9 أبريل، 2024 7:19 ص
Search
Close this search box.

مفهوم السببية و تفاهة الجدل العلماني – الاسلامي

Facebook
Twitter
LinkedIn

للسبيبة (causality) في الفلسفة تفسيرات متعددة لكن الشائع منها أنها تربط حدثين منفصلين من الناحية الزمنية بحيث يكون الحدث الأول هو السبب والحدث الثاني هو النتيجة، ولا يخفى على أحد مدى أهمية هذا المنطق في العلوم التطبيقية مثل الفزياء وغيرها، لكن الأمر يختلف من زاوية العلوم الانسانية مثل علمي الاجتماع وعلم النفس. ليس لأن الأحداث تحدث بدون أسباب ولكن لأن تعدد وتعقيد ما آل اليه وضع اجتماعي معين لا يمكن اختزاله بسبب واحد فقط أو باجابة سطحية للسؤال الخاطئ كما يحدث في معظم الأحيان لأن طبيعة النفس البشرية تدعوها دائما ألى ربط النتيجة التي تلمسها وتعيشها بسبب ما، أي سبب كان هذا السبب، حيث أن طبيعة العقل البشري تعمل اساسا عن طريق ايجاد ما يسمى في علم النفس بالرابط الذهني (association) الذي يقودها لاستنتاج السبب بشكل يبدو لها منطقيا سواء كان هذا هو السبب الحقيقي أم لا. لنفسر ذلك قليلا قبل أن نشرح ما علاقة ذلك كله بجدل العلمانية والاسلام
أقرأ الجملتين التاليتين: 
– وصل زيد الى الدوام متأخرا
– مدير زيد غاضب
بعد أنهيت قرأة الجملة الثانية وجدت أن عقلك استنتج بشكل آلي أن مدير زيد غاضب (بسبب) وصول زيد متأخرا. ولكن المنطق يقول أن هناك مئات الأسباب الأخرى التي قد تكون أدت الى النتيجة التي عرفتها (غضب المدير) لكنها غير واردة في النص ولذلك أهملها عقلك تلقائيا، لاحظ أن الجملة الأولى لا تعطي اي اشارة إلى أن المدير زيد قد علم بوصول زيد متأخراً أصلا!، اذاً السببية التي نعنيها هنا هي تلك تقود الى ربط خاطئ بين النتيجة التي تراها وبين مقدمات تظهر أنها مرتبطة بهذه النتيجة بدون وجود أي دليل أو اثبات علمي لوجود هذا الرابط
نفس المقياس يمكن أن يطبق على الجدل الدائر بين المثقفين العرب من علمانيين واسلاميين منذ مئة عام، كيف؟
النتيجة التي اتفق عليها الطرفان هي: تخلف واقع العرب وتراجع مكانتهم التاريخية
أما السبب، وهو محل الخلاف الرئيسي، فهو الاسلام (ما يعني ضمناً اتباع أغلبية أفراد المجتمع لتعاليم الدين الاسلامي أو عدم اتباعهم لها)
فلو كانت وجهة نظر العلمانيين صحيحة، فان ذلك يعني أن أغلبية أفراد المجتمع تتبع تعاليم الدين الاسلامي بشكل يجعلها غير قادرة على التغيير والتأقلم مع متطلبات العصر كما يقولون. وعلى النقيض من ذلك تماما نجد الاسلاميين يرون أن ابتعاد نفس المجتمع عن التعاليم الاسلامية وانفتاحه على الفكر الغربي هو ما ادى الى تراجع العرب؟! فكيف يمكن ان يكون المجتمع ملتزم وغير ملتزم، منفتح ومنغلق في نفس الوقت؟ وهذا التناقض يقودنا للاستنتاج ان النهج الذي اتبعه الطرفان في جعل الدين محور الجدل الرئيسي (السبب الرئيسي) في قضية النهضة الحضارية واهمال العوامل الاخرى الكثيرة جدا والتي تبدأ بالعوامل الجيوسياسية مررا بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية ولا تنتهي بدورة التاريخ الطبيعية التي تصفها الآية الكريمة (وتلك الأيام نداولها بين الناس – آل عمران:140) هو نهج خاطئ وأن أصل المشكلة لا علاقة لها بالدين أصلا، حيث أن هناك الكثير من الأمم التي استطاعت بناء حظارات مع أو بدون العامل الديني  
 العلمانيين اذا قرأوا جملتين فقط، الأولى “الدين أفيون الشعوب” و الثانية “نحن شعب متخلف حاليا عن باقي الامم” ، فقبلوا الأولى بغير نقاش موضوعي ثم ربطوها ذهنيا بالجملة الثانية، مما قادهم الى الاستناج الخاطئ بأن الدين هو أصل المشكلة.
وكذلك فعل الاسلامييون عندما قرأوا جملتين فقط، الأولى “لا يصلح أخر هذه الأمة الا بما صلح به أولها”، والثانية “نحن شعب متخلف حاليا عن باقي الامم”، فقبلوا الجملة الأولى بدون دراسة موضوية للعوامل الكثيرة التي ساهمت فى قيام الحضارة الاسلامية بل وحتي الحضارات الأخرى التي قامت في المنطقة قبل ظهور الاسلام. واستنتجوا خطأ أن التزام المجتمع بتعاليم الاسلام على النمط المتخيل للمسامين الأوائل سيقود الى نهظة حضارية، لكنهم لايقدمون أي تفسير لحقيقة كون المجتمعات الاسلامية قد ابتعدت عن الصورة النمطية للاتزام الديني على نموذج الصحابة في العصور اللاحقة (الأموي، العباسي) والتي كانت الحضارة العربية في أوج تألقها.   
ألم يأن الأوان اذاً لانهاء هذا الجدل العقيم والتركيز على تحديد العوامل التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم بشكل علمي وموضوعي، ودراسة كل عامل على حده تمهيدا لدراسات أكثر عمقا لمدى ترابط (أو عدم ترابط) هذه العوامل مع بعضها البعض ومن ثم وضع مجموعة من الأهداف العملية لخلق بيئة قابلة للتطور تصل بالتدريج الى خلق نهظة حضارية جديدة .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب