كتاب أسيئ فهمه
كتاب أسئ فهمه من عنوانه وهو كتاب (الدولة المستحيلة) وفي العنوان الفرعي (الإسلام والسياسة ومازق الحداثة الأخلاقي) للبروفسور وأميل إلى تسميته بعالم التاريخ (وائل حلاق)، فهو شرح شرحا أكاديميا لحالة الدولة الحديثة والنظام في العصور الإسلامية المتعددة، ولكن من باب التاريخ وليس طبيعة الفكر الإسلامي ذاته رغم دقة وصف المنهج، خلاصات مهمة ومنطلق لمقالات وكتب، فالدولة بمفهومها المعاصر تختلف فعلا عن نظام دولة أقامه المسلمون بمتعدد النظم التي مرت بها منطقة كانت بسلطة من تولوا امر ناسها، فمن الخلافة والشورى في الانتخاب بطرق متعددة فلا يوجد نمط تسير عليه الأمور لضعف الاتصالات وشحة الآليات إلى الملوك باسم الخلافة، إلى السلاطين بوجود الملوك إلى السلاطين بالتغلب، لكن هنالك منظومة مرافقة للمنظومة السياسية وهي منظومة الأخلاق والشريعة بشكل عام، التعليم، القضاء المستقل من لحظة تعيين القاضي من أي من الذين مضى ذكرهم، إلى عزل القاضي أو إبداله لكن ما بين الزمنين لا تأثير قطعا على القاضي وحكمه بل لم يجرؤ احد على ذلك لأنه انتقاص من شرعية الحاكم وإهانة للشريعة، نعم يستطيع إبدال القاضي لكن لا ولاء من القاضي الآخر إلا للشريعة بل سيصعب عليه إيجاد من يتولى القضاء وهذا يجعل منه شخصا غير شرعيا أمام الجمهور.
دولة إله ودولة أمة
فالنظام الذي قاده مسلمون لم يؤسس لدولة هي الاله بل دولة تحتاج صاغرة لموافقة (الأمة) كي تكون شرعية، فمهما طغى الحاكم سيجد أن انتقاص شرعيته سيجعله هدفا لمتغلب آخر، وهذا مهم لحاكمية المنظومة الأخلاقية من ناحية ولكن لتآكل المنظومة ككل نتيجة التشوهات لأنها لا تكامل تطبيق المنظومة عند المتغلبين وسيادة التقليدية جعلت تدني في الفهم ليكون انطباعا ويفقد بذلك جذور وجوده في النفوس.
الدولة الحديثة هي دولة اله تدخل في التفاصيل الحياتية للناس وتطلب طاعتها وبرضى تام، ولا ترتكز على منظومة أخلاقية نابعة من جذر عقدي، وإنما من ضروريات اقتضتها الحياة المدنية كالمعاملات التجارية أو الجودة الصناعية، واهتمام الدولة بالعاطلين أو الضعفاء لحد ما ، لكن بقت عوامل حاكمة كالتامين على الصحة والحياة في إدارة خاصة لحركة المال، فلو قلنا أيوجد بديل عن التكافل في مجتمع مسلمين فالجواب نعم وهو ما تقوم به الدولة وتعوضه من الضرائب، فالمواطن يدفع أموال التكافل لكن لا يحس بها كعلاقات إنسانية وإنما هي خضوع للدولة وإرادتها وليس لقيمة أخلاقية.
الدولة في الحداثة دولة تحتكر السلطة والقتل إن أرادت وتجريم من تريد والشرعية لما تريد، فعندما أرادت الولايات المتحدة تحريم الخمور لأسباب غالبا اقتصادية، قتلت ولاحقت ودمرت، من يهرب الخمر أو يصنعه، ودونما ارتكاز لقيمة أخلاقية وإنما هو امر دولة لكنه بعد يوم واحد أصبح مقبولا وشرعيا، وزواج المثليين الذي اقر 2007 وكان محرما قبل هذا، فالمسالة أن تدخل الشاذ من الفعل في القانون يصبح شرعيا بل تطالب به الحداثة أقواما آخرين لتطبقه وقد كان ممنوعا عندها قبل هذا، فسيادة القانون يعني سيادة الدولة وليس قيمة أخلاقية أو نحو هذا، وهذا حتما سيخلق بونا شاسعا بين القيم والتطورات الغريبة، وتأثير الشاذ الذي اصبح مقبولا على المجتمع الذي يجب أن يتعامل ويحترم ما يراه غير صحيح لأنه سيحاسب قانونا إن ابدى امتعاضه على ما أقرته الدولة.
أزمة مجهولة
هنالك إذًا أزمة كما وصف كتاب الدولة المستحيلة وهنالك نخر في النظام والمجتمع وهنالك تدني للقيمة الإنسانية متلبسة برقي القيمة الإنسانية وفق تعريف الدولة الاله أمام ضغط عالم الأشياء وتباعد عالم الأفكار القيمي عن إثبات حاكميته، وهذا ينسجم مع حالة رفض الموثوقية التي انطلق منها ما يسمى عصر التنوير كرد فعل على قيم أخلاقية تطبق بانتقائية أو تعتبر مقدسة لان من نطقها كاهن وبسلطة ميتافيزيقية حلت الدولة محلها تماما ولم يتغير وضع الإنسان إلا للأسوأ كقيمة حقيقية في الشعور بالحياة والعلاقات الإنسانية فكلها خاضعة لقانون العقوبات.
هذا حدث في المجتمعات التي استضافت الحداثة دون فهمها، فازدواج السلوك وضعف القيم وغياب تأثير الشريعة وانحسارها على مستوى شخصي بلا توعية أو تربية أوصل الأمم إلى انحدار حضاري فكري ناهيك أن الحداثة لم تعدهم بالتقدم المدني بل أتت تريدهم سوقا ولتحقق ما تراه مناسبا لها في تلك المجتمعات.
هل يمكن أن يكون تفاهما بين الحداثة ومجتمعاتنا، نعم هذا ممكن ولكن كيف يحتاج شرحا ملخصه لا يوضحه؛ أن المدنية هي جهد بشري ممكن أن يرتدي ثقافة وقيم أي من الأمم.