23 ديسمبر، 2024 5:17 ص

مفهوم الإصلاح في النهضة الحسينية

مفهوم الإصلاح في النهضة الحسينية

لكل فعل نتيجة؛ كبر هذا الفعل أم صغر, على مستوى الإفراد والجماعات, فالنتيجة تكون بحجم الديباجة الممهدة لها, كلما كانت الأفعال جسيمة والتضحيات كبيرة, كانت النتائج موازية للمقدمة, وأغلب تلك المقدمات التي تعطي استنتاجات فائقة, قوامها استنهاض الأمم والشعوب, وتحريك الوعي الجمعي للمجتمع, لتحقيق أهداف الحراك, لاسيما الذي يسعى للإصلاح.

المتتبع لكل الحركات الإصلاحية العالمية؛ يجدها إفرازات اضطرارية لما يؤول إليه وضع المجتمعات, بتفشي الاضطهاد والقتل بعد تسلط الظلمة والطواغيت على المقدرات, ونهب الثروات واستنزاف قوت الأمة, ما يؤدي إلى انحراف خط القيم والأخلاق وسلوكيات الأشخاص, الأمر الذي ينتج انحراف للأفكار والعقائد, وتغييب للحقائق التي من اجلها نزلت الرسالات السماوية, فالإسلام جاء متتبعاً الأديان السابقة, والساعي لبناء المجتمع والجماعة الصالحة.

حيث وجد الأمم تتصارع فيما بينها, فمنهم يمضي لإتمام ما وجدوا عليه, وفق قوله تعالى: “قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا” ومنهم من يعتنق كل ما هو الجديد, وهذه حالة الصيرورة المستمرة في كل الأمم والمجتمعات, لذا فأن حركة الإمام الحسين “عليه السلام” كانت مبنية على استكمال خطوات الدين الإسلامي, كون الإمامة هي نص ألهي: “وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا”.

وبما إن الإمامة؛ هي مقدمة فعل الجعل الإلهي, فأخذ الائمة “عليهم السلام” على عاتقهم مهمة الإصلاح, كونه اساساً نص ألهي: “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إني جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً* قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ* قَالَ إني أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ”، فالإصلاح جاء بالضد من الفساد في الأرض, الذي توقعته الملائكة بفعل البشر.

والإصلاح لا يتحقق إلا على أيادي الخلفاء في الأرض, وهم الأئمة “عليهم السلام” كونهم قادة الإصلاح في الأمة, كما جاء بقوله تعالى: “وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ”, وهم بأيدهم التغيير لتحقيق أهداف صيرورة الإنسان في الأرض, كقوله تعالى: “وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ”.

فنهضة الإمام الحسين؛ انطلقت بعدما تجاوز السيل الزبى, من الظلم والجور والانحراف والانحدار, وبنفس الأفعال سيكون حال الأمم في كل زمان ومكان, لاسيما الأمة الإسلام, لذلك تجد الصراع بين دعاة الجور, وبين الساعين لبناء الدولة العادلة على أوجه, فيشكل الاخلاص عاملاً مهماً في استنهاض وعي الأمة, مقابل الانحراف بسبب تغليب العنصر القبلي والحزبي داخل المجتمع, وتخلي المجتمع عن القانون الإلهي.

فيحتم على قائد الإصلاح الحقيقي الإمام المهدي؛ التحرك الثوري ضد الظلم والظالمين, وفق العوامل المتاحة, بعد استكمال مقومات الانتصار, وأهمها؛ شعور الأمة بضرورة التحرك من اجل إحقاق الحق, ودحر الطغاة, وزيادة نسبة الوعي المجتمعي باستكمال أدوات النصر البشرية, المتمثلة بالمؤمنين بالعقيدة الإلهية, وتشبثهم بالمُثل العليا في تطبيق الشريعة على الأرض.