الشعر حياة .. تلتقي فيها متناقضات الحياة ذاتها , في عالم الشعر تتجوهر الأشياء وتفقد حيثياتها وحجومها ويتساوى الجميع ..العمل الفني , شعراً وسرداً أو رسماً واقعة تتألف من مستويين بنائيين مستقلين : مستوى تحتي مادي شيئي ينتمي إلى جوهر العمل الفني المادي ومستوى دلالي فوقي ينشأ كهامش سردي على الواقعية الشيئية , والمستوى الفوقي , وان كان موجودا ً ضمن جوهر العمل الفني , فانه لا ينتمي إلى البنية المادية للعمل الفني وذلك بسبب أن الحقل الجمالي ليس معرفة لذا فهو مستقل عن معايير العقل وقيمه الأخلاقية.
صدر للكاتب جاسم العايف كتابه المعنون ” مقاربات في الشعر والسرد “* وقد أهداه إلى زوجته، الراحلة، إكراماً ووفاءً.وقد قسم الكتاب على ثلاثة أقسام:احتوى القسم الأول على دراسة عن الشاعر الراحل ” مهدي محمد علي ” وحمل عنوان ” شجرة مثمرة ومنجز غمرته الظلال “. غادر مهدي العراق بصحبة الشاعر ” عبدالكريم كاصد ” بدلالة بعض المهربين عبر بادية السماوة في رحلة جحيمية نحو الكويت ومنها إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ليعمل في المجال الإعلامي والثقافي:..
“سبعة أيام بلياليها
لم نعرف غير ذ لول ودليل
وسماء ورمال
وصحارى تصفر فيها الريح
وطن ٌ يمتد إلى أقصى الأرض وأقصى الروح”
غادر مهدي الى مناف لا عد لها , لكنه بقي يعيش حياته في ” البصرة ” وكتب عنها كتابه ” البصرة .. جنة البستان ” , ويلاحظ في كل قصائده التي كتبها خلال أكثر من ثلاثة عقود وهو ،خارج البصرة، مصرا ًعلى تذليلها بـ “البصرة” رسخت تجربته الشعرية منذ بداية السبعينات بتواصله مع النشر ومع ما كتبه وأصدره لكنه بقي بعيدا ً عن الاهتمام اللائق وتناول دواوينه نقديا ً وفحص تجربته الشعرية التي تنتمي في صميمها للشعر العراقي .. عن تجاهل منجزاته الشعرية والنثرية المتعددة المتنوعة يقول ” مهدي ” في حوار أجراه
معه الناقد ” مقداد مسعود ” : ” هذا من اختصاص النقاد ومن مهماتهم , ومن جانبي فأنني لا أبيح لنفسي أن احدد صفتي أو موضعي غير أنني استطيع أن أصف تجربتي الشعرية وكتاباتي الأخرى لأضيئها لا لكي أعطيها قيمة محددة أو درجة بعينها , ولقد وصفت نفسي مرة وأنا أتحدث عن تجربتي بأنني شجرة في حديقة عامة انتظر أن يلتفت الي ّ أحد العابرين فينبه عابرا ً آخر فاخر, حتى يقبل الناس نحوي!؟”.ترى من سيلتفت الى ما قدمه الشاعر ” مهدي محمد علي ” من منجز شعري ثر ّ طافح بما هو إنساني , ثري بملامحه المحلية , غني ّ بناسه البسطاء القابعين في أسفل القاع الاجتماعي والمقصين عن الحياة الإنسانية اللائقة والغارقين في الإهمال.وثمة دراسة تناولت الشاعر حسين عبداللطيف .. ومجموعته” متوالية هايكو “.يرى ” العايف ” انها قريبة من قصيدة ” الهايكو ” اليابانية التي تنطلق من منظور ثقافي أخر له أعرافه وتقاليده الخاصة به .. في هذا النمط الجديد من الكتابة يتعين على أي شاعر أن يستحضر كل أعماله الشعرية السابقة ويستخلص الفهم الدقيق لقراءاته قبل الشروع في كتابة ما يحاكيه .حسين عبداللطيف في ” متوالياته ” أو كما ذكر ” توقيعاته ” يخاطب الأشياء بحنو في واقع صلد وقاس , نرى ونتلامس فيه مع اللامتوقع , كاشفا ً عن ذاته بانكسار مهزوم لا يقر بهزيمته أو يستسلم لها , مع أنه عاش تجارب حياتيه خذلته كثيرا ً وتركت على روحه وجسده ندوبا ً لا تُمحى لكنه بدأبه وتواصله مع العالم ومواجهته لما عاناه وكابده وعبر الشعر بالذات وبالترافق مع تقدمه في السنوات وتعزز مكانته كشاعر مثابر اتسعت رؤاه وتمكن من أدواته:
” فرس النبي
الفرس الوحيدة
التي بلا سرج
ولا لجام ”
***
بائع الفرارات
يدور في الأزقة والأحياء
وفراراته تدور في الهواء
***
” السهام
بلا طابع بريد
و……….تصل ”
وكذلك دراسة ” أغنية حب .. تبتكر لعبة الغرق” عن الشاعر القتيل شابا ً في منتصف السبعينات ” مهدي طه ” المولود في البصرة عام 1953 وعثر على جثته غريقا ً في الثلاثين من آيار 1975 بالقرب من نهر ” الحكيمية ” .مهدي طه لم يكن يبدي اهتماما ً بنشر نتاجاته الشعرية لكنه أسهم في أمسيات ومهرجانات شعرية عندما كان طالب في الدراسة الإعدادية وفي جامعة البصرة , وقصيدته ” إعادة رتيبة لسيرة الملك الضليل ” معروفة من قبل مجايليه الشعراء الشباب في البصرة . يؤكد” العايف”:لدى ” مهدي طه ” ارتفاع صوت الأنا عاليا ً في أشعاره ولا مكان لتعدد الأصوات في قصائده مما قلل مساحاتها العامة ومنعها من الخروج عن ذاته المغلقة .. شاعر بعمره ينتابه الأسى والحزن دائما ً , الحزن في الشعر يبعث على الفرح أحيانا ً لكن عند ” مهدي طه ” لا تجد في قصائده شيئا ً عن الفرح وألق الحياة وبهجتها , ومن حدسه المتواصل أن يتوقع لنفسه ذات لحظة ما الموت غرقاً:
” أي ُّ نهر ٍ تكشـّف َ عنه الصباح الكثيف ؟
أيها العابر الآن بين الظهيرة والجذوة المطفأة
أيها المتعلق بين العيون وبين نوافذها الصدئة
أتمنحني السر ّ قبل الغياب” ؟.
ودراسة عن الشاعرة والإعلامية المغدورة ” أطوار بهجت ” ..
بعد مجموعتها الشعرية الأولى ” غـُوايات البنفسج ” التي أصدرتها سابقا ً, صدرت ” على جناح ليلكه ” المجموعة الشعرية الثانية واشتملت على قصائد ظلت مخزونة في حاسوبها الشخصي واستخرجت بعد رحيلها والمصير الفاجع الذي آلت اليه , الشاعرة تعتمد في قصائدها على تقديم صورها الشعرية بنوع من الكشف العلني والمفارقة ” العاطفية ” دون مواربة مع إحساس متعاظم بخذلان ” وجدانها ” من ” الآخر ” الذي لا ترغب في إخفاء ملامحه .
ما جاء في ” على جناح ليلكه ” هو أقرب لـ” مدونات يومية شعرية ” تفتقر إلى قلة الخبرة ” الفنية ـ الشعرية ” مع عدم الاهتمام بـ ” الإيصال ” , وقد تضمنت المجموعة أسئلة وهواجس وخواطر متراكمة بسيطة غير معقدة ,
من المؤكد. أن ” أطوار بهجت ” ستكون ضمن من ستحتفظ بهم الذاكرة لتؤشر بحزن على إن فتاة عراقية في الثلاثين من عمرها فقط قد اختطفها الموت وهي تحلق في سماء العراق كالفراشة , قد مرت من هنا :
” هدمت بنيانك في روحي
وعلى أنقاضك بنيت آخر
……..
حين استوى البنيان
وجدته أنت ”
………
” كلما أضعت روحي
وجدتها عندك
اليوم :
أضعت روحي وأضعتك ”
دراسة ، أخرى، عن الشاعر البصري ” عبد الخالق محمود ” بعنوان ( فجائع .. عازف آخر الليل ) .. قصائده تتدرج من البوح الواطئ إلى الصوت المرتج بالألوان والبروق والتقلبات , يملك توجها ً وتمكنا ً لغويا ً واضحا ً بحكم تخصصه باللغة العربية وتدريسها سنوات .. قصائده تتميز بوضوح ودون تعقيد وبالموسيقى الخفية تارة والبارزة تارة أخرى. عمد ” عبد الخالق ” في شعره لاستخدام بعض الأساطير( كلكامش وانكيدو , هابيل وقابيل , أبو الهول وموت الأمير وأوديس وآرغوس وطروادة ).وهو ينظر إلى الجوانب الفجائعية فيها فقط , وهذا انعكاس لتصوراته في الوجود الشخصي المأساوي للإنسان الأعزل في هذا العالم دون أن يتعامل معها بعمق الأفكار كما انه لم يستفد من دلالاتها التاريخية والانثروبولوجية , في كل قصائده لم يسع عبدالخالق إلى تجاوز قصيدة التفعيلة أو الخروج على ضوابطها .وقد صدرت المختارات الشعرية لعبد الخالق محمود مؤخرا ً، عن اتحاد أدباء وكتاب البصرة و بعنوان ” عازف آخر الليل ” قدم لها الناقد جميل الشبيبي مؤكدا ً فيها بان ” قصائده تحمل أعباء حياته الثقيلة التي كانت قصيرة ” . وإذا تأملنا عالمه الشعري سنجده محدودا ً بتفاصيل تشبه حياته فهو لم يتطلع إلى عالم رحيب أو فضاءات يتقصى فيها خياله مدن اليوتوبيا ..وسبق أن صدرت لـ” عبد الخالق محمود ”
مجموعته الشعرية الأولى عن اتحاد الأدباء في العراق عام 1994 السلسلة الشعرية وبعنوان ” مراثي الشمس ” وقصائد أخرى ..
غادر عبدالخالق عالمنا في أوائل عام 2001 ودفن في مقبرة الحسن البصري في الزبير:.
” اهدأ قليلا ً
ثم فكر ّ :
ما الذي يعني اشتعال الروح ,
ما تعني الرؤى والمستحيل ْ ؟ ”
*
“ويـُطل ُ وجه ٌ ,
خلف َ نافذة ٍ ,
وقد أسميته ُ حـُبّي
يُغادرني , إليها , طائرا ً قلبي
ويُصبح ُ بيتـُها ..
بيتي !”.
يقرأ “العايف” المجموعة الشعرية الثانية للشاعر ” ثامر سعيد ” والمعنونة ” بداية البنفسج البعيد ” وتحتوي على ” 23 ” قصيدة , حاول فيها الشاعر أن يرصد العالم الذي حوله عبر المحاكاة والتلميح والاستعارة مستبطنا عالم ” البصرة ” مدينته وآفاقها التاريخية والشعبية وملامحها وخصوصياتها في
” دنابكها وطنابيرها ودفوفها ” وهي ألآت موسيقية كانت منتشرة ومستخدمة من قبل الزنج في البصرة . كما يركز الشاعر على ما هو متميز ومتفرد في مدينته المشهورة بـ ” النيط والماني ماني والسعد وعود الهند والتناصري ” وهي أنواع من البخور كانت رائجة بين سكان البصرة .يسعى الشاعر ” ثامر سعيد ” للقبض على ملامح مدينته المندثرة وتواريخها المغيبة والأشياء وخصائصها الهاربة والأشخاص ومصائرها المحزنة عبر ذاكرة ندية للتعويض عن حجرية الحاضر الضارية ويجري حوارات مع ماضي المدينة وشخوصها :
” يلوذون بالبحر من البحر
وبالريح من العاصفة ,
يقترحون عليك الأفق
وبعض النزيف
كلما تكدس الضجيج على فرائصهم
عراة في مهب الريح
إلا من توجسهم “.
وثمة دراسة عن كتاب الرسام والناقد التشكيلي خالد خضير الصالحي ” قيم تشكيلية .. في الشعر العراقي ” وهو يشمل مساحة شعر عراقي واسعة ممتدة في الزمان والتاريخ .. يحتوي كتاب الصالحي على دراسات في كتب شعرية صدرت حديثا ً أو سابقا ً فيفرد دراستين بالشاعر ” حسين عبداللطيف ” , إحداهما عن ديوانه ” أمير من أور ” وهو في رثاء الفنان الراحل أحمد الجاسم وصدر عام 2011 , والأخرى عن ديوانه ” نار القطرب ” 1994 .. يرى خضير بان أهم خصائص الشعر عند حسين عبداللطيف تنحصر في كبح الكثير من رومانسية الذات المتوجهه إلى الآخر وانه أثث نصه بحشد من أسماء الأمكنة والشخصيات التي تتعلق بالرسم والرسامين وأسماء اللوحات وأماكن لعبت دورا ً مهما ً في تاريخ الرسم الحديث ..ويقدم ” خالد خضير ” دراسات عن كتب أو قصائد شعرية لمؤيد حنون وعادل مردان وجبار الوائلي ورنا جعفر ياسين ووديع شامخ والهام ناصر وكاظم اللايذ وأحمد العاشور والراحلين محمد طالب محمد ومصطفى عبدالله وعلي النجدي وعبدالخالق محمود وسلام الناصر ومجيد الموسوي .يذكر الراحل . د محسن اطميش في كتابه ” دير الملاك ” أنه لابد لأي ناقد أو باحث يطمح مخلصا إلى تقديم رؤية نقدية متكاملة عن الشعر الجديد أن يتناول أدوات التشكيل الجمالي للشعر وهي ” اللغة ” و” الصورة ” و” الموسيقى “.يرى العايف أن هذه العناصر كانت شبه غائبة في كتاب خضير كونه معنيا بـ” القيم التشكيلية في الشعر العراقي “.
ودراسة عن كتاب الدكتور سلمان كاصد ” دراسة نقدية .. قصيدة النثر ” يرى أن القصيدة الحديثة , النثرية بالذات التي يطرحها الشعراء العرب تمتلك
” أسلوبا ً حداثيا ً ” يعني بقارئ النص بصفته منتجا ً للمعنى , كما يطرح المهيمنات التي سيتناول عبرها الشعراء في قصائدهم من أمثال ” البنيات الحكائية والوظائف الأنفعالية والمكونات الأسلوبية وحداثة التشكل البنائي .
ولأن القصيدة نتاج تصور فاعل للعالم بمستويات عدة فانه يرصد اختلاف الرؤى والمهيمنات لدى بعض الشعراء الذين درس تجاربهم . وقد ظهر مصطلح قصيدة النثر في الأدب العربي من خلال مجلة شعر سنة 1960 تحديدا ً للدلالة على شكل شعري جديد انتهت إليه الكثير من الأشكال التجريبية
الشعرية العربية السابقة زمنيا ً . “العايف” ذهب إلى أن ” قصيدة النثر الراهنة تجربة قابلة للجدل ” , وان بعض النتاج الشعري لقصيدة النثر قد نحت منحى ً شكلانيا ً محضا ً , وان قسما ً منها قد أجهد نفسه على ألا يقول شيئا ً من خلال التوجه نحو الغموض وتجاهل أو عدم أدراك أهمية (التوصيل في إنتاج المعنى) أو الاهتمام به وبما هو مناسب .فالتوصيل بات منطلقا ً ونابعا ً من براعة الشاعر وقدرته الفنية الشخصية وثقافته الغنية المتجددة في تشكيل موضوع قصيدته قبل أي شئ آخر , وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا لشاعر ذي مقدرة وبراعة فنية واسعة الرؤى والتصورات وتكمن بمهارة خلف ” الصانع الأمهر ” المتمكن من أدواته والكامن خلف موضوعه وليس بداخله . وثمة
دراسة بعنوان ” قراءة جديدة لأنشودة المطر ” لمؤلفته الباحثة البريطانية ” تيري دي يانغ ” ترجمة السيدة ” سحر أحمد ” . تعد الباحثة( تيري) قصيدة ” أنشودة المطر ” من العلامات المتميزة في المسار والتطور الشعريين لبدر شاكر السياب , ولا نغالي إذا عددناه من علامات الشعر العراقي – العربي الحديث , إذ أنها من القصائد التي نجح السياب فيها بدمج الرأي والانتماء السياسي الخاص به , واليساري تحديدا ً حينها مع تجربته الذاتية , كما عُدت ” أنشودة المطر ” من قبل بعض النقاد العرب تعبيرا ً عن روح التفاؤل في الخمسينيات التي شهدت صعودا ً في صراعات الشعوب العربية من اجل التحرر وكانت القصيدة تعبيرا ً واضحا ً عن الأمل في ذلك من أجل بناء مستقبل أفضل لبلدانهم وشعوبهم العربية خاصة بعد انهيار ما وصف بـ” الإمبراطوريتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا “. ترى الباحثة البريطانية أن ” أنشودة المطر ” هي محاولة السياب الأولى في اعتماد الرمزية التي تستند إلى أساطير الخصب الوثنية القديمة وفي نهاية عقد الخمسينات أصبحت هذه الأساطير التي تتعلق بالموت والبعث تقليدا ً سائدا ً , سواء في شعر السياب أو في الشعر العربي الحديث عموما ً والغرض منها رسم رؤية ٍ لحضارة ٍ عربية ٍ تولد من جديد حرة ً في التطوروعلى طريقتها الخاصة من دون أن تصبح تابعا ً لأية هيمنة خارجية , وتؤكد أنها لم تجد أي ناقد أو باحث تعامل حتى اليوم مع القصيدة بصفتها نصا ً ديناميكيا ً يغير بؤرته وتتطور الأفكار فيه أثناء ما ينتقل القارئ من بداية القصيدة إلى نهايتها .
قصيدة ” أنشودة المطر ” نـُشرت أول مرة في مجلة الآداب البيروتية
( ع 2, حزيران 1954 , ص 18 ) وتذكر المترجمة في هامش لها:” أن القصيدة قد سبقت زمن نشرها بكثير” . بقى السياب في أغلب شعره مهتما ً
بالجرس اللغوي والبلاغة العربية وما تتيحه من تشبيهات في شعره وما يتركه ذلك من فضاءات التلقي لدى القارئ العربي خلال مرحلة الخمسينيات بالذات، وترى الباحثة أن السياب ربط المطر في قصيدته بصورة العاصفة التي ترد في كثير من القصائد الجاهلية , لكن ثمة فروقا ً مهمة بين ” عاصفة ” قصيدة السياب و” عاصفة ” القصيدة الجاهلية , إذ أن ” عاصفة ” السياب تستمد رؤاها من صور ” العاصفة الرؤيوية ” كما في القص السامي التوحيدي المقدس:” التوراتي , الإنجيلي , القرآني ” بينما لا تحمل قصيدة الشعر الجاهلي شيئا ً من معاني ” الأخرويات ” كالبعث والحساب .يظل شعر السياب مفتوحا ً على تأويلات عدة ويبقى الجدل والخلاف في ريادته للشعر الحديث فهو بقى حتى اللحظات الأخيرة من موته الفاجع ليل ” 24-12-1964 ” في المستشفى الأميري بالكويت يكتب الشعر الحديث بنوازع وتوجهات وثيمات عدة بينما من قاسمه , حسب النقاد , ريادة الشعرية العربية الحديثة أخذ شيئا ً فشيئا ً يتراجع عن أطروحاته وتنظيراته تلك .احتوى القسم الثاني من مقاربات” العايف” .. دراسة عن كتاب القاص محمد سعدون السباهي ” كوكب المسرات ” وهي عبارة عن سيرة ذاتية من يوميات سجين لدخوله السجن عن حادث سير ليلا ً وهي تقع ضمن سرد التجربة الشخصية .. ذهب ” السباهي ” في توطئة كتابه إلى الشك في كل ما رأى وسمع وقرأ , بسبب قسوة ما عاشه وتعرض له في السجن وخارجه . وقد رواها بلغة أدبية تمتلك طاقة جمالية وتعبيرية عبر تشكلها وتوجهها السردي ومع حدتها الجارحة والقاسية وذات التوجه والمنحى الذي يبدو ” غرائبيا ً ” لكثافة واقعية تفاصيله , قدم أغلب الأشخاص المحيطين به والمرافقين له في جحيمه كـ” شياطين ” زمانهم ومكانهم , بكل آثامهم وأنانيتهم وأحقادهم وجرائمهم المخزية إنسانيا ًواجتماعيا ً
واحتياجاتهم اليومية لاستمرار حياتهم .وكذلك دراسة عن رواية ” أفراس الأعوام ” للروائي زيد الشهيد , والتي تدخل ضمن الرواية التي تستفيد من سجلات التاريخ فهي تروي بسرد شفاف يتداخل فيه الزمن والتاريخ في العراق , بالتشابك مع الوقائع العينية للحياة اليومية ونمط العلاقات المتعالية للفئات العليا في السلم الاجتماعي , وكذلك تكشف مجريات الحياة والمصائر الفاجعة لناس القاع وهي تحاول الإفلات من تلك ” اللعنة ” الاجتماعية الأزلية من خلال أحلامها بحياة آدمية لائقة بالبشر , وكل ما مر بالإنسان العراقي من المرارات والعذابات وبعض المسرات النادرة جدا ً .الروائي زيد الشهيد يهاجر من الحاضر إلى الماضي للامساك به وبأحداثه المهمة وبنوع من الثبات الفني
– السردي القادر على تناول ذلك أو بعضا ً منه , لأن من الطبيعة المهمة للسرد أن يقترب من شؤون الحياة وناسها ولذا فأن الروائي يضع بعض أحداث التاريخ العراقي ومدينته السماوة سرديا ً تحت المجهر, وذلك لما تعانيه مدينته ” السماوة ” وما جرى فيها من تحولات اجتماعية بأمانة ونثر شفاف ملون عبر استخدام اللغة والحوار وموحياتهما بمسؤولية الصانع المتمكن من أدواته ورؤاه التي يوظف فيها الحدث التاريخي. ثم دراسة عن كتاب الدكتورة ” فاطمة عيسى جاسم ” حول ” غائب طعمة فرمان روائيا ً “. لعبت نتاجات ” غائب طعمة فرمان ” الثقافية والأدبية والفكرية دورا ً مهما ً في تعميق وبلورة الوعي الاجتماعي – الإنساني في الصراع ضد أشكال القهر والقسوة والتردي والتخلف , وحفـّزت الكثيرين على دراستها واستكشاف عوالمها الفنية .. يتفق أغلب الدارسين في حقول الأدب العراقي على أن البداية الفنية للرواية العراقية كانت بصدور ” النخلة والجيران ” والتي أثارت كأغلب روايات غائب اهتماما ً واسعا ً لدى النقاد العرب والعراقيين وكذلك الدارسين الأجانب , فلقد عـّده جبرا ابراهيم جبرا ” الكاتب العراقي الوحيد الذي يركـّب أشخاصه وأحداثه في رواياته تركيبا حقيقيا .ومن خلال دراسة الباحثة لروايات ” غائب ” فإنها تحدد نمطين رئيسيين لدراسة السرد لديه هما ” السرد الموضوعي ” و ” السرد الذاتي ” . وانه قام بإبراز الشخصيات الروائية ذات الملامح الشعبية البسيطة التي تعيش هموما ً مشتركة بسبب من التزاماته الفكرية واختياراته الاجتماعية وانحيازه للفقراء والمهمّشين اجتماعيا ً , وكذلك قدراته في استبطان تلك الشخصيات نفسيا ً والتي تشكل وحدة اجتماعية تتأثر وتؤثر بالمحيط الخارجي والعالم الذي وجدت فيه .. وغائب على رغم واقعيته ” مارس الانتقاء والحذف والربط والتحريك حتى جعل الرواية عالما ً حيا ً إنسانيا ” وانه أثرى لغته الأم ولم يفرط بها , وقد اتضح في رواياته التلازم والتفاعل بين الطبيعة الخارجية والأجواء النفسية وتألق في إرساء أسس الرواية متعددة الأصوات بشكلها الإبداعي – الفني من خلال تعدد الأصوات والتوازي والتناقض وان للفن السينمائي والمسرحي والأساطير والموروثات الشعبية أثارها في رواياته،واتصف المكان لديه بالمحلية وله قيمتان واحدة ” محبطة ” وتتجسد في الأماكن الجديدة وأخرى ” ثرية معطاء ” تتجسد في الأماكن القديمة البغدادية والتي تشكل الصوت القوي – المهيمن في اغلب رواياته .وهناك دراسة عن كتاب الباحث والإعلامي والروائي زهيرالجزائري” أوراق جبلية ” .. يروي الكاتب سيرته الذاتية وتجربته في مرحلة ما في حياته
عند التحاقه بفصائل ” الأنصار ” في كردستان العراق , وقد سردها بلغة أدبية ذات الاتجاه والمنحى التوثيقي , قدم الأشخاص المرافقين لتجربته بمثابة ” الملائكة ” المطهرة من كل آثام أو أنانية أو أحقاد أو منافع , انه يكتب للذين دوت القذائف في آذانهم ولعلع الرصاص قربهم وترك جروحا ً أو عوقا ً على أجسادهم , ومزق أرواحهم معنويا ً وبعضهم بات جثثا ً غرقى محنطة في متاهات الثلوج إلى الأبد .. أنه خطاب للذين اجتازوا المحنة وكأنه يطالبهم بعدم النسيان وجمع بيانات الضحايا لأن الماضي بات ذكرى وان كل الضحايا كانوا بشرا ً لهم أسماء وقسمات وآمال وتطلعات .وعند تناول كتاب الناقد ” جميل الشبيبي ” ” مدن الرؤيا ” فأنه يحدد بنية الرؤيا وسماتها فالسارد فيها يمتلك حرية التنقل في مكان الرؤيا , ولقاء السارد بشخوص يمكن اعتبارهم من العوامل المساعدة في تحقق الرؤيا وان معظم قصص الرؤيا تتداخل فيها الأزمان أو تتوقف , وبعد اكتمال الرؤيا أو تحقق الحلم يعود السارد إلى واقعه مؤكدا ً إن ذلك كان حلما ً . يقر الشبيبي بأن الناقد
” د. عبدالاله احمد ” استخدام مصطلح ” قصص الرؤيا ” وكان له فضل الريادة بالتعريف بها , وأن ظهور قصص الرؤيا في العراق يعود بين عامي 1909- 1920 . يرى الناقد جميل الشبيبي إن القاص العراقي منذ نشأت القصة العراقية ولغاية اليوم دأب على التجريب والتجديد في أشكاله الفنية , ومن أهم ذلك الانعطافات في السرد العراقي القصير ما كان في القصة الواقعية خلال حقبة الخمسينيات في القرن الفائت عندما اعتمد ” تيار الوعي ”
وتم توظيفه فنيا ً في القص العراقي , ورأى الشبيبي بأن القصص القصيرة التي نشرت بعد نهاية حرب الثمانينيات وفي بداية العقد التسعيني الذي شهد حرب الثمان سنوات اللامجدية والخاسرة والذي افتتح بحرب أخرى أجهزت على ما عافته الحرب الأولى , مسلمة ً العراقيين لحصار مرير قاس طال كل شيء مما ولد قصة رؤيا اتسعت واستوعبت أشكال التناص المختلفة مع لغات أدبية وغير أدبية .وثمة في”المقاربات” دراسة عن المجموعة القصصية الثانية للقاص ياسين شامل”انكسارات مرئية” وضمت فضلا ً عن مقدمتها تسع قصص قصيرة , وثمة قصص قصيرة جدا ً. يعتمد القاص ” ياسين شامل ” في قصصه على صوت الراوي الوحيد ويسرد قصصه بضمير المتكلم وينظر إلى الشخصيات الأخرى فيها بحسب توجهاته . والقاص في عنوانات قصصه يمنحها مساحة واضحة لتحديد مهيمناتها من خلال عنوانها ذاته , وتعتمد في بنياتها وحبكاتها الفنية والسردية على المنهج ” الواقعي ” وعلى رؤى
وتوجهات الواقعية المعاصرة التي تضع الإنسان وماضيه وحاضره في حالة من التجلي الفني المتوتر والمنشغل بالمصائر الإنسانية الفردية والمرتبطة بوشائج عدة مع الوضع الاجتماعي وفواعله المتغيرة , ولا تتعالى على القراء وهي ملتصقة بهموم وآمال بسطاء البشر وتطلعاتهم من اجل عالم إنساني عادل.احتوى القسم الثالث .. دراسة عن كتاب الدكتور كمال عيد ” علم الجمال المسرحي ” والذي يعترف فيه بصعوبة معرفة البدايات التاريخية لعلم الجمال على المستوى النظري , متجاوزا ً ذلك إلى البحث في تحديد ماهية التفكير الجمالي , لكون تلك المبادئ تعتبر المصدر الأساس للكثير من المبادئ والقيم الإنسانية الأخرى , مثل الخير والتعبد للفن والشعر والموسيقى , ولكون علم الجمال معني بالوصف والتغير بالنسبة للظواهر الفنية تم ” قياس ” التجربة الجمالية بالاستعانة بعلم النفس وعلم التاريخ وعلم الاجتماع وعلوم أخرى متشابكة في مناهجها ومدلولاتها مع الجمال .ويقدم الدكتور كمال عيد وجهة نظره في تاريخ المسرح حيث يعارض البحوث العالمية والمحلية الكثيرة التي تقرر أن الأصل في المسرح والمسرحية أنهما قد خرجا من المسرح اليوناني القديم ومن عبادة وطقوس آلهة اليونان القدامى , ويرى مع قلة من الباحثين في تاريخ المسرح من الأجانب والعرب , أن التجربة المسرحية الأولى هي تجربة وادي النيل , بعد أن تم فك رموز الكتابة الهيروغليفية وقد أطلق على بعض رموزها لفظة ” حوارات درامية ” . أما التجربة المسرحية الثانية فقد انبثقت في بلاد ما بين النهرين وفي مدينة آشور تحديدا ً , وعبر الدراسات الآركيولوجية الحديثة تم العثور على ألواح ورقم طينية تحتوي على نصوص تتضمن حوارات درامية , وثمة لوح عثر عليه خلال التنقيب الاثاري ويعرف باسم ” طريق وزيارة الإلهة عشتار إلى الجحيم ” وكذلك العمل المسرحي الدرامي المسمى ” شعائر ميثراس ” ويضاف إلى ذلك النص البابلي المعروف بـ ” التشاؤم ” والذي عده الباحث والمؤرخ الألماني ” ا. هوفر – هلزيرج ” كأول تمثيلية مرحة في تاريخ المسرح العالمي أي ما يعادل الآن المسرحية الكوميدية .. ومع ذلك تبقى أفكار وأطروحات واجتهادات الدكتور ” كمال عيد ” في تصحيح تاريخ المسرح العالمي بحاجة إلى المزيد من الشواهد المتنوعة , والبحوث الدقيقة المتخصصة في حقول التنقيبات والمكتشفات الآثارية ودراساتها العلمية المتعلقة بهذا الشأن بعيدا ً عن الرغبات الشخصية والتوجهات الفكرية المنحازة. وكذلك يقدم( العايف) دراسة عن كتاب الناقد المسرحي الراحل ” حميد عبد المجيد مال الله ” والمعنون ” التدوير الدرامي ”
واكتفى فيه ببعض مقالاته ودراساته التي نشرها منذ تشرين الأول عام 2003 ولغاية شباط عام 2009 في اللغة , أما في المسرح فان ما يحدث في العرض المسرحي فهو ” تدوير درامي ” لثيمات سابقة , أو تدوير لسمات في نصوص المؤلف .. يذكر الناقد ” مال الله ” في مقدمة كتابه بأنه محاولة رصد مكثفة للتدوير في مسرح بالغ الأهمية هو ” مسرح الطفل ” ضمن فضائي النص والإخراج مؤكدا ً أن فن المسرح من أكثر الفنون تداولية ” للتدوير ” لأنه يحتوي على جدلية يطلق عليها ” التفاوضية ” وتلتقي بشكل ما مع ذاكرة المتلقي .. قسم الكتاب على قسمين غير متكافئين , القسم الأول احتوى على أربع عشرة مادة ضمن موضوع واحد هو : مسرح الطفل . درس فيه ” العنوان / فضاء النص / التدوير الدرامي / تدوير أسم الشخصية / اللعب / الاستعارة / التشبيهية / المسرح البيئي / القناع / خطاب اللون / المايم / الدراما الموسغنائية / التلقي / ومسرح الطفل مفتوح أو مغلق ،أما القسم الثاني فكان بعنوان : علامات مسرحية وتضمن أربعة مواضيع فقط هي ” المركبة الشبح / التغليف / المؤثرات الشمية / الهاتف ” . كما ألحق بكتابه تسع صور فوتوغرافية لعروض مسرحية متعددة من دون الإشارة إلى زمانها ومكانها وتحديد شخصياتها.. لذا لا يمكننا أن نتصور أي عمل فني إلا بصفته مظهرا ً بسيطا ً أو جزئيا ً لواقع أكبر عبر مهيمنات تؤثر في الإنسان الذي هو أهم عنصر فاعل ضمن شروط معطاة تاريخيا ً بفعل مجموعة الظروف الاجتماعية والكونية وتأثيراتها الحادة – القاسية في الإنسان ذاته ونتاجاته الفنية وقيمها الجمالية من خلال محاولات إجرائية مرهونة بالظروف الجماعية – الاجتماعية من جهة , لكون العمل المسرحي ليس نتاجا ً فرديا ً فحسب بل هو بالأساس عمل جماعي , دون التنكر للخصوصية من خلال التنقيب والبحث والتجريب ضمن رؤى ومناهج فنية – جمالية معاصرة وتاريخية كذلك ويمكن استخدامها والاستفادة منها ومن معطياتها التي لا حدود لها . ويختتم الكاتب العايف كتابه بدراسة عن كتاب الراحل ” خليل المياح ” المعنون ” استقلالية العقل أم استقالته؟! ” وضم الكتاب خمسة عشر مقالا ً متنوعا ً, وغالبية هذه المقالات محاولة لفهم جوهر المعنى الفلسفي , أي تبيان الطبيعة , تلك الطبيعة التي فصلتها الميتافيزيقيا عن الإنسان وسعت بذلك لتزييفها , واحتوى الكتاب على عدد من المقالات منها ” النظرة الاستعلائية في التاريخ وتبخيس العامة , وأكواخ الواقع وقصور الدولة ضياعا , والسلفية ومزالق التاريخ , والتماهي مع الواقع , وعلي شريعتي والإنسان ذو البعدين وهو قراءة في كتاب د . علي
شريعتي ” الإنسان والإسلام ” , ومسألة في اليقين الشعري , والدكتاتورية لن تعبر النهر مرتين , وشبح اليوتوبيا يتجول في أعماقنا فلماذا نتجاهله , وهو قراءة في كتاب ” نهاية اليوتوبيا ” لمؤلفه ” راسيل جاكوبي ” ومقالات أخرى ..وفي ختام الكتاب ثمة بحث مطول يحمل تساؤلا ً معرفيا ً عن ” هاملت وهل كان رواقيا ً”؟ , وفيه يحلل الكاتب شخصية هاملت لشكسبير , على ضوء المذهب الفلسفي الرواقي . ويرى الكاتب ” المياح ” أن ” شكسبير ” الذي لم تفارقه مخيلة أو رؤى ” بلوتارك ” ومن خلال أحداقه كان يرنو إلى الغابة البشرية ويختار وهو يجوس تلك الغابة الكثيفة ما يتناسب مع ذائقته الشعرية العظيمة , وقد تمثل ذلك ” شكسبير ” الذي كان يريد إن يحلق بنا من تخوم ” القضاء والقدر ” إلى عوالم ” الوعي والحرية ” .لاحظ” العايف” أن الكاتب ” خليل المياح ” كان واضحا ً وأمينا ًعلى مقترباته الفكرية مؤكدا ً إن ثمة حبائس معرفية وعتمات تطرقت إليها مقالاته ومقارباته الفكرية مستفيدة من رؤية ومنهج وإمكانات البحث الذي تميز به وأرساه المفكر ” محمد أركون ” وتم مزاوجتها بالرؤية المادية للتاريخ عبر منابعها الأصلية , وبالتصور السيميائي الدلالي , مع رفض كينونة اللغة بصفتها وعاء العالم الأول , لأن البدء كان للفعل الانطولوجي . في” مقاربات في الشعر والسرد”ي الشعر والسرد كل منهما محتفظا ً بروحه التي تخصّه وحده دون سواه . لم يتحدا بل بقي لكل منهما جوهره .
* منشورات مجلة ” الشرارة “- النجف-ط1 – 0132
الغلاف الفنان: هاشم تايه