19 ديسمبر، 2024 1:00 ص

مفهوم حقوق الانسان لدى المسؤول العراقي بين الشعارات والسلوك: وزير حقوق الانسان نموذجا

مفهوم حقوق الانسان لدى المسؤول العراقي بين الشعارات والسلوك: وزير حقوق الانسان نموذجا

لا اعتقد ان في العراق من لم يسمع عن مفهوم حقوق الانسان او تلك المفردات المتعلقة بهذا المفهوم من قبيل حرية التعبير والديمقراطية واحترام حقوق الانسان وما الى ذلك من المصطلحات والعبارات التي تدور حول حقوق الانسان وضرورة احترامها والدفاع عنها. وعلى الرغم من تردد هذه المفاهيم في وسائل الاعلام وعلى لسان الكثير من المسؤولين الحكوميين والنخب السياسية منذ التغيير عام 2003 ولحد الان , الا اننا وبكل اسف نرى جهلا وتاخرا كبيرا في فهم حقيقة حقوق الانسان, وماهي المصاديق العملية لهذه الحقوق, وكيف نتعرف عليها وندافع عنها كونها تمثل الركيزه الاساسية لبناء المجتمع المستقر على اساس احترام الآخر لمجرد انسانيته واعتبار الاختلاف بين افراد المجتمع حقا طبيعيا لابد من احترامه ايمانا باهمية الانسان الواعي في حركة وبناء المجتمع .

ان تعليم افراد المجتمع لمفاهيم حقوق الانسان وادخالها في ثقافتهم وتحويلها الى ممارسة على ارض الواقع له مردوده الكبير على كل فرد من افراد المجتمع في تعزيز وترسيخ معرفة حقوقه ومن ثم احترامها والدفاع عنها مما يبعث الشعور بالكرامة والحرية لديه ويجعله يتفاعل في ممارسة دوره الهام في تنمية وطنه ورفاهية مجتمعه وتامين الامن والسلام لبلده. وهذا مانراه جليا في معظم المجتمعات المستقرة والتي تحترم حقوق مواطنيها , وبعكس ذلك مانراه اليوم في واقع حقوق الانسان المتردي في العراق جراء الجهل او التجاهل لدى المواطن والمسؤول على حد سواء.

ان هذا الجهل ليس مقتصرا على الفرد العراقي فحسب بل يشمل حتى المسؤولين في الدوله واصحاب القرار السياسي ونوابا في البرلمان ومسؤولي الكتل والاحزاب السياسية , الذين من المفترض ان يكونوا قدوة ومثالا في احترام حقوق الانسان وتعريف المواطن بتلك المبادئ التي جاءت منسجمة مع فطرة الانسان في جميع الديانات السماوية الحقة , خصوصا اذا عرفنا ان هؤلاء المسؤولون كانوا هم انفسهم ضحايا انتهاكات حقوق الانسان على يد النظام السابق , وطالما نادوا باعلى اصواتهم في جميع المحافل الدولية مطالبين بمعاقبة النظام السابق على تلك الانتهاكات الفظة واجباره على احترام حقوق مواطنية ومعاملتهم معاملة حسنه.

ان مفهوم حقوق الانسان لاياتي من خلال الشعارات الجوفاء التي يرفعها المسؤول امام المواطن كلما دنى وقت الانتخابات وذلك لاستمالتة وضمان صوته الانتخابي , او لاغراض سياسية ومصالح شخصية , فما قيمة تلك المفاهيم التي نسمعها ويرددها المسؤول ان لم تكن هذه ثقافة وتربية ومن ثم سلوكا عمليا يترجمها المسؤول وهو في ميدان العمل مع افراد مجتمعه. ان مفهوم حقوق الانسان هو ثقافة انسانية نبيله يعيشها

الانسان ويمارسها مع الاخرين من خلال تطبيقاتها العملية ولا يمكن اختزالها في التعريف بالمعاهدات والمواثيق الصادرة عن المنظمات الدولية واعتبارها نصوص جامده , فهذه نظرة لاتؤدي الى ترسيخ مفاهيم وثقافة حقوق الانسان على المستوى العملي. ان مفاهيم حقوق الانسان يجب ان تكون منهجا وسلوكا في حياة الانسان وخصوصا المسؤول ليكون قدوة لافراد المجتمع قبل ان تكون شعارا يردده المسؤول اينما حل وارتحل .

ان ما قامت به افراد حماية وزير حقوق الانسان في حكومة السيد حيدر العبادي والذي تمثل في الاعتداء السافر على احد ضباط ومنتسبي شرطة مرور محافطة بغداد قبل عدة ايام يعتبر انتهاكا صارخا لحقوق الانسان بحق منتسبي شرطة المرور و يندرج في سياق ما ذكرناه آنفا, ويؤكد من جانب حجم الهوة بين القول والفعل لدى المسؤول ومن جانب آخر يعتبر اهانة واضحة للحكومة الجديدة والتي استبشر العراقيون بها خيرا كونها نادت بخدمة المواطن واحترام حقوقه وتوفير الامن والامان له. ونحن نتساءل , اذا كان احد ضباط ومنتسبي شرطة المرور الذين يمثلون وزير الداخلية والقائد العام للقوات المسلحة لايأتمنو على انفسهم ومن البساطه الاعتداء عليهم ضربا امام اعين الناس وهم يؤدون واجبهم في تنظيم سير المرور, فما ذا سيكون حال المواطن المغلوب على امره وهو يقود سيارته وسط بغداد اذا صادف مروره مع مرور حماية سعادة احد الوزراء المحترمون. والمفارقة الكبيرة والمعيبة اكثر , هي ان هذه الانتهاكات جاءت من حماية مسؤول يفترض ان يكون الحامي والمدافع عن حقوق الانسان , فهو وزير لحقوق الانسان في حكومة العراق. وكنا ننتطر اعتذارا رسميا من سعادة الوزير المحترم او من مكتبه او افراد حمايته ولكن وللاسف الشديد يبدو ان ما حصل لا يدخل في ادبيات وثقافة سعادة الوزير ويعتبر شئ عاديا لاينبغي التوقف عنده ابدا

ان ماحصل من اعتداء سافر يعتبر انتهاكا واضحا وصارخا لحقوق الانسان وهو يعكس تلك الثقافة المنقوصه والسلوك المعوج لهؤلاء المسؤولين وبالتالي يؤكد على ضرورة مضاعفة الجهود في ايجاد الاليات والسبل الكفيله لاشاعة ثقافة حقوق الانسان وتعزيز الايمان بهذه الحقوق بين افراد المجتمع وعدم الاكتفاء بالتعريف بالمعاهدات والمواثيق والنصوص التي جاءت بهذا الشأن. ان على الجميع افرادا ومنظمات وجمعيات ان يكون لهم الحضور الفاعل في الساحة من اجل نشر ثقافة حقوق الانسان من خلال استحداث الآليات المناسبة لترسيخ هذه المفاهيم في سلوكيات افراد المجتمع اضافة الى ممارسة الضغط على المؤسسات الحكومية والمسؤولين لمواجهة نزعة التسلط وانتهاك حقوق المواطن التي تاخذ اشكالاعده وتحت ذرائع ومبررات متنوعة وان تقف بحزم امام اي انتهاك وتعدي على حقوق الانسان اين ماوجد.