23 ديسمبر، 2024 9:16 ص

مفردات و مصطلحات من قاموس السياسة العراقية المعاصرة

مفردات و مصطلحات من قاموس السياسة العراقية المعاصرة

1-  الزعل
من الأمور التي أعتدنا عليها في السنوات العشرة الأخيرة ان المسؤول عندنا وعندما تقع بعض الأحداث التي لاتلائم مزاجه  فانه سرعان ما ” يزعل ” ويترك مقرعمله مخلفا من ينوب عنه من وكيل أو معاون أو غيره  لتمشية بعض الأمور التي تدخل ضمن صلاحياتهم وتاركا المسائل الملحة والجوهرية  والمصيرية والتي تتطلب توقيعه حصرا معلقة الى اشعار آخر لأن جنابه ” زعلان “. و دواعي الزعل كثيرة وأهمها وهو الأغلب عادة فهو لغرض عقد صفقات مشبوهة بعيدة عن عيون الرقباء, والثاني هو الأشتياق الى الوطن الأم الذي يحمل جنسيته الثانية , والثالث  عندما يكون الجو مغبرا أو معكرا لصفو مزاجه ,أما مواطن ” الزعل ” فهي كالمعتاد اما بلاد المنفى و التي أفنى فيها زهرة شبابه مناضلا فيها, أو بلدان السمسرة . أما فترة الزعل فهي غير محددة وعادة ما تتبع مزاج المسؤول.
2 – الشبح والشبحية 
معروف عندنا انه من الأمور الصعبة بل والمستحيلة مقابلة السياسي أو المسؤول عند محاولة طرح مشكلة أمامه لأنه لايتواجد أصلا في مقر عمله , لانشغاله في اجتماعات طارئة ومهمة على مدار أربع وعشرين ساعة لذا فهو في اختفاء دائم. وهذا المسؤول الشبحي يستنزف جزءا ضخما من ميزانية الدولة من راتبه وراتب حاشيته ومرافقيه وأفراد حمايته ومخصصاتهم ومنافعهم الأجتماعية اضافة الى مخصصات سفره وتنقلاته وايفاداته وغيرها. لكن بالأمكان رؤية ذلك الشبح عندما يطلق تصريحات نارية عبراللقاءات التي تجريها الفضائيات معه. كما أنه لايفوت فرصة عقد الصفقات الدسمة. لكننا لانتمكن من رؤيته عند حدوث المشاكل أو الأزمات أو عند صدور أمر بالقاء القبض عليه. أي أن له حضور قوي وفاعل اعلاميا ومخصصاتيا وصفقاتيا بينما هو مختف وشبحي فعليا وأزماتيا وقضائيا.
3- اللحس
المسؤول عندنا كثير التصريحات بشكل لافت للنظر, ومما يثير الدهشة ان تلك التصريحات عادة ما تكون نارية وتثير زوابع عنيفة وتطير الفيلة كما هو التشبيه الدارج محليا ,والتي عادة ما يلحسها صاحبها فيتم نسيانها بعد فترة من الزمن. فتصريحات مثل ” تصدير الكهرباء ” و” حصة الشعب من النفط” و”القضاء على الارهاب وتوفير الأمن ” و” تحسين مفردات البطاقة التموينية ” وغيرها قد تم لحسها من قبل أصحابها بعد أن تؤدي الغرض المقصود منها وهو الهاء الناس وتخديرهم أو لغرض الدعاية الأنتخابية , ليتم بعدها التعتيم عليها اعلاميا وتناسيها عن عمد . واللحس يعني هنا ان المسؤول الذي يطلق مثل تلك التصريحات لا يقوم بتبريرأقواله أو شرح وجهة نظره بعد عدم تحقيقها , بل يتصرف وكأنه لم يصرح بها أساسا , أي كأن الناس مصابين بهلوسات سمعية.  
4- القبائل الوزارية
من الأمور التي اعتدنا عليها ان المسؤول عندنا بعد تسميته وزيرا يقوم بتعيين أشخاص مقربين اليه في وزارته , مثل أولاده واخوانه وأبناء اخوانه وأبناء أخواته وأعمامه وأخواله وأبناء الأعمام وأبناء الأخوال وعائلة وأقارب الزوجة الدائمة والمنقطعة و أبناء القبيلة ومن المحسوبين عليه طائفيا وحزبيا لتصبح الوزارة مضربا من مضارب القبيلة التي ينتمي اليها الوزير المعني. لذا أصبح شائعا لدينا في العقد ألأخير أن نرى قبيلة التجارة وقبيلة النفط وقبيلة الخارجية وقبيلة التعليم العالي وقبيلة الكهرباء وقبيلة الثقافة  وقبيلة الزراعة وقبيلة الصناعة وغيرها من القبائل الوزارية أو الوزارات القبلية.
5- المنطقة الخضراء والمنطقة الحمراء
– المنطقة الخضراء
هي منطقة صغيرة جدا تكاد أن لايكون لها أثر على الخارطة فهي لاتتجاوز بضعة كيلومترات مربعة, وهي محصنة تحصينا شديدا . سميت بالخضراء لأن أرضها مخضرة وجوها عليل وهواءها نقي وتنتشر فيها الحدائق الغناء. الحياة فيها مثالية فاقت في مثاليتها كل المدن الفاضلة أو اليوتيبات التي كتب عنها افلاطون والفارابي وروجرمور وغيرهم. فأهلها يعيشون في بذخ وصفو مزاجهم لاتعكره مشاغل وهموم الناس اليومية. وسكانها لا يشكلون أكثر من عشرة في المليون من مجمل سكان البلد رغم استهلاكهم لأكثر من تسعين في المئة  من ميزانية الدولة فرواتبهم ضخمة جدا وخزينة الدولة تحت تصرفهم يتلاعبون بها كيف يشاؤون دون رقيب ودون ملاحقات قانونية أو قضائية ,وهم يمتلكون أرصدة ضخمة في البنوك تزداد يوما بعد يوم. ولهم حصانة دبلوماسية ضد القانون وضد القضاء حتى ولوارتكبوا مخالفات قانونية . وامكانات الدولة مسخرة لخدمتهم والخدمات متوفرة لهم على مدار الساعة الأساسية منها والترفيهية. لهم حق السكن وحق التملك حسب رغبتهم وأين ما يريدون . وهم آمنون لا تزعجهم السيارات المفخخة ولا الأحزمة الناسفة ولا العبوات اللاصقة ولاتصلهم الأسلحة الكاتمة للصوت . وسكان هذه المنطقة يحملون جنسيتين عادة وجوازات دبلوماسية دائمة لهم ولعوائلهم وبامكانهم السفر في أي وقت ولأي بلد يشاؤون دون عوائق ودون مضايقات.
 
– المنطقة الحمراء
وتطلق على جميع المناطق المتبقية باستثناء الخضراء. وسميت بالحمراء لأن الدماء تسيل فيها أنهارا, وأهلها تفتك بهم السيارات المفخخة والعبوات اللاصقة والأحزمة الناسفة والأسلحة الكاتمة للصوت والمليشيات وعصابات الخطف والتسليب والأغتيال . وأهلها محرومون من أبسط الخدمات مثل : الكهرباء والماء الصالح للشرب وشبكات صرف المياه. أكثر من خمسهم يعيش تحت خط الفقرأما البقية فالغالبية هم من الفقراء والمعدمين والجياع والمرضى والعجزة والأرامل والأيتام والسجناء والعاطلين والكسبة وذوي الدخل المحدود.تنتشر بين أطفالهم  الأمراض و الجوع وكذلك الأمية لأنهم لايستطيعون الذهاب للمدارس بسبب الفقر. يتم فرزهم في مناطق سكناهم حسب هويتهم القومية والمذهبية , وتفصل بينهم حواجز كونكريتية . عادة يحملون جنسية واحدة وأحكام القضاء تطالهم  حتى ولو كانت ظالمة بحقهم فهم لا يمتلكون الحصانة ضدها . غالبيتهم يترقبون باستمرارأية زيادة في الرواتب أو تحسن ولو بسيط في مفردات البطاقة التموينية , ونسبة لابأس بها منهم يعيشون في بيوت من الصفيح أو في المقابر, ويأكلون ما تجود به المزابل.       
6- القفزة الدبلوماسية
السياسي العراقي يحمل جنسيتين في العادة , واحدة تخوله تسنم منصب سياسي والثانية تمكنه من الحركة والتنقل في العالم بمطلق الحرية . لذا عندما تحوم حوله الشبهات ويضيق عليه الخناق أو عند اصدار مذكرة اعتقال بحقه فأنه سرعان ما ” يقفز” للبلد الذي يحمل جنسيته الثانية , وهذه القفزة تكون بالعادة بكل رشاقة وسلاسة وانسيابية بدون تعقيدات قضائية أو اجراءات تفتيشية أو أية عراقيل أخرى في المطار أو المنافذ الحدودية الأخرى ومن الطبيعي أن يصحب تلك القفزة ما خف حمله وغلا ثمنه , كما أنها تكون محصنة دبلوماسيا وتباركها الدولة التي يحملها جنسيتها . لكن القفزة تلك لاتمنع صاحبها من التمتع برواتبه ورواتب حاشيته وجميع الأمتيازات التي كان يتمتع بها قبل القفزة طوال حياته حتى ولو صدرت بحقه أحكام قضائية.
7- مولاي
في الأعراف الدبلوماسية هناك ألقاب تطلق على الملوك والحكام والقادة وأصحاب المناصب الرفيعة. فنسمع مثلا ” جلالة ” و” سمو ” و” نيافة ” و” سيادة ” و ” دولة ” و ” فخامة ” و ” معالي ” و” باشا ” و” عطوفة ” و” سعادة ” و “جناب ” و” حضرة ” , وفي المنظومة الشيوعية وكذلك البعثية  هناك ” رفيق ” و ” زميل ” وغير ذلك من الألقاب المتداولة في الأوساط الدبلوماسية . لكن في العراق المعاصر تم ابتداع لقب دبلوماسي حديث وخطير ليس له مثيل في الأوساط الدبلوماسية ويشكل سابقة في العرف الدبلوماسي وهو لقب ” مولاي “. ومولاي هذا يتبؤ منصبا سياسيا رفيعا . وهو اما أن يكون في اللباس المدني الرسمي أو بلباس رجل الدين المعمم وبلحية خفيفة وجبهة مكوية , وتبدو على سحنته مظاهر الخشوع والتدين المفرط وآثار صلاة التهجد . كما انه يتختم بخاتم عقيق ويسبح بسبحة سندلوس. ودائما ما يستشهد في كلامه بالقرآن الكريم والأحاديث الشريفة . وهو لا يتوانى عن حضور المناسبات الدينية واللطم ان اقتضى الحال. كما انه يحج سنويا ويعتمر عدة مرات في السنة وعلى حساب الدولة. مولاي هذا يسكن المنطقة الخضراء أو في قصور منيفة ويركب سيارة مصفحة ومظللة الزجاج ضمن طابور طويل من السيارات المصفحة ويحرسه أشخاص مدججون بالسلاح لأنه يخاف على حياته التي كرسها لخدمة الشعب. ومولاي لايسأل عن مفردات البطاقة التموينية  فهو يكتفي براتبه ومخصصات الحماية والحاشية والمنافع الاجتماعية ومخصصات النقل والايفادات والعمولات والصفقات والاختلاسات فقط لاغير, لذا فمفردات البطاقة التموينية بالنسبة اليه بطرا وتبذيرا وهو يحرم على نفسه أخذها شرعا. ورغم كل هذه الأموال الضخمة فمولاي زاهد في حياته لأن هذه الأموال فرضت عليه عنوة ولم يطالب بها أساسا وهو دوما يحض في تصريحاته أو خطبه العباد على ترك ملذات الدنيا وزينتها فهي فانية وتنقص من ثواب الآخرة .ومولاي له حصانة دبلوماسية تبيح له أن يفعل ما يشاء وأن يختلس ما يشاء دون أن يطاله القضاء. وهو يحمل جنسيتين مختلفتين وله جواز دبلوماسي له ولأفراد عائلته على مدى الحياة ويستطيع التنقل بين جميع أقطار العالم دون عراقيل متى ما شاء وحسب ما يمليه عليه الواجب الشرعي. مولاي له من المنصب اسمه فقط فهو لايتجشم عناء الحضور وأداء عمله بل يكتفي بما يمنحه المنصب له من مكاسب مادية . وهو ثابت في منصبه حتى وان تغيرت الحكومة . ومولاي هذا لا يملك من حطام الدنيا الا أرصدة ضخمة وأملاك وعقارات في الداخل والخارج لا يعلمها الا الله والراسخون في العلم .
8- الطماطمية
هذا المصطلح يطلق وحسب المثل العراقي الشائع على الشيء الذي أينما وضع فانه يتلاءم مع وضعه الجديد, وعلى الشخص الذي يجيد كل شيء وماهر في كل شيء ويتأقلم مع كل الأوضاع ومع كل الظروف. وهذا ينطبق بالذات على ساستنا. فعلى العكس من الساسة في العالم كله حيث ان واحدهم يمارس المجال الذي اختص فيه  نجد السياسي عندنا يحترف كل شيء باتقان ومهارة  حتى ولو كان بعيدا عن اختصاصه ويتنقل بين كل الأختصاصات باختلافها وكأنه لا أحد يجيدها غيره. فعلى سبيل المثال ليس غريبا أن وزير الداخلية يصبح وزيرا للمالية أو أن وزيرالدفاع يصبح وزيرا للثقافة أو وزيرالتربية يصبح وزيرا للتجارة , وهكذا لا نستغرب أن نسمع يوما أن وزير التعليم العالي يصبح وزيرا للصحة أو أن وزيرالعدل يصبح وزيرا للزراعة أو أن يصبح وزير الرياضة وزيرا للنفط. وهناك مجال آخر تنطبق عليه الطماطمية . فساستنا يجيدون التشقلب على الحبال. والحبال مقصود بها هنا هي الكتل السياسية والقوائم الأنتخابية. فأصبح شائعا عندنا أن نرى مرشحا عن قائمة انتخابية في دورة انتخابية معينة يخوض الانتخابات التي تليها عن قائمة أو عن كتلة آخرى تناقضها في الأهداف والمصالح والمعتقدات , فليست هناك ثوابت في عرفهم  فكل شيء جائز وكل شيء ممكن حسب مبدأ الطماطمية .
9- الفضائح في خدمة السياسة
من الأمور المسلم بها في الأعراف الدبلوماسية وفي العالم أجمع ان السياسي ومهما كان تاريخه مشرفا ونشاطه حافلا ومهما كان ثراؤه ونفوذه فان  ارتكاب الفضائح ومن
أية نوع سواء كانت مالية أو أخلاقية  معناه اعلان موته المهني ونهاية مسيرته السياسية الا عندنا في العراق المعاصر حيث العكس تماما , أي ان المجد والأرتقاء عادة ما يتبع الفضائح المالية والأخلاقية . فالساسة عندنا صغيرهم وكبيرهم متورطون في فضائح تختلف في حجمها وحدتها وخطورتها بين الواحدة والأخرى ومع هذا تراهم يزداد نفوذهم وتزداد سطوتهم يوما بعد يوم رغم تلك الفضائح. فكل واحد منهم يمسك بملفات فساد الآخرين ويهدد بتلويحها ان شعر أن أحدهم يهم بتهديده أو تلويث سمعته وبذلك يبقى الكل في مناصبهم وتستمر رغم الفضائح المدوية وكأن شيئا لم يكن . وبهذا كلما ازدادت فضائحهم زادتهم نفوذا وزادتهم ثباتا الى ثبات في كراسيهم .  لذا فساستنا يستمرءون  لعبة الفضائح حيث يتم توظيفها لخدمة المصالح السياسية .واذا رأيت مجموعة من الملفات يلوح بها في الهواء فسارع لسد منافذ أنفك فالروائح النتنة قادمة اليك لامحالة !