18 ديسمبر، 2024 10:15 م

مقابلة صحفية مع الشهيد الخالد سلام عادل / اذار 1959

مقابلة صحفية مع الشهيد الخالد سلام عادل / اذار 1959

سياسة الحزب الشيوعي العراقي حول بعض قضايا الوضع الراهن
ان التحولات الثورية العميقة التي أخذت تطرأ في العراق منذ 14 تموز ولا سيما في الفترة الأخيرة، وما اقترن بهذه التحولات من تبدلات سريعة في جوانب شتى من حياتنا السياسية والاقتصادية، وما نشأ عنها من تصادم مع بعض المواقف والسياسات الخاطئة في الداخل، ومع الاستعمار والجهات العربية المعروفة التي ضمت جهودها الى الجهود العدوانية الرامية الى تقويض الجمهورية العراقية وإعادة السيطرة الاستعمارية للبلاد، فان بعض جوانب الوضع السياسي العام، قد أخذت تبدو بالنسبة للبعض غامضة أو معقدة. وهذا ما انعكس في بعض الرسائل والمعالجات التي ترد الى جريدة ” اتحاد الشعب ” من المواطنين. وبالرغم من ان حزبنا قد أرشد دوما الى الطريق الصحيح، وحدد موقفه من الأحداث الجارية، وبالرغم من السياسة الواضحة التي ترسمها مقالات ” اتحاد الشعب “، إلا أن انعكاسات الاحداث وتطورها السريع، والمفعول السلبي لأضاليل الدعاية المعادية قد أخد أثره في اضفاء شيء من الغموض على بعض المسائل، أو جعل الاستيعاب الواعي لبعض جوانب الوضع السياسي أكثر صعوبة .
وقد وجدت هيئة تحرير ” اتحاد الشعب “، من أجل إجلاء بعض الجوانب الاساسية في الوضع السياسي، وإعادة توضيحها، أمرا ضروريا لتثقيف الجماهير مرة اخرى بحقيقة الوضع وما طرأ عليه من تطورات .
ولذلك، انتدبت هيئة  التحرير الاستاذ ( عزيز الحاج ) ليقوم بتوجيه الأسئلة التالية الى الرفيق ( سلام عادل ) سكرتير اللجنة المركزية .
وقد نشرت جريدة ” اتحاد الشعب “، الغراء نص الأسئلة والأجوبة التالية :
المخطط العام للمؤامرات ضد العراق
السؤال الأول : من المعلوم ان مؤامرة الخائن الشواف كانت حلقة من سلسلة المؤامرات الاستعمارية التي حيكت ولسوف تحاك ضد جمهوريتنا، فما هو ـ في رأيكم ـ المخطط العام لتلك المؤامرات ؟
الجواب : اذا استعرضنا الأحداث الماضية منذ 14 تموز الخالد، نرى ان خطة المستعمرين كانت تعتمد في البدء على محاولة تدخل أنكلوأمريكي مكشوف لإسقاط الحكم الجمهوري الوطني في العراق. وقد فشلت تلك المحاولات لأن ثورة 14 تموز جاءت محكمة خاطفة ساحقة رؤوس النظام البائد، وحازت مساندة ومشاركة أوسع جماهير الشعب منذ لحظاتها الاولى، وكان العامل المساعد الحاسم في احباط تلك المحاولات هو الموقف الحازم الصلب الذي وقفه صديق شعبنا العراقي والامة العربية الاتحاد السوفياتي وانذاره للمستعمرين، ومساندة سائر قوى الحرية والسلم في العالم .
وعلى أثر فشل خطة التدخل الخارجي، اتجه الاستعمار الى العمل من الداخل. ولذا فان القوى الرجعية الداخلية دأبت على عرقلة سير الثورة الذي يستلزم تعبئة الشعب وتنظيمه وتسليحه، وتطهير أجهزة الدولة ( المدنية والعسكرية … )، بغية الحفاظ على مواقعها فيها، وعملت على تجميع قواها وتنظيم صفوفها، هي نفسها، تمهيدا للقيام بعمل تآمري موحد يستند على الضغط الخارجي والتهديد الاستعماري، السياسي والعسكري، ولكن سياسة القوى الوطنية التي استهدفت تعبئة الشعب وتطهير أجهزة الدولة ومنع الرجعية من تنظيم نفسها، والمحافظة على يقظة الشعب والجيش، والمواقف الصائبة لسيادة الزعيم عبد الكريم قاسم، كل ذلك أحبط سلسلة من المؤامرات، دلت الوقائع بوضوح على انها كانت بتدبير ومشاركة الامريكان وسائر المستعمرين وعملائهم وأيتام العهد البائد والاقطاعيين وبعض الأوساط الرجعية العربية، وبوجه خاص بعض حكام العربية المتحدة، فضلا عن الارتباطات الصهيونية بهذه الشبكات التآمرية، تلك التي وضعت عليها اليد في حينه، وكشفت عنها مؤخرا جلسات محكمة الشعب .
إن تطور الأحداث، على هذا الشكل، أدى بأعداء الجمهورية مرة أخرى الى إعداد خطط التدخل السافر والعدوان الخارجي على اسس جديدة من التعاون الأوثق بين كل القوى المعادية للجمهورية العراقية ولسياستها التحررية الديمقراطية، وإعطاء التآمر والعدوان صفة نزاع ” عربي داخلي ” أو ” محلي أقليمي ” على خلاف محاولات التدخل الاستعماري الأنكلوأمريكي المكشوف التي حدثت غداة 14 تموز. وكان أعداء الجمهورية يأملون من هذا الاتجاه الجديد ـ الاتجاه الاستعماري (( المستعرب )) ـ أن يؤدي أولا : الى شق الصفوف الوطنية داخل العراق. وثانيا : الى التمويه على الشعوب العربية وعلى القوى ” المحايدة “. ثالثا : كما كانوا يأملون انهم بذلك يستطيعون ان يخلقوا ظروفا متلابسة تؤدي الى إحراج الدول الصديقة وخاصة الاتحاد السوفياتي، ولوضع العقبات في طريق إبداء معونتها الحازمة للحفاظ على استقلال الجمهورية العراقية عندما تقتضي الضرورة مثل هذا العون .
ومن السهل أن يربط المرء بين نشاطات حلف بغداد العدواني ( في دورتي كراجي وأنقرة )، والتحشيدات العسكرية على الحدود الايرانية والتركية وحركة الاساطيل الأمريكية والانكليزية وزيارات راونتري وغيره، والمعاهدات الثنائية الامريكية، بين هذا كله من جهة، ومن الجهة الاخرى النشاط المحموم الذي جاء على شكل حملة صليبية من قبل بعض حكام الجمهورية العربية المتحدة ضد العراق وضد الشيوعية وضد الاتحاد السوفياتي .
ولقد كانت مؤامرة الشواف حصيلة لهذا المخطط. وتدل المعلومات الكثيرة المتوفرة ـ قبل وبعد حوادث التمرد ـ ان المؤامرة كانت واسعة وتمتد خيوطها ومجال تنفيذها الى مناطق اخرى غير الموصل. ولكن بفضل يقظة القوى الوطنية وتأهبها واتحادها تحت زعامة ابن الشعب عبد الكريم قاسم تم عزل المؤامرة واجهاضها واحباطها. وخرجت الجمهورية وهي أشد مراسا وأقوى ساعدا في مقارعة المستعمرين والمعتدين .
ولا شك ان محاولات التخريب والتآمر الاستعماري والعدوان ستستمر ما دامت جمهوريتنا تواصل السير في نهجها الوطني المستقل، وما دامت تعتمد على اطلاق قوى الشعب الخلاقة. وكما كان في الماضي، فان وعي الشعب ويقظته وتضامنه التام مع الجيش والحكومة، والتدابير الحازمة السريعة، كل ذلك سيؤدي دون شك الى تخطي العقبات مهما كانت والخروج منها برأس مرفوع وقدم ثابتة لا تتزعزع في طريق الحرية والتقدم والرفاه .
التنكر لأهداف جبهة الاتحاد الوطني يخدم الاستعمار ويستحق غضب الشعب والجمهورية
السؤال الثاني : كشفت مؤامرة الشواف الأخيرة عن ان بعض العناصر المنضوية تحت لواء جبهة الاتحاد الوطني، قد اشتركت بالمؤامرة، فما هو الموقف من هذه العناصر ؟
الجواب : ان هذه المسألة تمتد جذورها الى الأيام الاولى لثورة 14 تموز. فقد ظهر بجلاء منذ تلك الايام ان بعض القوى، كانت سائرة في طريق تجاهل أهداف جبهة الاتحاد الوطني والتنكر لها ولمستلزمات التعاون مع القوى المؤتلفة فيها. فقد حاول البعثيون مثلا الاستئثار بالحكم وتوجيهه وجهة حزبية ضيقة والاستئثار بالحريات العامة وتضيقها على القوى الاخرى. وذلك بغية حرف اتجاه الثورة وعرقلة مسيرتها في الاعتماد على أوسع الجماهير وضمان مصالحها. ونظرا لعمق وسعة الوعي الشعبي الوطني الذي كشفت عنه ثورة 14  تموز. وقوة الحركة الديمقراطية، فانهم قدروا ان الاستعجال في ضم العراق للجمهورية العربية المتحدة يمكن ان يحقق لهم اغراضهم تلك. وعملوا بنشاط مفتعل محموم وفق هذا الاتجاه جاذبين حولهم، لا العناصر القومية اليمينية وحسب، بل ايضا مختلف فئات الر جعيين الذين نظروا بهلع الى مستقبل تطور الثورة في طريقها الوطني الديمقراطي .
وليس ببعيدة عن الذاكرة الفعاليات والظواهر الرجعية التي مارسها وشجعها المرتد عبد السلام عارف ومن ورائه عملاء العهد البائد والاقطاعيون وغيرهم. ولما عجزوا عن تحقيق أهدافهم بأساليب العمل السياسي الصحيحة في ظل حكم ديموقراطي وعجزوا عن كسب تأييد الجماهير لآرائهم وشعاراتهم ـ برغم ان كل الامكانيات كانت متوفرة لهم، أكثر من توفرها لغيرهم ـ انزلقوا شيئا فشيئا في طريق التآمر والعنف لتحقيق أغراضهم رغم ارادة الشعب ومن خلف ظهر جبهة الاتحاد الوطني وقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم. وكان من نتيجة ذلك انهم كلما أوغلوا في السير في هذا السبيل، انعزلوا عن الشعب أكثر فأكثر، وانحدروا الى درك العداء الصريح للجمهورية وخيانتها .
اما بالنسبة لنا،  نحن الشيوعيين، فقد أكدنا منذ فجر 14 تموز على ضرورة تنشيط جبهة الاتحاد الوطني وتعزيز وحدة القوى الوطنية على أساس صيانة الجمهورية والسير بها قدما في طريق أهداف الثورة، وعملنا بكل ما كان في وسعنا لتعزيز هذه الوحدة برغم نظرة التمييز التي كنا ضحيتها، ونبهنا الى الاخطار الناجمة من السياسات والمواقف الانقسامية وأكدنا على ضرورة تآخي كل القوى المعادية للاستعمار والاقطاع استنادا الى ضمان تكافؤ الفرص أمام كل القوى الوطنية فيما يتعلق بحقها في التمتع بالحريات والمشاركة في مسؤولية الحكم، وكنا ولا نزال ـ نبني رأينا هذا لا على أساس المغانم الحزبية الضيقة أو غير المشروعة، بل بالضبط على أساس وعينا العميق لمستلزمات وحدة الصفوف الوطنية ومن أجل صيانة الجمهورية ضد جبهة أعدائها المتربصين. وبالرغم من تنكر هذه العناصر لميثاق جبهة الاتحاد الوطني وتجاهلها لهذه الاسس السليمة لوحدة الصفوف، فاننا واصلنا بثبات وأمانة مهمة الشرف في الحفاظ على وحدة الصفوف ومساندة الجمهورية ولف الجماهير حول زعامة عبد الكريم قاسم. ووضعنا كل امكانياتنا وطاقاتنا في هذا السبيل السليم. واليوم إذ تمر أكثر من ثمانية أشهر على ثورتنا الخالدة، يمكن لكل منصف مخلص أن يستعيد في ذاكرته الأحداث ليستخلص حقيقة اننا حافظنا بثبات على العهد الذي قطعناه حينئذ ولم ننحرف عنه قيد شعرة، رغم الظروف المعقدة والأعاصير المتبدلة الاتجاه. وأكثر من ذلك، اننا كنا نحذر تلك العناصر بالذات من مغبة الانزلاق في طريق التآمر ومعاداة الجمهورية، وننصحها بضرورة التمسك بالأساليب الديمقراطية السليمة في الدعاية لشعاراتها، وبأن الشعب العراقي الذي يتمتع بتجربة سياسية زاخرة ستكون له الكلمة الأخيرة في اختيار أو نبذ هذا الشعار أو ذاك، وقلنا، آنئذ لتلك العناصر بصراحة بانها امام مفترق طريق، امام منزلق خطر قد يؤدي بها الى أن تتحول من قوى سياسية وطنية الى عصابات استفزازية لن يكون نشاطها نافعا لغير الاستعمار وعملاء الاستعمار. ومع الأسف، فان عددا كبيرا من تلك العناصر انساق وراء توجهات المغامرة الصادرة من وراء الحدود من جهات لم تقدر مسؤوليتها ولم تبد الحرص اللازم على سمعتها الوطنية والقومية وانساقت وراء دوافعها الضيقة وخضعت لخداع المستعمرين وأضاليلهم. أقول مع الأسف ان تلك العناصر اندفعت أكثر فأكثر في طريق التآمر والتخريب والعداء للجمهورية، وبذلك وضعت نفسها بنفسها خارج القوى الوطنية المخلصة، واستحقت غضب الشعب والجمهورية .
وبالطبع ينبغي أن لا يعني ذلك ان جميع المنتمين الى حزب البعث والاستقلال أو سواهم من الافراد الذين يصطلح على تسميتهم بـ (( القوميين ))، قد انزلقوا الى طريق التآمر والعداء للجمهورية. فهنالك دون شك عدد من العناصر وخصوصا من الشباب الذين عملوا مع هذه الجماعات بدوافع الاخلاص التام للشعب والامة العربية. منهم من كان لديه الوعي الكافي فلم ينسق او يتلوث بأساليب التآمر والتخريب، ومنهم من سار شوطا او ساهم الى حد ما في هذه الاساليب، ولكنه تنبه الى مخاطر هذا السبيل المعادي للجمهورية والضار بالتضامن العربي والقومية العربية، فأظهر استعداده المخلص للتراجع وتصحيح موقفه .
وعلى هذا لا ينبغي ألا ينظر الى جميع القوميين والمدعين بـ (( القومية ))، نظرة واحدة، وأن يفسح المجال في صفوف القوى الوطنية. لاولئك الذين يستطيعون أن يبرهنوا عمليا للجماهير على إخلاصهم لنظامنا الجمهوري المتجاوب مع قضيتنا القومية على أساس تحرري ديموقراطي سليم وشجبهم كل متآمر على هذا النظام. هؤلاء الاخوان مدعوون من جانبهم الى مساعدة الجمهورية في فعالياتها لكشف المتآمرين والمتربصين ومحاربتهم وإنزال العقاب الصارم والعادل بهم. كما ان الجماهير مدعوة لمساعدتهم وجذبهم ثانية الى صفوفها. إذ ليس في صالح الجمهورية التفريط باولئك الصادقين في اخلاصهم، ومعاملتهم كغيرهم من المتآمرين والمخربين .
إعادة النظر في بناء الجبهة واسلوب عملها، وتطوير برنامجها على أساس السياسة الوطنية الديمقراطية التي عبرت عنها جماهير الشعب
السؤال الثالث : كيف يمكن ـ في رأيكم ـ تنشيط جبهة الاتحاد الوطني وزيادة فعاليتها الى مستوى ما يتطلبه الوضع الراهن ؟
الجواب : ان حزبنا انتهج على الدوام وبثبات سياسة الجبهة الوطنية. وان الشعب العراقي، نتيجة لتجربته الطويلة في الكفاح الوطني، قد أدرك جيدا أهمية وحدة القوى الوطنية في النضال ضد الاستعمار .
وكانت كل الأحزاب والقوى الوطنية مقتنعة، قبل ثورة 14 تموز، بأنه ليس باستطاعة أي حزب بمفرده أو أية جهة وطنية أن تأخذ على عاتقها مهمة تحرير البلاد وتحقيق الاستقلال الوطني. وغداة 14 تموز، عندما أصبحت الحلقة المركزية في النضال الوطني، هي صيانة الجمهورية، أعلن حزبنا بصراحة ان هذه المهمة هي الاخرى، لا يمكن تحقيقها بجهود حزب معين او قوة معينة. وان السبيل الوحيد لصيانة الجمهورية واستقلالها الوطني هو سبيل تظافر جهود كل الاحزاب والقوى الوطنية. وقد استرشد حزبنا بأمانة تامة وتمسك بقوة بهذه السياسة الوطنية. ورغم التطورات التي حدثت منذ 14 تموز حتى الآن، فان هذا الاستنتاج ما يزال صائبا كل الصواب. ومن الواجب ان يتم الاقرار بصوابه والعمل بموجبه من جانب كل الاطراف وكل القوى الوطنية من الشعب والجيش على السواء .
ان جبهة الاتحاد الوطني مدعوة الآن الى اعادة نظر جدية في بنائها واسلوب عملها. فقد كانت جبهة الاتحاد الوطني ـ كما هو معلوم ـ قد تأسست في ظروف استعمارية قمعية بغيضة وانتهجت سبيل العمل السري الضيق. واكتفت بارتباطات ممثلي القوى الوطنية من الأعلى دون أن يكون لها مجال التعبئة الشعبية الحقة. كما لم يتوفر لها مجال الاعتماد على المنظمات الجماهيرية التي كانت هي الاخرى تجابه ظروف القمع والتضييق .
ولكن الأوضاع الراهنة تختلف اختلافا جوهريا ـ وخصوصا بعد الانسحاب من حلف بغداد ـ في ظل جمهورية وطنية تعتمد على تنظيم الشعب وارادته الى حد بعيد. وهذا يستوجب ان تجري إعادة النظر في بناء الجبهة واسلوب عملها، على أساس الظروف والامكانيات الجديدة وان تطور برنامجها على أساس السياسة الوطنية الديمقراطية التي عبرت عنها الغالبية الساحقة من جماهير الشعب والتي تحدد المعالم العامة لسياسة جمهوريتنا البطلة تحت زعامة ابن الشعب عبد الكريم قاسم .
القضاء على الاقطاع وتشجيع الصناعة الوطنية والرأسمال الوطني مع تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول المعسكر الاشتراكي
السؤال الرابع : لقد أكدتم في  اجوبتكم، على سياسة الجبهة الوطنية، فكيف ينبغي في رأيكم انعكاسها في السياسة الاقتصادية للبلاد ؟
الجواب : تحاول بعض  الأوساط الرجعية والمغرضة نشر الأكاذيب حول سياسة حزبنا في الظروف الراهنة فتدعي بانها تقف ضد نشاط الرأسمالية الوطنية، او اننا ندعوا الآن لتطبيق الاشتراكية وغيرها من الأراجيف التي يستهدفون منها شق وحدة الشعب بكافة طبقاته الوطنية، وبالتالي شق القوى الوطنية مما لا ينتفع منه سوى الاستعمار وأعداء الجمهورية. وواضح ان هذه المحاولات حاق بها الفشل التام، ذلك لأن المواطنين العراقيين مطلعون تماما على سياسة حزبنا ونشاطه فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية للبلاد. فقد أكد الاجتماع الموسع للجنة المركزية لحزبنا المنعقد في أوائل ايلول 1958 المطاليب الاقتصادية التالية :
(( اتخاذ التدابير اللازمة لحماية اقتصادنا الوطني والاهتمام بمشاكل الجماهير المعاشية، تحرير تجارتنا من الكتلة الاسترلينية، تعزيز العملة العراقي، فرض رقابة صارمة على شركات النفط وسائر الشركات والبنوك الاستعمارية وحماية شعبنا من نهبها، تشجيع الصناعة الوطنية والرأسمال الوطني، القضاء على اسلوب الاستغلال شبه الاقطاعي في الريف، مصادرة أراضي الخونة من الاقطاعيين وكبار الملاكين الذين ثبت أو سيثبت تعاونهم مع الاستعمار وتآمرهم على البلاد وتوزيعها هي مع الاراضي الاميرية الصرفة أو المنهوبة لحساب الاقطاعيين وعملاء الاستعمار على الفلاحين، وتحديد ملكية الارض تحديدا يضمن مصالح الفلاحين وصغار الملاكين، اتخاذ التدابير لحماية طبقتنا العاملة من البطالة ولرفع اجورها وتحسين ظروف عملها ومعيشتها، الغاء الضرائب غير العادلة )).
كما اكدنا على : (( ضرورة تعزيز علاقتنا الاقتصادية مع الاتحاد السوفياتي والصين وسائر اقطار معسكر الاشتراكية التي أثبتت صداقتها لشعبنا ونزاهتها في التعاون مع الاقطار الراغبة في ذلك )).
هذه هي الخطوط العامة التي طالبنا بها وعملنا من اجلها في الحقل الاقتصادي. وواضح ان حكومة الجمهورية قد خطت خطوات كبرى موفقة في هذا الشأن وعلى الأخص فيما يتعلق بالاصلاح الزراعي والقضاء على الاقطاع وكذلك الاتفاقية الاقتصادية مع الاتحاد السوفياتي، التي ستفتح امام البلاد مجالا واسعا للتطور الصناعي والتكتيكي، والاتفاقيات الاقتصادية الاخرى التي حررت تجارتنا الخارجية من التبعية الاستعمارية وفتحت امامها أسواقا جديدة لمنتجاتنا المحلية .
ان ما يجابه بلادنا الآن في الميدان الاقتصادي هو تعزيز هذه السياسة والمضي في تنفيذها بأقصى سرعة ممكنة لكي تعطي ثمارها لسائر طبقات الشعب .
ومن الممكن هنا الاشارة الى بعض القضايا التي تستوجب الاهتمام. فبالنسبة لقانون الاصلاح الزراعي يحاول بعض الاقطاعيين والملاكين الكبار مقاومة تنفيذه على الوجه المطلوب والممكن، وذلك بسبل مختلفة في الضغط والمناور وحتى تخريب الانتاج. ان الحل لا يكمن بالطبع في الرضوخ لضغطهم حتى ولا لشعرة واحدة، فان مثل هذا الرضوخ سيؤدي الى مضاعفة العراقيل امام الجمهورية، بل يكمن بالضغط في التنفيذ الحازم لقانون الاصلاح الزراعي الذي هو ثاني أهم انجازات الثورة بعد التخلص من ميثاق بغداد. ومتى ما استلم الفلاحون ارضهم فان امكانيات الاقطاعيين في الضغط والتهديد والتخريب ستتضاءل الى حد كبير مما يساعد على تطوير الانتاج الزراعي لصالح البلاد. ولدينا مثال ـ العمارة ـ خير مثال يحتذى في هذا السبيل، ويؤكد بدوره صواب وجهة نظرنا .
كما ينبغي الاشارة الى ضرورة الاسراع في تشريع قانون العمل والضمان الاجتماعي الجديد، ومراقبة تنفيذه لصيانة الحقوق المادية للطبقة العاملة، هذه الحقوق التي انتهكت سنوات طويلة. واتخاذ التدابير المدروسة للقضاء على البطالة. ان بعض المؤسسات تحاول استغلال وطنية الطبقة العاملة وحرصها على عدم خلق المتاعب للجمهورية في هذه الظروف الدقيقة، فتفرض على العمال شروطا قاسية للعمل، هذه المسألة ينبغي ان تنال اهتماما جديا من السلطات المسؤولة .
ومن الضروري الاسراع في تنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية مع الاتحاد السوفياتي وسائر الاتفاقيات التجارية التي عقدت في عهد الثورة، واتخاذ تدابير جديدة لتشجيع الرأسمال الوطني الفردي في التوجه نحو المساهمة في تصنيع البلاد .
هذه ـ بصورة عابرة ـ المطاليب الاقتصادية التي ينبغي على اساسها يمكن توحيد كل طبقات الشعب الوطنية في نضالها لصيانة الجمهورية والدفاع عنها. وواضح انها مطاليب تكمن في ثناياها مصلحة كل هذه الطبقات الوطنية، ومصلحة تقدم البلاد وتطورها نحو مستقبل افضل، وانها ليست مطاليب اشتراكية بأي حال .
ثورتنا الوطنية جزء من الثورة الوطنية الديمقراطية العربية
السؤال الخامس : أخيرا، ما هي سياسة الحزب فيما يتعلق بمستقبل علاقات العراق بالبلدان العربية الشقيقة ؟ وهل طرأ عليها أي تبدل بعدما انكشف الى هذه الدرجة الموقف العدائي لبعض حكام الجمهورية العربية المتحدة من الجمهورية العراقية ؟
الجواب : ان سياستنا العربية تنهض على اساس ان العراق جزء لا يتجزأ من البلدان العربية، وان ثورتنا الوطنية الديمقراطية في العراق هي جزء من الثورة الوطنية الديمقراطية العربية. وأن الامة العربية التي تربطها الآن وحدة الكفاح ضد الاستعمار واعوان الاستعمار وضد الرجعية، هي الآن في سبيل صنع مستقبلها الموحد ايضا، الذي سيبني كيانا متحررا ديمقراطيا متحدا. وكل ما سبق ان ذكرناه بهذا الخصوص هو الذي يرشد حزبنا في الظرف الراهن وفي المستقبل ايضا. فهذه مسألة تاريخية موضوعية حتمية. غير متعلقة بالأوضاع الطارئة وبأراده هذا الشخص أو ذاك ممن ينحدرون الى الوقوف بوجه عجلة التاريخ .
وسبق ان اعلنا مرارا بان الطريق لتحقيق اهداف الامة العربية في الوحدة المنشودة، سيأخذ سبلا متباينة، ويجري وفق خطوات مختلفة، المهم فيها، انها ستعزز حركة التحرر الوطني العربية، وتخطو بها نحو وحدة ديمقراطية سليمة. وعلى هذا الاساس طرحنا غداة ثورة تموز الخالدة شعار الانضمام الى اتحاد الدول العربية جنبا الى جنب مع الجمهورية العربية المتحدة واليمن على أساس فدرالي. وكان هذا الشعار تقدميا يخدم قضية الامة العربية، لأنه كان في ذلك الحين يقوم على أساس تضامن نسبي قائم فعلا بين هذه البلدان الشقيقة. ولكن الاحداث في الاشهر الاخيرة وبوجه خاص اصرار بعض حكام الجمهورية العربية المتحدة على التآمر ضد العراق المتحرر وتوافق جهودهم مع جهود الاستعمار في هذا الِشأن وقيامهم بدور المنفذ لارادته. وكذلك تشديدهم في سياستهم الرجعية الداخلية ضد الشعب السوري على وجه أخص، كل ذلك قد حطم امكانيات التقارب في هذا الظرف، وأبعد الى الوراء كثيرا شعار الاتحاد .
فعندما يقف باصرار بعض حكام الجمهورية العربية المتحدة موقف العداء الصريح من الجمهورية العراقية، يصبح من البديهي، ان السياسة التقدمية بالنسبة للتضامن العربي هي سياسة النضال ضد مواقف هؤلاء الحكام المعادية ومن أجل تحقيق العلاقات الودية والتضامن الحقيقي بين الجمهوريتين. وهذا الهدف النبيل يتوقف دون شك أولا وقبل كل شيء على نضال شعب الجمهورية العربية ذاته في سورية ومصر. وعندما يتحقق يصبح مقبولا تماما العمل من اجل خطوات اخرى صلدة لتعزيز علاقة وروابط شعبي الجمهوريتين على أسس تحررية ديمقراطية سليمة، لصالح الامة العربية جمعاء .