23 ديسمبر، 2024 8:41 ص

-1-
نقرأ في التاريخ :

” إنّ ابن الفرات – الوزير العباسي – ما كان يأكل الاّ بملاعق البَلُور …

وما كان يأكل بالملعقة الاّ لُقمةً واحدة ،

فكان يوضع له على المائدة أكثر من ثلاثين مِلْعَقة “

فيض الخاطر /ج8/245

إنّه الترف في اعلى صِيَغِهِ …

إنّ ملاعق البلور إنْ كانت من أمواله الخاصة فهذا هو السَرَفُ الفاحش والبذخ المذموم …،

وانْ كانت من بيت المال فهي الخيانة لله ورسوله وللأمة …

وعلى كلا التقديرين فانّ ما صنعه (ابن الفرات) لا يخرج عن كونه بَطَراً قبيحاً لابُدَّ ان يواخذ عليه …

وانّ (الموائد) التي تعد لها تلك (الملاعق) لتنطق بِلَعْنِ أصحابها المغمورين بالنَهَم …!!!

-2-

ويكتب أحد العراقيين الغيارى مقالة يقول فيها :

إنّ احد سياسيّ الصدفة المعاصرين اشترى ساعة يدوية ب69 ألف دولار ..!!

والسؤال الآن :

هل يحقّ لهذا السياسيّ المعزول عن التفاعل مع آلام شعبه – وما يعانيه المهجرّون منهم والنازحون –بوجه خاص – من مصاعب ومشاق ، وهم

آلاف مؤلفة ، ناهيك عن كراديس الفقراء الذين يشكلون الخُمسْ من المجموع السكانيّ العام – ان يعتبر نفسه انساناً ؟!!

انه لايحمل من الانسانية الاّ الشكل ..!!

أمّا المضمون فانه مُضيّعٌ مفقود ..!!

كان عليه – لو انه يملك إحساسا وطنياً وشعوراً انسانياً ممتزجا بمعاني الرقة والرحمة – ان يبادر الى اسعاف العديد من العوائل المنكوبة بآلاف الدولارات التي أنفقها على ساعة يدوية شخصية ، آثرها على أهله واخوانه المحاويج …

ولو فَعَل ذلك لأثبت أنه سياسيّ حقيقةً، توّاقٌ لتوسيع دائرة مُحبيه وأنصاره، ممن يُمكنُ ان يكون تفاعلهم معه نافعاً له في العديد من المواطِن .

هذا في حسابات الدنيا …

أما في حسابات الاخرة فحدّث ولا حرج ….

كان بمقدوره- لو كانت الدولارات التي اشترى بها الساعة قد جاءته بطريق مشروع لا شائبه فيه – أن يُثري رصيده من الحسنات، وان يتقرب بذلك الى الله سبحانه ، بعبادة اجتماعية تتمثل باغاثة المكروبين، وانعاش المحرومين، وتخفيف وطأة الحرمان على العديد من الفقراء والبائيسن والمستضعفين ..

انه المغبون حقاً .

وأسوأ أنواع الغبن … ذلك الذي اختاره بنفسه لنفسه ..!!

وانه الخسران المبين .

-3-

القاسم المشترك بين الحالتيْن :

المبالغة في التعويل على المظاهر، والغفلة عن الآثار السلبية التي تنتظر المغرورين ..!!

-4-

وقد يقول قائل :

ما قيمة هذه الحفنة من الدولارات التي اشترى بها هذا السياسي العاقّ ساعته اليدوية ، بازاء المليارات من الدولارات التي نهبها اخوانه من الرضاعة ؟

والجواب :

اننا أردنا ان نضرب المثال على السرف والترف والفواصل الرهيبة التي تفصل بين سياسيّ الصدفة وبين آلام الجماهير ….

أما الحديث عن النهب المنظّم للثروة الوطنية ، والعصابات المحترفة للاختلاس والاصطياد للمال العام ورموزها الكثيرة، فذلك ما لاتسعه المدونات الكبرى لا السطور العجلى …

-5-

واذا كان الترف سبباً لزوال النعمة طبقاً للقول المأثور :

” اخشوشنوا فانّ الترف يُزيل النعم “

فان هؤلاء السابحين في بحور الذات والملذات سيعضون أصابع الندم

( وسيعلم الذين ظلموا ايّ منقلب ينقلبون )

*[email protected]