المحتفلون بزوال النظام السوري هم أنفسهم الذين كانوا يتباكون على سقوط النظام البعثي العراقي، علمًا أنّ طريقة الانهيار متشابهة، والحاضنة الشعبية المفقودة سمة مشتركة بين الاثنين. الظروف الداخلية، الواقع المعيشي والاقتصادي، وحتى فترة المكوث في الحكم كلها متقاربة. ومن الجدير بالذكر أنّ المحتفلين بسقوط النظام البعثي في العراق غير مرحّبين بزوال النظام السوري. فكيف يمكن تفسير هذا التناقض في المواقف تجاه حالتين متشابهتين في كثير من الأمور، ولكنهما تتقاطعان في أمور أخرى؟ ولمن الحق في التعبير عن الفرح أو الغضب؟
نضع هنا بعض الحقائق التي تشكّل مقاربة مناسبة لفهم دوافع كل فئة:
1. نظام البعث العراقي كان يمثّل خط المواجهة الأول ضد إيران، التي تعادي إسرائيل، بينما نظام البعث السوري يشكّل خط مواجهة ضد إسرائيل، التي تعادي إيران.
2. موقف النظام البعثي في العراق كان معاديًا للمقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، التي تُشكّل خطرًا على إسرائيل، بينما موقف النظام البعثي في سوريا كان متحالفًا مع حزب الله والمقاومة في فلسطين.
3. نظام البعث في العراق كان نظامًا مغلقًا يعادي جميع دول الجوار الإقليمي ويحاربها، بينما نظام البعث في سوريا لم يعادِ أي دولة في الإقليم سوى إسرائيل.
4. نظام البعث في العراق كان يقيّد الحريات الشخصية إلى درجة أنّه منع إطلاق اللحية حتى على سبيل الموضة، بينما نظام البعث في سوريا لم يتدخل في مثل هذه الحريات.
5. الحريات الدينية في العراق خلال فترة حكم البعث كانت غائبة، حيث تعرّضت الأكثرية للاضطهاد، بينما في سوريا كانت تلك الحريات مصانة إلى حدٍّ ما، لدرجة أنّ المنتمي إلى طائفة الأكثرية السنية لم يكن يشعر بالاضطهاد.
6. إسقاط النظام البعثي في العراق جاء بعد غزو الكويت وتهديده الأمن الإقليمي، بينما إسقاط النظام في سوريا جاء نتيجة لتحالفه مع أعداء إسرائيل، مما شكّل تهديدًا لأمن الكيان الصهيوني.
7. بعد سقوط حكم البعث في العراق، تسلّمت السلطة أحزاب وتيارات جماهيرية معتدلة ومدنية، رغم اختلافها، بينما قيادة ما يُسمى “جبهة تحرير الشام” في سوريا تمثّل جهة متطرفة متجذرة في تنظيم القاعدة الإرهابي.
8. بعد سقوط حكم البعث في العراق، تواجدت قوات احتلال دولية بقرار أممي، بينما بعد انهيار النظام في سوريا، توغّلت إسرائيل وما زالت تعرب عن نواياها في قضم الأراضي السورية.
ومن هنا…
فمن فرح بسقوط نظام البعث العراقي هو شعب مظلوم ومضطهد أثبتت التجربة أنّه قدّم لفلسطين، بعد سقوط البعث، ما لم تقدّمه الشعارات القومية البعثية. أما من يقف ضد زوال الدولة السورية اليوم، فيعتبر أنّ زوالها يُعد انتصارًا للكيان الإسرائيلي، الذي يعاديه المحتفلون سابقا بسقوط البعث العراقي!