعد 2003 لدستور ملئية بالــ(مفخخات ) أواللغام( اللفظية) ليتحول الى اداة الى التناحر بدلا من ان يكون ضابطة حقيقة لبناء دولة المواطنة.
وبهذا فان التعديلات الدستورية أضحت اليوم مطلبا من قبل السياسيين عموما خصوصا مع كل اطلالة لازمة سياسية …
ولعل البعض من المتتبع لتاريخ الدساتير العربية او المختصين بشؤنه يعلم جيدا بان أغلب الدساتير العربية اجري لها تعديلات لم يرعى فيها حقوق الجماهير وانما جاءت تلبية لرغبات حاكم او حزب او فئة معينة .، فمثلا التعديل الذي اجراه الرئيس السابق حسني مبارك في2005 والذي وضع بموجبه شروطا تعجيزية لا تتوفر سواه في الحزب الوطني الحاكم وبالتالي مكنته من الظفر بولاية خامسة وانهت تلك التعديلات ايضا بصيص الامل بالانتقال السلمي للسلطة في مصر في حينها..
أما التعديلات التي كان يجريها الرئيس العراقي السابق صدام حسين ونذكر على سبيل المثال التعديل الثالث والعشرون لعام 1993 والذي اضاف بموجبه فقرة تمنح بموجبه رئيس الجمهورية صلاحيات اصدار قرارات لها قوة القانون عند الاقتضاء وهي بمثابة سلطة تشريعية مستقلة .
أما الدستور السوري لعام 1973 فقد حدد في المادة 83 منه سن من يتولى منصب رئيس الجمهورية بما لايقل عن 40 عام وعندما توفي الرئيس حافظ الاسد عام 2000 تولى في الفترة التي تلت نائب رئيس الجمهورية مؤقتا وفقا للدستور وخلال سبعة وثلاثين يوما تم تعديل المادة المذكورة لكي يستطيع أبنه بشار الاسد البالغ من العمرآنذاك35 سنة ان يخلف والده ويصبح رئيسا للبلاد وبموجب التعديل اصبحت المادة تنص( يشترط في من يرشح لرئاسة الجمهورية ان يكون عربيا سوريا متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية متمما الخامسة والثلاثيين عاما من عمره). وبذلك فان التعديل الدستوري ايضا جاء لتلبية رغبة معينة.
اما التعديلات الدستورية التي جرت على الدستور التونسي لعام 1959 فكانت كلها تصب في خدمة الرئيس ايضا فقد كانت تنص المادة 39 فيه(يجوز لرئيس الجمهورية ان يجدد ترشيحه مرتين متتاليتين) وفي عام2003 اجري تعيدل علت المادة والغيي البند الاخير منها واصبحت فترة الرئاسة مفتوحة وبالتالي فانها مكنت زين العابدين بن علي على الاستمرار لسنوات طويلة حتى جاء الربيع التونسي لينهي حكمه عام 2011 .
ولو نظرنا الى دساتير عربية اخرى نجد انها مجرد كلمات صيغت تلبية لرغبات معينة فلو نظرنا الى الدستور اليمني مثلا لنجد انه يحدد في احدى مواده فترة اقل من 3 اشهر لوجود الرئيس في خارج البلاد وبالتالي فانه يعتبر مستقيلا ويصبح نائبه رئيسا مؤقتا ولكن ذلك لم يحدث في الازمة الحالية والتي استدعت الرئيس للعلاج في السعودية لفترة طويله.
اما دستور البحريني او السعودي او حتى الكويتي فانه منح الملك وعائلته حصانة وامتيازات لا تعد او تحصى ولا يمكن لنا في هذا البحث البسيط ان نسردها.
ولو القينا نظرة الى الدساتير الاوربية لنجد الصورة الرائعة لحقوق المواطنة والالتزام بالبنود الدستورية بل وحتى التعديلات الدستورية التي تجرى تنطلق من مفهوم خدمة الجماهير وليس مثلما يحدث في اوطاننا العربية.
فالدستور الفرنسي لعام 1852 اجرى عليه نابليون الثالث تعديلا دستوريا مهما ادى الى ترسيخ النظام البرلماني والذي ساد بعد ذلك في فرنسا محول الدكتاتورية الملكية الى برلمالنية دستورية فتأسست بموجبها قاعدة مسؤولية الحكومة والبرلمان.
اما الدستور السويسسري لسنة 1874 والذي عدل عام 1971 فان التعديل منح بموجبه المرأة حق التصويت وعلى الرغم من كونه متاخرا جدا قياسا لعراقة دستورهم الا ان التعديل ايضا جاء لخدمة شريحة النساء.
اما الدستور الالماني لعام 1949 والذي عدل في عام 1969 على المادة 91 منه فان التعديل عمل على استيعاب سلطات الاقاليم وبصورة تدريجية بل ان من بين التعديلات التي جرت على الدستور من نشأته وحتى عام 1991 كان هناك نحو 20 تعديلا يعالج العلاقة بين الاتحاد وألاقليم ومعظمها ترجح من كفة السلطة الاتحادية على حساب سلطات الاقليم.
ولو تابعدنا الدستور الخاص بجمهورية الاتحاد السوفيتي (والذي فكك فيما بعد جمهوريات مستقلة) ولو تابعناه لوجدنا ان التعديلات التي اجريت عليه عام 1936 اغلب تلك التعديلات كانت لاعطاء صلاحيات للاقليم على حساب الحكومة الاتحادية ووسعت من صلاحيات حكومات الاقاليم في الشؤون العسكرية والخارجية واتاح لها فرصة الاستقلال في ادارة ملفات مختلفة بحيث ان اوكرانيا وروسيا البيضاء استغلت تلك التعديلات واعلنت انفصالهما عن النظام الاتحادي المركزي مع بقاءهما في الاتحاد السوفيتي.
ولو نظرنا الى دستور الولايات المتحدة الامريكية لوجدنا ان صلاحيات فرض الضرائب والغرامات والرسوم وغيرها مكرس بيد الكونكرس ولكن مقيد بشرط فرض نوع موحد من تلك الضرائب او الغرامات في كافة انحاد الولايات المتحدة كما اجاز فرض الضرائب المباشرة وفقا لتعداد نسبة السكان الذي قرره الدستور.
ولعل مقارنة بسيطة بين التعديلات الدستورية العربية ومثيلاتها الاجنبية نجد ان التعديلات الدستورية العربية تنطلق من مصالح ضيقة في حين ان مثيلاتها في الدساتير الاجنبية تنطلق من حرص خدمة الشعوب وبالتالي فاننا نقف مذهولين ازاء ما موجود في الدساتير العربية او ما تقوم به من تعديلات…
اعود لاقول ان التعديلات التي يجب ان تحدث في الدستور العراقي يجب ان لاتكون في خدمة حزب ما او جهة دون اخرى او حتى لخدمة مكون على حساب الاخر.. علينا ان نترك للمختصين والخبراء دراسة الجوانب الايجابية في الدستور والعمل على تغيير البنود والفقرات التي لاتخدم المصلحة العامة للبلاد ما دمنا نشترك في رغبة واحدة تتمثل ببناء العراق …
اللهم فأشهد اني قد بلغت.