يبدو منذو الوهلة الأولى لقراءة مصطلح الإسلام السياسي إلى أنه يشير إلى سياسة الإسلام كدين في مناحي الحياة المتعددة,وأن كان الدين الإسلامي مؤكداً يتناول في طياته السياسة,الإجتماع والإقتصاد كما هو الحال بما هو ذي علاقة مع الحياة البشرية,والتي تشمل تلك الجوانب السياسية جزء من مفردات إيقاعها التاريخي.
ومايؤكد ذلك أن ادبيات الدين الإسلامي الإسلامي من القرآن,السنة النبوية والفرعيات المشتقة من هذه المصادر القطعية والظنية تشير إلى سياسة الإنسان والحياة المرتبطة به من طبيعة,حيوان ونبات,فالإسلام هو سياسي بالمطلق(أي أن كل جزئية يتطرق لها هذا الدين في محتواه تختزل السياسة في طياتها).
فافي الإسلام ليس هناك شئ ما يحدث دون مبرر بغض النظر عن جدواه أو لحدوث الظاهرة وكيفية وقوعها,في حين أن مصطلح الإسلام السياسي الشهير لايقصد به الإشارة إلى الدين الإسلامي ونظرته السياسية للأمور بقدر أن المعنى به هو(الحركية)العاملة في أوساط المجتمعات الإسلامية.
وعادتاً أن من يستخدم مصطلح الإسلام السياسي هم الغير منظوين إلى البنية الحركية المطالبة بقيام وتكريس أنظمة سياسية أو دول إسلامية إصطلاحا,رغم أن مصطلح(الدولة الإسلامية)ذي الصلة بالإسلام السياسي ذاته هو محل تباين في أوساط المجتمعات المسلمة.
ومع إتخاد الحركات السياسية المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية(وبمعنى أدق الجوانب المحدودة)التي غيبها الإستبداد السياسي التاريخي في أوساط المسلمين,والمتغيرات الخارجية الطارئة على حياة المسلمين والتي أترث في نمط حياتهم أو بفعل التغييرات التاريخية التي فرضت توقف بعض ما جاء في الشريعة الإسلامية إنطلاقا من إنتفاء مسببات بعض الأحكام,ومما ورد يتضح جلياً مدى دور السياسة في الدين الإسلامي ومدى مرونة هذا الدين.
وقد أطلق مفهوم الإسلام السياسي من واقع التعاطي بالندية مع الحركات السياسية التي أتخدت لنفسها مسميات الحركات الإسلامية وذلك في إطار دعوة صريحة منها لتمييز ذاتها عن باقي مكونات الإجتماع والاطر القائمة في مجتمعات المسلمين,وبحيث أنتهت معادلة التصنيفات وردود افعالها بين الطرفين إلى بروز مصطلح(الإسلام السياسي)والذي استخدمه غير الحركيين المسلمين للإشارة لمن اتخدوا مسمى الإسلاميين.
ومسمى حركة,جماعة أو حزب هي الأكثر حضورا ورغبتا من قبل هذه القوى السياسية للإشارة إلى ذاتها,وكلمة حركة تشير إلى التغيير,النمو والتفاعل الإجتماعي المتجدد,والجماعة رمز لترابط العضوي,في حين ان مفردة حزب المقصود بها في تفسير القوى المشار إليها أي لحمة النسيج الإجتماعي المترابط.
وتركز الحركات السياسية تلك على هذه المسميات رغبة في تجنب الإصطلاح التاريخي المعروف بالفرق من قبل القرآن والرواية”الحديث” الذي ورد فيه مثن أو نص غير محل إتفاق فقهياً والمشير إلى إنقسام المجتمع الإسلامي إلى عشرات الفرق الضالة ونجاة الفرقة الوحيدة! من غضب الذات الإلهية.
كما أن مسمى الفرقة لغويا وإجتماعيا غير مستحب من قبل الحركيين المسلمين لما يحمله تاريخيا من دلالات مستهجنة في إطار الذاكرة الجمعية المسلمة,وكإشارة بليغة لمدى التمزق والفرقة الإجتماعية في أوساط المجتمع المسلم على مدى التاريخ الإسلامي الملئي بالإنقسام والتناحر والخلاف.
وما هو مؤكد أن البعد التاريخي حاضر بقوة وهو ما دفع الحركات السياسية في الأوساط الإسلامية المعاصرة ان تطلق على كياناتها التنظيمية بمسمى الحركات الإسلامية,والمفارقة المثيرة هي ان هذه الحركات السياسية والتي تستطيب أن تصف نفسها أو أن توصف من قبل الغير بالحركات أو الأحزاب الإسلامية,بقدر ما تركز على المصطلحات,إلى أنها لا تعير الأهمية القصوى للمضمون,إذ تترجم من خلال سلوكها العملي حتمية الإنقسام والتفرق في العلاقة مع باقي مكونات المجتمع المسلم,وفيما بينها ودلالة ذلك حالة الإنقسامات الافقية في اوساطها التنظيمية المنشطرة على ذاتها.
ومع سعيها لتمييز ذاتها عن المجتمع المسلم تجد كيانها الحركي قد أنتهى إلى ما كانت تعلن تحاشيه وهو بروز الفرق والإنقسام ومن ثم تنتهي إلى فرق ومجموعات منقسمة على نفسها بفعل الصراعات والتناقضات الداخلية في أوساطها.
وهناك مبرر أخر يروج له الحركيين المسلمين وهو أن الدعوة الإسلامية تتطلب وجود إطار حركي يقوم بإيصال الدعوة الإسلامية إلى جمهور المسلمينّ ويحفظها من إستهذاف المسلمين الغير حركيين والموصوفين بمسميات(العلمانيين,الليبراليين,الديمقراطيين,يساريين,قوميين ومستقلين).
كما أن وصف هذه القوى الفكرية والتي تشترك في مصطلحاتها ومفاهيمها الفكرية مع قوى إنسانية غير مسلمة,أعطى بدوره الحافز والمبرر في ان يطلق الحركيين المسلمين على تلك التيارات المسميات المذكورة,وبتالي إستثمار ذلك لنزع الصبغة الإسلامية عنها وذلك لنزع الشرعية الفكرية والمكانة الإجتماعية في أوساط المجتمع المسلم,كإشارة لوصمها بالبعد الدنيوي عن الإسلام والإرتباط مع الأخر الغير مسلم,علماً ان تلك التيارات ذاتها لم تكن ترى إجحافا ما في ان تتخد مسميات علمانية,شيوعية,ليبرالية,قومية وغيرها,وذلك إنطلاقا من تحديد رؤيتها الفكرية المنشودة للمجتمعات المسلمة ونظرا لقراءتها الإجتماعية والإقتصادية لتاريخ الإنساني.
وفي إتجاه أخر وصف وتقييم هذه التيارات الفلسفية والعقائدية في أوساط المجتمعات المسلمة والتي تشترك في مصطلحاتها ومفاهيمها الفكرية مع قوى إنسانية غير مسلمة,أعطى بدوره الحافز والمبرر في ان يطلق الحركيين المسلمين على هذه التيارات المشار لها بتيارات المناهضة للدين,وبتالي إستثمار ذلك لنزع الصبغة الإسلامية عنها وذلك لنزع الشرعية الفكرية والمكانة الإجتماعية عنها داخل اوساط المجتمع المسلم,ولتاكيد الإرتباط مع الأخر الغير مسلم وإن كان شريكا في المواطنة!
في حين يستعير الحركيين المسلمين من التيارات المسلمة من خارج(الإسلام السياسي)الآليات الفكرية والأدوات مثال مفهوم الديمقراطية وبنى الأطر التنظيمية(التسلسل الهرمي)وإقتباس اللوائح الداخلية وغيرها,وأساليب الحشد الجماهيري وتحديدا إقتباس ذلك من القوى الاشتراكية والقومية ولاسيما من غير المسلمين.
وبصورة موازية للإتجاه الأخر يتضح وجود مبررات والمسوغ التي يصبغها الحركيين المسلمين لبعض مخالفيهم فكرا أنه واقع ملحوظ داخل المجتمع الإسلامي وخاصة مع إرتباط بعض القوى مع الخارج المستهدف للبنية والجوهر الإسلامي,إلى ان هذه المسألة عند التوقف امامها تاريخيا يتضح أنها ليست حصراً على غير الحركيين المسلمين بقدر ان العديد من القوى المسلمة كانت قد أرتبطت مع الغير لأسباب الأستقواء بالأخر على قوى إسلامية أخرى .
وبغض النظر عن حدوث ذلك فإن الخلفية تمت بفعل تكتيكي تحالفي وليس بدافع المقاطعة مع الإسلام والمسلمين,إلى ان ذلك ليس بمعزل عن الحركيين المسلمين وعلى سبيل المثال موقف الإخوان المسلمين والسلفيين من حرب الكويت في عام 1991 ,وموقف بعض هذه القوى من نظام القدافي في عام 2012 .ومما ورد يتضح أن بروز الإختلافات الفكرية الحادة والمؤسسه للمذاهب الفكرية الخالقة معها لطائفية المذهبية والفكرية,ونشؤء المصالح السياسية المتنافرة.
بما يعني أن السعي لتمايز الفكري والعقائدي للحركيين المسلمين عن غيرهم من ابناء مجتمعهم يصب جوهرا وتفصيلا في المآلات التاريخية التي مرت على تاريخ المبكر للمسلمين,وبتالي فاتفادي وتكرار وقوعه رهن بإشتغال كل القوى المسلمة نحو العمل على تكريس القواسم المشتركة فيما بينها,أكان على مستوى الحركيين المسلمين(الإسلام السياسي)أو لدى غيرهم من القوى المسلمة ذات المدارس الفكرية الإنسانية,وذلك عبر تفعيل هذه القواسم,مثال رغبة العلمانيين في التركيز على دور ومصير الإنسان على الأرض,ودعوات الليبراليين لقيام العدالة ونشر الحريات,مبادرات الديمقراطيين لتكريس واقع التعايش في اوساط المجتمع المسلم والغير مسلم(أي متعدد الأديان,حلم الشيوعيين والاشتراكيين لضمان الحياة الكريمة للفقراء,سعي القوميين لتحقيق والحفاظ على الخصوصيات الثقافية وحقوق العرقيات.
ولتحقيق كل هذا الإستحقاق يملي ذلك على هذه القوى ان تصبح بعناصر فاعلة التعاطي مع الدين الإسلامي لا أن تدمره من الداخل وأن لاتنحي دور الدين الإسلامي أو غيره.أما على مستوى الحركيين المسلمين فيملي الإستحقاق والحاجة الماسة إلى عدم تكريس الإسلام السياسي ذاته كمرجعية لدين الإسلامي والترويج لبرامجه على انها كبرامج للمعتقد المقدس,مع تفهم ان تجاربه ليست بجوهر الدين بقدر ما هي ممارسات إنسانية وتاريخية متذبذبة التقييم.
وتنطلق الخطوة الأولى من مراجعة برنامجه الفكري وتجاربه التاريخية,وهذا يملي عليه بالعودة إلى المجتمع والنزول من برجه العالي لخدمة المجتمع المسلم وليس عبر الإصرار في سبيل التمايز عن المجتمع إنطلاقا من تكفيره أو تفسيقه,المعلن منه أو المستتر من منظور التقية,وبما يحتم عليه التخلي عن تلك المصطلحات التي ساهمت في تباعده عن الكثير من المسلمين,وإدراك أن المسلمين جميعا يمثلون المجتمع المسلم وليس مجاميع منه تتخد مسمى الإسلاميين,وبالتالي العودة إلى صفاء التجربة الإسلامية في صدر الإسلام والتي كانت بعيدة كل البعد عن الايديولوجيات المقيتة ووجود اللحمة المسلمة رغم الإختلافات الفردية والتي سادت المجتمع المسلم أنذاك.