المفوضية العليا المستقلة للانتخابات واحدة من رموز الشعب العتيدة التي بانتماءها الوطني الأصيل البعيد عن المناكفات السياسية والقومية والطائفية ، وعن الضغوط والمزايدات والمراهنات الحزبية تحفظ مستقبل الوطن ومستقبل شعبه وصورته الراسخة في أذهان البشر على سطح البسيطة .
الهيئات المستقلة لا ترتبط بأي حكومة لا الحاضرة ولا اللاحقة وهي ليست حصة لفرد أو حزب أو قومية أو مذهب أو عرق ولا تأتمر بأوامر أي مسؤول أوفئة أو هوى أو رغبة ، بل إن منهجها النص القانوني الذي أنشئت وفقه والدستور والقوانين والأنظمة الحالية السائدة المعتمدة التي تحميها وتيسر عملها في البلد ، إذ ما علمنا إن المشرع يسعى عند سن قوانين أي هيئة أن تنأى عن التقاطع مع أي نص قانوني آخر أو تشريع سابق ، لتتمكن من النهوض بمهامها المرسومة وتؤدي دورها بعيدا عن التأويلات والتفسيرات ذات الأوجه المتعددة والإشكالات القانونية والفقهية التي تعرقل أدائها فيتأثر ويتلكأ فعلها وتصبح مادة للصراعات السياسية والطائفية والدينية والقومية ، ولعل الكثير منها اليوم تشتكي من بعض التدخلات والضغوطات والإملاءات والرغبات التي إذ ما أذعنت لها ستكون ريشة تتقاذفها رياح المطامع والمخططات المتعطشة للاستحواذ والسيطرة والإنفراد والسيادة على المؤسسات عامة والمستقلة خاصةً.
والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات من أكثر هذه الهيئات أهمية لأنها الركيزة الأساسية واللبنة الأولى للعملية الديمقراطية وهي التي ترسم شكل الحكومة القادمة ، لأن من شأن أدائها أن يذهب بمستقبل الوطن إلى أي اتجاه تريد في الجانب المشرق أو الآخر (لا سمح الله) .
العراق اليوم وهو يعد تنازليا لأيام تجري سريعا باتجاه الانتخابات النيابية يحدو المواطن الأمل الكبير بالاستقرار والأمان والرفاهية رغم إدراكه بلا شك إن البلاد يمر بمنعطف خطير ومعقد وشائك وسط عمليات شد وجذب وحرب إعلامية ضروس تطال جميع الشركاء في العملية السياسية على حد سواء ، ووسط استيلاء غير منطقي لبعض أطرافها على الكثير من أدوات التأثير الحاسمة .
وهي أمام تحد كبير في أن تؤدي دورها الحقيقي وتؤشر ريادتها في المنطقة كواحدة من عوامل نجاح الديمقراطية ومرساتها الآمنة وتحقيق طموحات المواطن في وصول كفاءات وطنية قديرة وشخصيات حريصة وأطروحات عملية حقيقية وعلمية جادة تنقل الوطن إلى المكانة التي يستحقها بين أقرانه من دول العالم وتغدق على المواطن العراقي من بركات مزن الخير والبركة وتحقق صورة الدولة المؤسساتية النزيهة المتحضرة الفاعلة .
جاءت إستقالة مجلس المفوضين والتي إنتهت بحمد الله لتقول إن الضغوطات التي تأتي من هذا الطرف أو ذاك كبيرة ولتؤشر إن أمامه حقا مسؤوليات جسيمة تتمثل في تحجيم كل الانحرافات التي نسمع عن خطوطها العريضة والتي تسعى لمصادرة إرادة المواطن وحقه في اختيار ممثليه ممن يتوسم فيهم مزايا الخير والعطاء والنقاء والقدرة ، وأجزم إن لا دخان من غير نار حيث يتناهى إلى الأسماع عمليات محمومة لشراء بطاقة الناخب وبثمن بخس من المواطن البسيط الذي يتقاتل مع القدر لتأمين رزق يومه ، وهناك من يقول إن بإمكان المزورممن يعطي بصمة يده أن يستخدم كل أصابعه في تأشير بطاقات بعددها دون أن تتكرر ، ولا أدري هل إن هذا يمكن أن يحصل ، فإن كان ممكناً فنحن إذا أمام طامة كبرى تجعل من فكرة وجود البطاقة السحرية غير ذات جدوى أو نفع في دفع الضرر وتحقيق العدالة ، وليس بعيد حملات الكذب والألعاب البهلوانية الحقيرة في محاولة شراء ذمة المواطن الغالية بهدية بسيطة لاتساوي الا قيمة مانحها .
أيها المتهافتون على المناصب من سيئ النية والمقاصد إتقوا الله في كرامة المواطن وإتقوا الله في محاولة إستغفال التأريخ لأن ما تحكمون سريته اليوم سيكون فضيحة في الغد وسيلعنكم الجيل القادم ويؤشر على صفحتكم بإطار أسود من العار .