أسوأ ما أوصل الشارع العراقي الى الفوضى؛ أن يعيش المواطن؛ تناقض التصريحات، ولا يحصد سوى كم من تراكمات الفشل وتبرير سوء الإدارة، وما أن تُطلق حزمة إصلاحات جديدة؛ فتجد الفاسدين مجتمعين؛ لتفصيل الخروج بوسائل؛ كشعرة من عجين وعلى مقاس ملفاتهم؟!
يعتقد كثيرون أن الإصلاحات نتيجة للتظاهرات، وأن الطبقة السياسية خضعت لمطالب الجماهير؟!
ثمة مواقف لابد من إستدراكها قبل إطلاق الأحكام، وفي أكثر من موقف جُرب المُجرب وفشلت التجربة، وأعطيَّ الفرصة فإستغلها لصالحه الشخصي، وإثنى عشر عام، كفيلة بإستيضاح حقيقة معظم الطبقة السياسية؛ إذْ لا نية لها بسماع صوت شعبها، والتراجع بعقلانية، والنظر بجدية لما آل له واقع العراق الخدمي والسياسي والإجتماعي.
نعود قليلاً الى الوراء ونبحث عن بذور الإعتراض على حكومة العبادي، ومن أول يوم كان التشكيك واضحاً والإعتراض بعدم أحقيته، وتنامى فكر الإطاحة بالحكومة، وتأليب الشارع بتحميلها عواقب سابقتها؛ لأجل إسقاطها والدخول في فوضى مجهولة، ويبقى الشارع يدور بالبحث عن مخرج بأغلى الأثمان، وتُنسى ملفات الفساد، ونرضخ لحلول مريرة أيسرها التقسيم، التي يتوقعها معارضو العبادي بأنها ضمانة للعودة، بتحريك أنياب الوكالة المغروسة بجسد الدولة، وتصعيد خطاب طائفي، لإختصار طرق الوصول الى الكرسي؟!
تلك الأصوات بدأت ترفض التظاهرات، بعد أن فشلت في ركوب موجتها، وترى إستمرارها سيزيد من المطالب بالمحاكمات وفضح الفاسدين، وها هي تعود من نفق آخر وتتهم العبادي بعدم جدية الإصلاحات، وتشبهه بالضعف، وتشير بطرق آخرى عن عدم تطبيق الإصلاحات؛ بالقول أن فلان يمارس عمله الرسمي وتحت نفس المسمى، وأن الرواتب لم تخفض، وتلك الدولة تعترض على هذا وتدعم ذاك، وهكذا حملة كبيرة من التشكيك والإعتراض المبطن.
إن نفس الأصوات الممانعة للإصلاحات، تدرك جيداً أن تصاعد وتيرة التظاهر؛ سوف يجر الحكومة الى إجراءات صارمة وقرارات واضحة، وليس بعيد أن يتحول تلميح العبادي الى تصريح بالأسماء؛ إستجابة لرغبة الشارع، ويُطاح بالرؤوس الكبيرة بسبب ممانعتها ومسكلها لملفات خطيرة، وبذلك ظهرت أصوات تطالب بتوقف التظاهر والإكتفاء بهذا القدر من الإصلاحات، رغم التحذيرات من إنفجار الشارع بمطالب لا تنتظر التأجيل والممالطلة والتسويف.
ما تزال بعض الأصوات السياسية، تسلك طرق ملتوية للدفاع عن فسادها، وتعتقد أن قدرتها قائمة، وتسطيع إسكات الشارع بحدٍّ يضمن عدم محاسبتها.
مفردات الحياة اليومية العراقية: إرهاب، فقر، بطالة، جوع، تشريد، تهجير، نزوح، هجرة، والقائمة تطول لتتدخل في يوميات مواطن يعيش على القمامة، وساكن بيت صفيح لا يتمنى أن يطول الصيف، ويأمل هذا العام أن لا يأتي الشتاء، كل هذا وذاك لا يمكن الخلاص منه بصورة جذرية؛ دون أن تقلع رؤوس كبيرة إمتطاها الفساد، ورسم لها خارطة تهديم وطن، بمعاول بكماء لا تسمع صراخ ضحيتها؟