قبل ايام اطلق رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتانياهو تصريحا مثيرا للسخرية والاستنكار في آن معا حيث اتهم مفتي القدس أمين الحسيني بأنه قام بتحريض هتلر على ابادة يهود أوروبا فيما يعرف بالمحرقة الشهيرة Holocaust . وتسارعت ردود الافعال العالمية المضادة للتصريح حيث خرج بعضها من قلب اسرائيل الذين لاموا نتانياهو لسعيه لقلب الوقائع لاسيما وانه ابن لمؤرخ معروف في الاوساط الصهيونية كما ان ناطقا باسم انجيلا ميركل استنكر الادعاء مؤكدا بأن المانيا النازية متمثلة بشخص هتلر هي المسؤولة عن المحرقة التي حتى وإن صدقناها ، نتحفظ على عدد ضحاياها التي تقدرها اسرائيل بستة ملايين فرد ، لأكثر من سبب !
وفيما يلي نورد بعض المعطيات التي تبعد الشبهة عن مفتي القدس المفترى عليه وهي كما يلي :
اولا : ان معاداة هتلر لليهود قديمة العهد ترجع الى بدايات العشرينيات من القرن الماضي فقد حمّل هتلر اليهود الساميين تبعات هزيمة المانيا خلال الحرب العالمية الاولى مفصحا عن معاداته لهم في اكثر من مناسبة . وقد تجلى ذلك العداء عبر كتابه الشهير ( كفاحي ) الذي الـّفه سنة 1923 حين كان في السجن بعد اتهامه بالخيانة ابان أحداث ( صالة البيرة ) الصاخبة إذ تنبأ في الكتاب بضرورة قيام حرب اخرى ” يباد فيها الجنس السامي اليهودي المقيم في المانيا “.
ثانيا : منذ تسنم هتلر رئاسة الحزب النازي في 1933 ولغاية اندلاع الحرب العالمية الثانية واجراءات التطهير الآري كانت على قدم وساق وبشتى الطرق والاساليب . فقد اقيم اول معسكرات الاعتقال في مارس (آذار ) 1933 بمدينة ميونيخ وكان الشيوعيون في طليعة ضحايا الحملات النازية التي استمرت لغاية عام الحرب العالمية الثانية حيث تعرض
ضحايا حملات التطهير ، بمن فيهم من الغجر ، الى شتى صنوف التعذيب والابادة ما هيأ لفكرة الابادة الجماعية .
ثالثا : لا يختلف اثنان على معاداة مفتي القدس لليهود الصهاينة فقد كان من الطبيعي ان يعدهم كيانات غاصبة لوطنه فلسطين . لكن ان يوحي لزعيم كهتلر بفكرة ابادتهم فهو امر مستبعد .في كتابه ( كفاحي ) قدم هتلر القرود على العرب في المكانة من واقع نظرته الاستعلائية المتمثلة بإيمانه بالعنصر الجرماني الآري ( السوبر ) فكيف له ان يتبع مشورة
رجل سياسة عربي وهو يحتقر العرب في دخيلته ؟ !
موقف مؤلم وطريف
ليست هي المرة الأولى التي يساء فيها فهم مفتي القدس او يفترى عليه اذ يروي الكاتب خالد خلف داخل عن موقع احرار العراق الواقعة المؤلمة والطريفة التي حصلت لمفتي القدس حيث يقول :” الحاج امين محمد طاهر الحسيني زعيم فلسطين السياسي في عصره ولد في القدس سنة 1893 وتعلم بها ، وكان أول من نبه الى خطر الهجرة اليهودية الى فلسطين . وعندما جاء جورج ارثر بلفور وزير خارجية بريطانيا وهذا هو الذي أعطى عهدا لليهود لاقامة وطن لهم في فلسطين سمي وعد بلفور ،فعندما جاء الأخير سنة 1917 ومعه المندوب السامي البريطاني لزيارة الحرم القدسي الشريف منعهما الحاج امين الحسيني من الدخول ووقف عند عضادة الباب غير خائف ولا وجل ما اضطر بلفور ومن معه للرجوع وعدم اتمام الزيارة المقررة ..
شارك الحاج الحسني في كثير من الاجتماعات والمؤتمرات وزار الكثير من البلاد ولعل زيارته للعراق هي الأكثر، فقد بدأت منذ العهد العثماني في العراق عندما كان يقوم بزيارة ابن عمه جمال الحسيني لمّا كان متصرفا للواء المنتفك (الناصرية) في العهد العثماني، وأول زيارة له بعد جلاء العثمانيين من العراق كانت في العهد الوطني سنة 1922، وقد استقبله الملك الملك فيصل الأول، وكان الغرض من زيارته الحصول على هبة مالية لترميم المسجد الأقصى، وقد قدم له ملك العراق باسم المملكة
العراقية مساعدة مالية كبيرة.ووجه الحاج امين الحسيني سؤالا للملك فيصل من باستطاعته أن يقدم هكذا مساعدة للمسجد الأقصى فأجابه الملك فيصل الأول هو الشيخ خزعل امير المحمرة، فقال له اكتب لي كتابا له توضح له الغاية من تلك الزيارة فارسل الملك فيصل الاول رسالة الى الشيخ خزعل يوصيه بالرجل خيرا .وقد غلفت الرسالة واعطيت الى حاملها وقد اوصى رستم حيدر رئيس الديوان الملكي الحاج الحسيني بأن يسلم الرسالة الى سليمان فيضي معتمد أمارة المحمرة، فلما وصل الوفد الفلسطيني وسأل المفتي عن سليمان فيضي وجده خارج المحمرة فاضطر الى ان يطلب مقابلة الشيخ خزعل نفسه، وساق الحظ له موظفا في القصر أدمن على تناول الأفيون (الحشيشة) فسأل المفتي عن هويته، فأبرز له بطاقته وقرأها الموظف ثم وضعها في جيبه كأنه استوعب اسم صاحبها، ثم ذهب الى الشيخ خزعل وأخبره بأن رجلين ملتحيين يتزينان بالعمامة والجبة قد حلا ضيفين في القصر، وان احدهما يدعي انه مغني فلسطين، فضحك الشيخ خزعل وقال بلّغ هذا المغني اننا تركنا سماع المطربات والغانيات منذ زمن بعيد، فليس بنا حاجة الى غناء المعممين. إدفع لهم ألف روبية، واعتذر عن المقابلة، عاد الموظف الحشاش الى الحاج امين الحسيني، وقدم له المبلغ وبلغه اعتذار الشيخ خزعل عن مقابلتهما، فاستشاط الحاج الحسيني غيظا، وألقى بالمال على الأرض، وقال: ما جئنا متسولين، وحمل هو ورفيقه أمتعتهما وغادرا القصر.
يذكر سليمان فيضي فيقول: ” التقيت بالمفتي في البصرة بعد عودته من المحمرة، فاخبرني بالحكاية وهو منزعج غاضب، وسلمني الكتاب الذي ارسله الى رستم حيدر رئيس الديوان الملكي وبداخله كتاب من جلالة الملك فيصل الى الشيخ خزعل فلما عدت الى المحمرة قدمت رسالة الملك فيصل الى الشيخ خزعل فتألم الشيخ حين علم بحقيقة الأمر، وقال: هل تصدق اني اقابل هذا الرجل المحترم بالاستخفاف المشين؟! لو كنت عالما بحقيقته! لعن الله الحشيش! “
وتدارك الشيخ خزعل الأمر واعطاني تسعة الاف روبية لإرسالها الى المفتي، وكلفني بكتابه رسالة اعتذر اليه، وارسل كتابا فيه توصية الى الشيخ مبارك الصباح امير الكويت ليقوم بدوره بمساعدة المفتي وإكرامه.