بمجرد وضع مجلس مفوضية الانتخابات العراقية يوم امس استقالته الخجولة ، وهي حركة مسرحية اكثرمما هي حقيقية ، امام رئيس مجلس المفوضين الذي يبدو انه لم يستقيل ( ؟) ، فأن ملامح الخلافات داخل هذا المجلس الذي اتى الى هذا الموقع عن طريق المحاصصة الحزبية والطائفية البغيظة باتت واضحة اذ من المعروف ان قسما من المفوضين يؤيدون ما ذهبت اليه الهيئة القضائية والقسم الاخر يؤيدون ما ذهبت اليه اللجنة القانونية في مجلس النواب .
والحقيقة ان هذه الاستقالة ،التي يتصبب العرق من جبين اعضاء المجلس خوفا من قبولها ، لم تقدم وفقا للسياقات القانونية والادارية المعمول بها في اجهزة الدولة وكان المفترض، ان كانت حقيقية ، ان تقدم الى رئاسة مجلس النواب وهو المسؤول قانونا عن المفوضية كما يفترض ان يكون تقديم الاستقالة من قبل رئيس واعضاء المجلس وليس استقالة الاعضاء والرئيس باق “واعمار الطغاة قصار” .. ان هذه الحركة لاتعني سوى الحفاظ على خط الرجعة وعدم الجدية في هذه الخطوة .
وقبل ان نسرد بعض تفاصيل الجانب المبهم من بيان الاستقالة نشير الى ان كاكه سربست مصطفى رشيد رئيس المفوضية رشح من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني اما رئيس الادارة الانتخابية وهو الرجل القوي الذي يطلق عليه في المفوضية لقب ” رئيس الوزراء المصغر ” مقداد الشريفي فهو مرشح حزب الدعوة الاسلامية – جناح المالكي وكان يعمل سابقا في مكتبه ومقرب جدا من النائبة حنان الفتلاوي ، اما بقية اعضاء المجلس فقد تم تقاسمهم من احزاب الفضيلة والتيار الصدري والمجلس الاعلى والقائمة العراقية والاتحاد التركماني .
بهذا التقسيم وعدم وجود استقلالية لأعضاء المفوضية لا يمكن لعاقل ان يصدق ان السيد مقداد الشريفي الذي ملء المفوضية بموظفين تابعين لأئتلاف دولة القانون يمكن ان يوافق على تفسير اللجنة القانونية لمجلس النواب الذي يقال ان السيد اسامة النجيفي يسيرها ، كما لا يمكن لممثل العراقية والتيار الصدري ان يوافقا على تفسير الهيئة القضائية المدعومة من قبل مدحت المحمود وبأشارة من السيد نوري المالكي رئيس الوزراء .
.
في مقابلة اجرتها قناة الحرة عراق يوم امس مع الناطق الاعلامي للمفوضية صفاء الموسوي حول هذا الموضوع كرر متلعثما ما ورد في البيان الصحفي وقال ان هناك الضغوطات يتعرض لها المجلس، ثم اكد مرة اخرى ، وكأن هناك شكوكا حول حيادية المجلس ، بانه ، اي المجلس ، اقسم على العمل بنزاهة وحيادية والالتزام بمباديء الدستور والقوانين النافذة علما بأن هذه الكلمات من السهل ان تقال ولكن من الصعب ان تطبق بحذافيرها. ولم يستطع مفوض اخر من “المستقيلين” الجواب على سؤال عن امكانات تبديل المستقيلين في حال اصرارهم بمفوضين سابقين لهم امكانات كبيرة في تنفيذ العمليات الانتخابية .
لقد ذكر بيان المفوضية انها تتعرض لضغوطات من قبل الجهتين التشريعية والقضائية حول تفسير الفقرة 3 من المادة 8 من قانون الانتخابات رقم 45 لسنة 2013 التي تنص على ( ان يكون المرشح حسن السيرة والسلوك وغير محكوم بجريمة مخلة بالشرف ) ولم يشر البيان الى الجهات التي تقف خلف السلطة القضائية ولم يذكر بحرف واحد ما للسلطة التنفيذية من تأثير كامل على السلطة القضائية برئاسة مدحت المحمود .
وحتى نكون واضحين في تحليل الحركة التي قام بها اعضاء مجلس المفوضية نشير الى ان الامر يتعلق بأستبعاد عدد من الشخصيات السياسية والبرلمانية من الترشيح للانتخابات معظمهم بحجة قضايا النشر وقد اخطأ مجلس المفوضين سابقا باتخاذ هذه القرارات والكل يعلم ان جميع من اتخذت قرارات بشأنهم من قبل المجلس ” المستقيل ” هم من المعارضين للسيد نوري المالكي رئيس الوزراء ويرفضون بقائه لولاية ثالثة ، وهذا ما يدلل على ان النائبة حنان الفتلاوي وهي مسؤولة المفوضية في ائتلاف دولة القانون اوحت للسيد مقداد الشريفي رئيس الادارة الانتخابية بأتخاذ تلك القرارات التي اذهلت الساحة السياسية من هذا الاسلوب الاقصائي الفاضح والمعرقل للعملية السياسية والبعيدة عن النزاهة والحيادية التي يتم التشدق بها . .
بعد ان قدم جميع من شملهم ” اجتثاث قضايا النشر من قبل المفوضية ” اعتراضاتهم لدى الجهات القانونية المعنية تم نقض بعض قرارات مجلس المفوضين ولاسيما المتعلقة بهؤلاء الذين هم اصلا ضمن دولة القانون كسامي العسكري والرفيقة عالية نصيف ، اما البقية من الذين ينتمون الى التيار الصدري او قائمة متحدون كحيدر الملا ، عزيز العكيلي وجواد الشهيلي بالاضافة الى النائب المستقل صباح الساعدي وكذلك رافع العيساوي فقد صادقت الهيئات القضائية وهي مرتبطة بشكل او بأخر بمكتب رئيس الوزراء على قرار المفوضية استبعادهم من الترشيح للانتخابات .
اما اللجنة القانونية في مجلس النواب فقد اصدرت تعليماتها الى المفوضية الانتخابية بضرورة عدم استبعاد اي مرشح ما لم يكن قد صدر عليه حكما قضائيا مبرما مما جعل مجلس المفوضين يقع بين فكي كماشة فحاول الهرب بفكرة الاستقالة نصف الجماعية طلبا للنجاة .
لقد وقع مجلس المفوضية في خطأ كبير اذ بدأ منذ فترة يتخذ القرارات بأستبعاد العديد من المرشحين كون بعضهم صدرت عليه احكاما بقضايا النشر معتبرا هذا الامر بأنه يناقض نص الفقرة 3 من المادة الثامنة من قانون الانتخابات ومعتبرا هؤلاء غير حسني السلوك والسيرة ومحكوم عليهم بجريمة مخلة بالشرف وعندما يتخذ قرار بأعادتهم تقول المفوضية ان فترة قبول الترشيحات قد انتهت فهل هذه عملية حيادية ونزيهة ؟؟؟
اقول نعم هذا ما فعله مجلس المفوضين من خطأ فادح فأثبت بالتالي انه غير حيادي وغير نزيه وغير شفاف ولايستحق ان يدير انتخابات نزيهة ، فهل يصدق اي عراقي مهما كانت طائفته او مذهبه او دينه ان النائب المستقل صباح الساعدي يمكن ان يقال عنه انه غير حسن السلوك والسيرة ؟؟؟ انها لمهزلة والله العظيم .
لقد حاول السيد رئيس الوزراء بما يمتلكه من نفود داخل مفوضية الانتخابات ولاسيما في الادارة الانتخابية ومركز العد والفرز الممتليء بالمعينين من ائتلاف دولة القانون ان يبعد بعض من يعتبرهم مشاغبين بواسطة قرارات قضايا النشر فأن نجحت الخطة فخير على خير وان لم تنجح فأن الانتخابات ستحصل بعد اسابيع وانه وائتلافه دولة القانون سيدخل معتركها بكل قوة وجدية لأنه يود ان ينال شرعية البقاء للولاية الثالثة .
اطمئن الجميع ومن ” خاف” او انتابه ” القلق ” حول تقديم مجلس المفوضية الحالي استقالتهم بأنهم عائدون بل هم لم يذهبوا ليعودوا، فهل يعقل ان هؤلاء سيتركون النعيم الذي هم فيه ليطلق الشعب العراقي عليها صفة النزاهة فقط ؟؟؟ كلا انهم ليسوا من هذا الصنف من الناس بدليل انهم قبلوا ان يكونوا تحت اجنحة الاحزاب لقيادة مؤسسة يفترض ان تكون مستقلة وبعيدة عن الاحزاب ومحاصصتها البغيظة . كل ما في الامر انها مسرحية ستنتهي فصولها كما اشرنا اليه قريبا وقريبا جدا .