29 سبتمبر، 2024 1:48 ص
Search
Close this search box.

مفهوم الدفاع في العقيدة العسكرية الدفاعية

مفهوم الدفاع في العقيدة العسكرية الدفاعية

الدفاع، بصورة عامة، امر عسكري محض (وهو في كل الاحوال لم يعد يستطيع ان يكون كذلك، في العصر النووي). انه كافة النشاطات التي تقوم بها الأمة طالما لم تصل الى حالة الحرب.

وعلى هذا، فأنه يشمل فضلاً عن آلة الحرب، الاقتصاد والهوية الثقافية والشخصية الحضارية، ومكانة الامة في العالم. انه دفاع قومي بمعناه الشامل، دفاع على صعيد الامة كلها، انه كافة النشاطات التي تسمح لأي امة ان تتقدم.

ومن هنا، اضحى الدفاع قضية جماعية، وهو بذلك اكثر تعقيداً. انه قضية الدفاع عما يهم الافراد وعما يريدونه مجتمعين. ومعنى هذا، هو انه لا بد من تحديد ما من شأنه ان يعين مجموع الامة وعما يمكن ان ندافع عنه اذا أمكن، وعما يهمنا ان ننقذه في جميع الاحوال. وبهذا، فانه لا يكفي ان نقوم بتعداد ما لهذه الاشياء مثلما انه ليس هناك صيغة سحرية على صعيد التصورات والمفاهيم يمكن ان تؤلف بين هذه الاشياء، مثل مصطلح (الثورة) او (الوطن).

انه لا يمكن لكل ما نريد الدفاع عنه ان يقدم نفسه الينا كجمع منظم يرتبط كل عنصر فيه ببقية العناصر بعدد من العلاقات من نوع (اذا اردنا الدفاع عن هذا الأمر، فأنه ينبغي لنا اولاً ان ندافع عن ذاك الشيء) او (اذا كنا لا نستطيع الدفاع عن ذلك الامر فلندافع على الاقل عن هذا الشيء).

ان مفهوم الدفاع اليوم في اي عقيدة عسكرية دفاعية، ليس صد هجوم العدو بقوات متفوقة، وايقاع الخسائر الكبيرة به، ومن ثم خلق الظروف الملائمة للتحول للتعرض فحسب، بل ينبغي ان يكون قادراً ايضاً، على تحطيم استحضارات العدو التعرضية. لذا نرى العقيدة العسكرية الدفاعية في هذا المجال، تمر بمراحل عديدة نحو الاتجاه الدفاعي. وهذا الجانب يعد من الامور الاكثر اهمية بالنسبة للعسكريين الذين يحاولون التعامل مع موضوع شائك آخر لا يقل اهمية عن موضوع الدفاع ومتعلق به، وهو النصر في الحرب.

وطبقاً لوجهة نظر هؤلاء، فأن مفهوم النصر كأنجاز للعمليات العسكرية وكهدف تسعى اليه القوات العسكرية، يجب ان يبقى ويدافع عنه بقوة حتى في ظروف الحرب النووية.

لذا يسعى العسكريون الى احراز النصر سواء كانت النتيجة السياسية والاجتماعية للمعركة تجعل النصر ذا معنى واهمية ام لا. كما ان اعتقادهم بذلك يعتمد على اهمية وخصائص تلك الحرب وبوضوح اكثر على مدى الاضرار التي يتحملها بلدهم.

* مفهوم الدفاع في العقيدة العسكرية الدفاعية

كلنا يعلم ان اي عقيدة عسكرية تحمل الصفة الدفاعية بشكل صرف، وهذا يعني بأننا لا نبدأ باعمال عسكرية اذا لم نكن معرضين لهجوم مسلح، ولكن اذا ما شن العدو الحرب سنكون مجبرين في البداية على صد غزو المعتدي ثم بعد ذلك التحول الى التعرض الحاسم وهذا هو السبب في زيادة الاهتمام الحالي في فن النظرية العسكرية وكذلك في تمارين استعداد الوحدات العسكرية للقتال.

وجد الدفاع بنفس الوقت مع التعرض وان تطورهما تبع تكامل الاسلحة مع التجهيزات القتالية التي أثرت على خصائص وطرق تنفيذ الاعمال الدفاعية بشكل مباشر، وكذلك ايضا أثرت في نتيجة التغيرات في وسائل العدد التعرضية.

وبهذا الخصوص فأن استخدام الوسائل القتالية الجديدة من قبل القوات المدافعة رفعت من قدرتها القتالية وقادت الى اشكال جديدة في الدفاع وجعلتها اكثر فاعلية وثبات.

على كل حال، فان العدو المهاجم يستخدم ايضاً انواعاً جديدة من الاسلحة والتجهيزات القتالية، كذلك ازدادت قوة الضربة والقوة النارية لها ايضاً.

ونتيجة لاستخدامه اسلحة التدمير الكتلوي والاسلحة التقليدية العالية الدقة والتي تتضمن الانظمة المعقدة للاسلحة الموجهة بالسيطرة او المواجهة ذاتياً ذات الرؤوس الحربية القادرة على تدمير الاهداف بالضربة الاولى، فأن دماراً كبيراً سيحل في جانب المدافع.

في عرف الدفاع تقاتل الوحدات المسلحة غالباً ضد قوات متفوقة بشكل كبير، واليوم يفترض قادة الجيوش في الدول المتقدمة الكبرى، بأنه لغرض تحقيق النجاح في التعرض يجب ان يخصص في الاتجاه الرئيس بنسبة تفوق من (4) الى (6) مرات.

ويتضح من ذلك، انه في حالة عدم وجود الظروف المواتية للتكامل بين القوات والوسائل لا يمكن ان يتوقع احد تدمير وحدات قوات العدو وحتى صد الهجوم، وفي مثل هذا الموقف ستكون مسألة صعبة تماماً، وعلى كل حال يمكن الاستفادة من الفوائد التالية التي يقدمها الدفاع:

1- يستفيد المدافع من الخاصية الدفاعية للارض والاستحضارات الهندسية اكثر من المهاجم وحتى الخنادق البسيطة تقلل من وهن الوحدات المسلحة تجاه الاسلحة النووية ومن ثم تقليل الخسائر الى الثلث وتقللها بنسبة (1/7) عندما تستخدم الاسلحة التقليدية والوحدات المتخندقة.

2- تمتلك الاسلحة النووية والتقليدية قدرة اعظم في الدفاع، فمثلاً منطقة التدمير للاشخاص من قبل الاسلحة النووية في الارض المفتوحة هي اكبر ثلاث مرات من منطقة التدمير للاشخاص المتخندقين.

3- يتمكن المدافع من الاستخدام الواسع لحقول الالغام والحواجز ضد وحدات العدو الآلية المدرعة بينما تحدد حركة المهاجم بتلك المواقع حتى ولو اخذنا بنظر الاعتبار امكانياته في رفع الالغام واجتياز الموانع.

4- يتمكن المدافع من اختيار مكان المعركة الارض ذات الاهمية التعبوية الخطوط الدفاعية وكذلك يتمكن من تنفيذ الغش والاختفاء اكثر من امكانية المهاجم في اخفاء نواياه الحقيقية والدلائل الكاذبة منها.

* ما هية العقيدة العسكرية الدفاعية

ان مفهوم العقيدة العسكرية الدفاعية يعني الافكار المنظمة التي تتخذ من قبل الدولة والتي تعد من طبيعة واهداف وخصائص الحرب المستقبلية المحتملة والتهيؤ لها من قبل البلد (الشعب) والقوات العسكرية، وكذلك الطريقة التي تشن بها تلك الحرب.

تتكون العقيدة العسكرية الدفاعية من جانبين يرتبط احدهما بالآخر هما:

* الجانب السياسي- ويتعامل مع المسائل التي لها علاقة بالاهداف السياسية وخصائص الحرب وتأثيرها في بناء القوات المسلحة واستحضارات الدولة للحرب.

* جانب العقيدة العسكرية- وفقاً للخطوط العريضة للجانب السياسي يتعامل جانب التقنية العسكرية مع المسائل التي تتعلق بالطريقة التي تشن بها الحرب ــ التنظيم، التجهيز الفني للوحدات العسكرية والقوات البحرية والجوية وادامتها في حالة استعداد قتالي عالمي.

تمر العقيدة العسكرية الدفاعية بمراحل تطور عديدة، وان اهم المراحل في تطور اي عقيدة عسكرية دفاعية ما يتم الاقرار عليه من قبل ساسة البلد وعسكرييه، ومن المبادئ الاساسية العامة لتلك العقيدة العسكرية الدفاعية تلك التي تتضمن ما يلي:

1- ان اي عقيدة عسكرية دفاعية والتي تتضمن الجانب السياسي والجانب التقني هي دائماً دفاعية بكل معنى الكلمة، وان مضمون اتجاهها الدفاعي يختلف عما تذهب اليه نفس العقيدة في السابق او من قبل.

2- وفي وقت مبكر من تطور الفكر العسكري العام في العالم، كان ما يطمح اليه الدفاع ينعكس في اقامة علاقة متبادلة بين قوات دولية في حرب لا يمكن اجتنابها، حرب تعد آلة مؤثرة في السياسة كوسيلة لتحقيق اهداف سياسية، في تلك الظروف تصبح العقيدة الدفاعية مهمة سياسية واحدة ووظيفة واحدة وبشكل قاطع لصد المعتدي في حالة الهجوم.

3- الظروف الدولية الآن تغيرت وان العقائد العسكرية الحالية السائدة ذات الخاصية الدفاعية، وضعت في مقدمة التفكير العسكري الجديد المتمثل في رفض الحرب وسياسة القوة، اي ان المجتمع الدولي الجديد وجد مترابطاً متكاملاً، وان التنافس السابق بين المنظومة الرأسمالية والاشتراكية في ميدان الصراع العالمي كان يجب او بالاحرى به ان يستخدم فقط بشكل تنافس من اجل السلم والتعاون السلمي وبالتوجيه لصد اي

عدوان يبدر من اي طرف بشكل حاسم بحيث يصبح العمل الرئيس هو منع الحرب المدمرة.وبناء على هذا، فان الهدف الاجتماعي للعقيدة العسكرية الدفاعية اصبح اليوم منع الحرب وضمان السلام.

4- في العقائد العسكرية الدفاعية الحديثة تمت صياغة فلسفة امنية دفاعية جديدة تتلاءم وعصر الفضاء النووي. فقد تم نبذ العقائد السابقة الخاصة بالأمن الدفاعي المجرد في خلق قوة الدفاع والقدرة على الدفاع عن البلد بالوسائل العسكرية.

اما في الظروف الحالية فأن الطريقة الاكثر وثوفاً في ضمان الأمن الدفاعي هي الوسائل السياسية كالاتفاقيات التي تأخذ في الحسبان اهتمامات الجميع بهدف انهاء سباق التسلح بين مجموع الدول.

5- ومن المبادئ الاساسية لأي عقيدة عسكرية دفاعية مسألة النصر في الحرب، حيث يمكن ان لا يكون هناك نصر في حرب نووية ولكن في نفس الوقت من غير الصحيح عمل تصنيف لدرجات النصر قابل للتطبيق في اي حرب وقعت في القرن الماضي والحاضر خصوصاً الحرب المحلية لكون النصر هو دائماً ظاهرة معقدة تستحق الدرس وتتضمن جوانب عسكرية اضافة الى الجوانب الاجتماعية والسياسية.

ان مفهوم النصر التقليدي من وجهة النظر الاجتماعية والسياسية هو غير ملائم تماماً لحرب عالمية حديثة (صراع نووي عالمي) لكون كلا الاطراف او مجموعة الدول والتحالفات المتنازعة ستعاني من النتائج المفجعة للنزاع المسلح ومنها نهاية الحضارة الانسانية. اما النصر من وجهة النظر العسكرية فانه يعني النجاح في المعركة وتدمير قطعات العدو وتحقيق الاهداف المصمم انجازها في المعركة وفي الحرب.

6- يعد (التكافؤ الاستراتيجي) وهو احد وسائل منع الحرب ضمن المبادئ الجديدة للعقيدة العسكرية الدفاعية الحديثة، وان هذا المبدأ يعد من المسائل الخطيرة لضمان السلام وأمن الشعوب.

لقد طور قادة الفكر الاسترايجي في العالم المبادئ التي تعد جوهر التفكير السياسي الجديد، ولا سيما ما يتعلق بالتكافؤ العسكري الاستراتيجي الذي يشكل ضرورة ملحة للحفاظ على المساواة وادامتها وعدم السماح لأي انتهاك لها.

7- عند التأكيد على وظيفة الدفاع في العقيدة العسكرية يجب ان لا تلغي احدى الوظائف دور الوظائف الاخرى وستبقى الوظيفة الاولى هي الاستعداد العالي لصد العدوان والتي يجب ان تجيب على الاسئلة المهمة والحيوية التي تتعلق بطبيعة وخصائص الحرب المحتملة التي ربما تفرض على اي بلد من قبل بلد او مجموعة بلدان اخرى. وكذلك الاسئلة التي تتعلق بطرق ادارة النزاع المسلح في الدفاع عن المبادئ الوظنية وتربة الوطن.

فعلى سبيل الافتراض، عند نمو خطر الحرب يصبح السؤال حول طرق اطلاق او فتح الوسائل المتاحة محتملة من قبل العدو وكيفية صد عدوانه امر خطير جداً وعقيدة اي قوات وطنية وقتها لا يمكن ان تسقط

من الحساب او حساباتها، حقيقة ان العدو كان يقوم فعلاً بالتحضير لحرب صواريخ نووية على سبيل المثال، ويحاول هذا العدو خلق مختلف الذرائع لشنها ولكن في نفس الوقت تفهم استراتيجية هذا العدو عاقبة الضربة الانتقامية من قبل ضحايا عدوانه وكذلك تأخذ في الحسبان سياسة المقابل المدافع الذي سوف يعد للتحضير لحرب بأسلحة تقليدية وان التأكيد الرئيس سيكون على البداية المباغتة للحرب بفعل وقائي بالقوات الستراتيجية وادارة حركات تعرضية بنطاق واسع فوراً تستهدف اهدافاً حاسمة.

8- ربما تبدأ بأنماط جديدة وربما تأخذ شكل هجوم مباغت بدون تكامل وتحشد مسبق للقوات على خطوط المجابهة وان تلك الحالة تجعل من الضروري ادامة يقظة وحذر عاليين من قبل اي قوات عسكرية لديها عدو افتراضي.

كأن اي عقيدة عسكرية دفاعية لأي قوات عسكرية تفترض ان الشكل الرئيس من اشكال المناورة التي تقوم بها هذه القوات هو العمليات الدفاعية متبوعة بأعمال تعرضية تهدف الى تدمير العدو.

9- ان المحتوى العسكري مترابط مع النجاح المفروض بالوسائل العسكرية بارادة احد الاطراف المتنازعة وستكون نتيجة ذلك تدمير القوات المسلحة للطرف الآخر، فقد يعتقد البعض انه بأمكانه تدمير وحدات العدو العسكرية اعتماداً على اهمية النزاع المسلح في معركة ما، ولكن القدرة التدميرية للاسلحة الحديثة وطرق استخدامها غيرت خصائص النزاع المسلح الى حد بعيد.

10 ــــــ في الحرب وخصوصاً النووية او ما تعرف بغير التقليدية يصبح نزاع الاطراف وبالمقارنة مع اي حرب ماضية يهدف الى التدمير المتبادل او بمعنى آخر الابادة وحتى في هذه الحالة في رأينا ان الجانب العسكري للنصر سوف يهمل في كافة المستويات وهذا هو السبب في التأكيد على جعل جميع الكوادر في صنوف الجيش المختلفة بحالة استعداد عال لصد العدوان وتدمير العو لتحقيق اهداف النصر في القتال.

* الخلاصة

مع بدء الاعمال العسكرية ربما يتغير الموقف بسرعة ولذلك يصبح التحول للدفاع في ظروف ألتماس المباشر مع العدو اكثر صعوبة وبالرغم من ان بعض الوحدات ووحدات فرعية تحولت الى الدفاع بينما كانت معرضة لتدخل فعال من قبل المهاجم كما حدث في بعض معارك الحرب العالمية الثانية، الا ان المسألة تصبح صعبة جداً في الوقت الحاضر حيث ستكون القطاعات المدافعة معرضة الى ضربات الاسلحة ذات التدمير الشامل والاسلحة التقليدية الموجهة العالية الدقة والهجمات المستمرة وزرع الالغام عن بعد واعمال القوات البحرية في المناطق الساحلية فعلينا عند مواجهة مثل الحالة الآنفة- الثبات والفعالية والقدرة على صد ضربات العدو

باستخدام جميع انواع الاسلحة مباشرة وبكثافة عالية ومقاومة الضربات الكتلوية بضربات كتلوية مقابلة بعد امتصاص الضربة الاولى بتنسيق مع ضربات الاسلحة التقليدية المتقدمة الاخرى.

وعلى هذا الاساس يتضح ان جوهر الدفاع يتكون من صد قوات العدو المتفوقة المهاجمة بالوسائل التي توقع بها خسائر كبيرة مثل الضربات من الجو ونيران جميع الاسلحة الاخرى بالاقتران مع المناورات الواسعة والهجمات المقابلة بينما يجري بنفس الوقت مسك المناطق المهمة من الارض ثم بعد ذلك خلق الظروف الملائمة للتحول الى التعرض.

ويمكن ان تستخلص ايضاً بأنه لا يمكن تحقيق تدمير كامل لجحافل قوات العدو بالاعمال الدفاعية ولكن يمكن فقط خلق الظروف الملائمة لتدميرها بالتعرض.

ـــــــــ المادة مترجمة عن الفرنسية سبق ونشرتها في جريدة القادسية ( بغداد ) عدد يوم 1 اب 1993

*[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات