15 نوفمبر، 2024 12:46 م
Search
Close this search box.

مقابر التقاعد الجماعية

مقابر التقاعد الجماعية

أتعس ما نمر به اليوم هو شعورنا إننا موتى ونحن إحياء وسط أوطاننا, وشعورنا بالخذلان بين أهلنا وذوينا, أما كيف نكون ميتين في وطن ؟ وكيف يعيش الإنسان مخذولا محطما في بلده ؟, فتلك مسألة لا يفهمها, ولا يحس بها إلا الذين أحيلوا الى التقاعد وهم في أوج عطائهم وحيويتهم وبالتأكيد هم أتعس التعساء في أوطانهم وكأن البؤس والإحباط والخذلان نصيبهم من وطن يقتل شبابه ويحيلهم إلى شيوخ ومقعدين وعاطلين .

كانت صدمة كبيرة عندما شاهدت ابو احمد منفردا كئيبا حزينا متجولا في سوق قريب , بدا لي حذرا منطويا, يتحاشى نظراتي واستغرابي , واثأر فضولي وهو يسألني عن مقهى يقضي به سويعات المساء كمتسكع, على الرغم من انه كان مهندسا مبدعا ورئيسا لأكبر الأقسام الهندسية في إحدى الشركات الإنتاجية .

وقف في زمن الازدهار والتألق في طليعة المهندسين الرواد, الذين أسهموا إسهاما ملموساً في بناء صروح القواعد الوطنية الإنتاجية, لكنه غادر موقعه الرفيع, بعد إحالته إلى التقاعد قسرا. . أبو احمد نموذج من إبطال الصناعة العراقية ومعظمهم ، من صنف نادر ،بل منعدم هذه الأيام ، من المتحلين بالشرف والمبدأ والنزاهة ، معظمهم ممن كان يعتلي صهوة الإبداع والإنتاج في معاملنا الإنتاجية التي كانت سوحا لبذلهم وعر قهم توجت بمفاخر صناعتنا والتي كانت تزين كل بيت عراقي ، قبل إن يطلق الرصاص نظام البعث المقبور على نفس الصناعة الزكية ويقرض جرذي العوجه حبال سفينتها ويمزق شراعها ويتيه رجالها اليوم مفترشين أرائك المقاهي وقد ارتسمت على محياهم ملامح الذل ، وعيونهم ، أطفأت بريقها مرارة الزمن وخيبات الأمل ، البعض منهم لايزال يختزن الأمل بان يعود زهوهم كبناة ومنتجين ولا يزال ممسكا بشيء مما تبقى من كبرياء وكأنه قابض على جمرة من نار ، كبرياء حطمتها الايام ، ونزق السياسيين وغبائهم وإهمالهم وسلسلة طويلة من الوعود الكاذبة بتحسين حال ألصناعه الوطنية وشعارات مضحكة مبكية لنفخ الروح فيها وأيقاضها من رقادها المحتوم ، وكلما علا صوت الشرفاء لنجدتها جاء بلد وزر العقول الظلامية فيرسل الآلاف من رجالها الى مقابر التقاعد الجماعية.

ألا يفكر القادة والسياسيون بصيغة تعيد البسمة إلى وجوه هؤلاء والكرامة إلى نفوسهم المجروحة من ظلم ساستهم، ليشعروا بشيء من القيمة الإنسانية ، الا يفكرون بأسلوب يخفف عنهم المعانات التي إحالتهم الى ربات بيوت

ورواد مقاهي ومتسكعي حدائق ووطنهم بأمس الحاجة إلى جهودهم وعطائهم ونحن نشهد التغيير والبناء والأعمار .

أين العقول الاقتصادية الراجحة وأين ذو الرأي والبصيرة لخروج ألصناعه العراقية من قممها قبل إن تتحول مكائنها إلى خردة وبناها إلى خرائب وتجعل منتسبيها بمستوى صناعيي العالم الثالث على الأقل . بدلا من إن يكون ضرة لزوجاتهم . .ورفات في مقابر التقاعد الجماعية

أحدث المقالات

أحدث المقالات