-1-
نقرأ في التاريخ :
” إنّ ابن الفرات – الوزير العباسي – ما كان يأكل الاّ بملاعق البَلُور …
وما كان يأكل بالملعقة الاّ لُقمةً واحدة ،
فكان يوضع له على المائدة أكثر من ثلاثين مِلْعَقة “
فيض الخاطر /ج8/245
إنّه الترف في اعلى صِيَغِهِ …
إنّ ملاعق البلور إنْ كانت من أمواله الخاصة فهذا هو السَرَفُ الفاحش والبذخ المذموم …،
وانْ كانت من بيت المال فهي الخيانة لله ورسوله وللأمة …
وعلى كلا التقديرين فانّ ما صنعه (ابن الفرات) لا يخرج عن كونه بَطَراً قبيحاً لابُدَّ ان يواخذ عليه …
وانّ (الموائد) التي تعد لها تلك (الملاعق) لتنطق بِلَعْنِ أصحابها المغمورين بالنَهَم …!!!
-2-
ويكتب أحد العراقيين الغيارى مقالة يقول فيها :
إنّ احد سياسيّ الصدفة المعاصرين اشترى ساعة يدوية ب69 ألف دولار ..!!
والسؤال الآن :
هل يحقّ لهذا السياسيّ المعزول عن التفاعل مع آلام شعبه – وما يعانيه المهجرّون منهم والنازحون –بوجه خاص – من مصاعب ومشاق ، وهم
آلاف مؤلفة ، ناهيك عن كراديس الفقراء الذين يشكلون الخُمسْ من المجموع السكانيّ العام – ان يعتبر نفسه انساناً ؟!!
انه لايحمل من الانسانية الاّ الشكل ..!!
أمّا المضمون فانه مُضيّعٌ مفقود ..!!
كان عليه – لو انه يملك إحساسا وطنياً وشعوراً انسانياً ممتزجا بمعاني الرقة والرحمة – ان يبادر الى اسعاف العديد من العوائل المنكوبة بآلاف الدولارات التي أنفقها على ساعة يدوية شخصية ، آثرها على أهله واخوانه المحاويج …
ولو فَعَل ذلك لأثبت أنه سياسيّ حقيقةً، توّاقٌ لتوسيع دائرة مُحبيه وأنصاره، ممن يُمكنُ ان يكون تفاعلهم معه نافعاً له في العديد من المواطِن .
هذا في حسابات الدنيا …
أما في حسابات الاخرة فحدّث ولا حرج ….
كان بمقدوره- لو كانت الدولارات التي اشترى بها الساعة قد جاءته بطريق مشروع لا شائبه فيه – أن يُثري رصيده من الحسنات، وان يتقرب بذلك الى الله سبحانه ، بعبادة اجتماعية تتمثل باغاثة المكروبين، وانعاش المحرومين، وتخفيف وطأة الحرمان على العديد من الفقراء والبائيسن والمستضعفين ..
انه المغبون حقاً .
وأسوأ أنواع الغبن … ذلك الذي اختاره بنفسه لنفسه ..!!
وانه الخسران المبين .
-3-
القاسم المشترك بين الحالتيْن :
المبالغة في التعويل على المظاهر، والغفلة عن الآثار السلبية التي تنتظر المغرورين ..!!
-4-
وقد يقول قائل :
ما قيمة هذه الحفنة من الدولارات التي اشترى بها هذا السياسي العاقّ ساعته اليدوية ، بازاء المليارات من الدولارات التي نهبها اخوانه من الرضاعة ؟
والجواب :
اننا أردنا ان نضرب المثال على السرف والترف والفواصل الرهيبة التي تفصل بين سياسيّ الصدفة وبين آلام الجماهير ….
أما الحديث عن النهب المنظّم للثروة الوطنية ، والعصابات المحترفة للاختلاس والاصطياد للمال العام ورموزها الكثيرة، فذلك ما لاتسعه المدونات الكبرى لا السطور العجلى …
-5-
واذا كان الترف سبباً لزوال النعمة طبقاً للقول المأثور :
” اخشوشنوا فانّ الترف يُزيل النعم “
فان هؤلاء السابحين في بحور الذات والملذات سيعضون أصابع الندم
( وسيعلم الذين ظلموا ايّ منقلب ينقلبون )