22 ديسمبر، 2024 11:00 م

مفاوضات فينا … صمود يستحق الإحترام

مفاوضات فينا … صمود يستحق الإحترام

لاشك ان الاتفاق النووي الايراني مع الدول الغرب يواجه صعوبات الساعات القليلة الأخيرة في فيينا، حيث يحاول كل طرف لي ذراع الطرف الآخر والحصول على أكبر قدر ممكن من التنازلات، ولهذا يتم التمديد تلو الآخر، في ظل تمسك الطرفين بمواقفهما حتى اللحظة الاخيرة . لقد أثبت المفاوض الإيراني الذي صمد سنين طوال في مفاوضات ماراثونية صعبة مع الغرب، حول مشروعه النووي قدرة فائقة وحرفية عالية أنعدم نظيرها لدينا نحن العرب ، الأمر الذي يستحق منا نظرة ملؤها التقدير والاحترام لتلك الامكانيات الدبلوماسية العالية، لانه قدم لنا درسا في فن التفاوض نحتاج الى استيعابه، والتعمق فيه، واستخراج العبر من بين سطوره. وكشف عن صعوبة خديعته، وسعة صبره، وعدم استسلامه للضغوط الغربية، وعدم تقديم تنازلات استراتيجية ضخمة ربما يدفع ثمنها العالم الاسلامي لاحقا. إن جوهر الخلاف الحالي في المفاوضات يكمن في رفع الحظر كليا عن ايران فورا، وعدم فرضه ثانية إلا بقرار من مجلس الامن الدولي مثلما تطالب ايران. أما أميركا وحلفاؤها فهم يرون ان ما هو أهم من التوصل الى اتفاق هو الالتزام الكامل بآليات تطبيقية دون تلكؤ، مع العودة فورا الى العقوبات الاقتصادية وبشكل تلقائي دون الرجوع الى مجلس الامن الدولي في حال حدوث اي تعثر في التطبيق من قبل ايران.وهذا ما لا تريده روسيا والصين اللتان تملكان حق النقض الفيتو كصمام أمان لحليفهما الايراني. لقد أثبت الإيرانيون بما لايقبل الشك بأنهم دهاة ومحنكين يجيدون فن المناورة السياسية التي قلما رأينا لها نظيرا بالعالم وهذه الإمكانية هي جزء من ثقافتهم التي ربما أستمدوها من حياكة السجاد ، فلربما حياكة سجادة واحدة يستغرق ثلاث أو أربع سنوات مما يجعلنا نقف أمام صبر لايطاق وطول بال لا يحتمل . أن مصدر قوة الموقف الايراني والذي لا يمتلكه كل العرب مجتمعين يعود الى عدة عوامل منها إكتفائه الاقتصادي بحكم العامل الجغرافي وخاصة الأمن الغذائي بالاضافة الى تمكنه من امتلاك تكنولوجيا عسكرية وفرت لإيران كل مقومات الحماية الذاتية وخاصة قوة الردع الصاروخية التي ردعت إسرائيل من مهاجمة المنشات النووية الإيرانية مثلما فعلت للمنشات النووية

العراقية والسورية ، وهذان أمران يصعب توفرهما في دول عالمنا العربي بشكل فردي بل وحتى جماعي لسبب بسيط هو ان كل القدرات العربية هي رهن الإرادة الاميركية ، فضلا عن العامل الأهم والمتمثل بولاء الشعب الإيراني لوطنه وعمق انتماؤه الحقيقي لبلده مما يشكل جبهة داخلية متينة لاتخلو أجندة أعداء إيران من الأخذ بنظر الاعتبار قوة وأبعاد تأثير هذا العامل . إن من ينكر هذه الحقائق يفعل ذك إما جهلاً أو إمعانا في حجب الحقيقة. فأكثر هؤلاء لا يفقهون عمق التجربة السياسية الأيرانيه والتي تمتد جذورها لعهود غابرة من الزمن. وأما من يدركون حنكة الدبلوماسية الإيرانية، فهم أجبن من أن يعترفوا للأيرانيين بذلك ولأسباب معروفة ويصرون على التقليل من شأن إنجازاتهم وحضارتهم ويرسمون صورة لأيران يدور شكلها في تسفيه حكم العمائم ( كونها شيعية طبعا ولو كانت هذه العمائم من لون ونوع آخر لأختلف الامر) وان إيران لوحدها مصدر الشر في المنطقة وكأن باقي الانظمة خُلقت من العجينة الملائكية. وبالرغم من تحفظي كمواطن عراقي على بعض السياسات الايرانية في العراق لكني أوجه كل التحية والتقدير للمفاوض الأيراني على ذكائه وصبره وطول نفسه في مواجهة تحالف أكثر دول العالم قوة ونفوذا ورفضه الركوع بالرغم من قساوة العقوبات والحصار المفروض عليه ولعشر سنوات كاملة . ليتنا نحن العراقيين نمتلك ظريفا كظريفهم أو صالحا كصالحهم أو حتى عرقجيا كعرقجيهم ، أو حتى عمامة سياسية بمستوى عمائمهم ، ليت أقدارنا تسوق ألينا نماذج من هذا النوع من الوعي والوطنية المفرطة ، ليت الحثالات التي أبتلينا بها تتعلم درساً من التجربة الأيرانية، ولكني أشك كثيرا في ذلك، فسياسيينا يفضلون العيش في الأوهام وتحقيق إنجازات خيالية ولا يملكون فضائل العقلانية والصبر الجميل والإصرار على الحقوق والدفاع المستميت عن قضايا الوطن العادلة. ولو نظرت لمن يفاوضون بإسمنا وقارنت كفاءاتهم وحنكتهم وشخصياتهم مع شخصيات أيرانية كالتي أسلفت لأُصبت بالكآبة ولعرفت حق المعرفة بعض أسباب تراجعنا و تخلفنا المُزمن وفشلنا المُخجل منذ أكثر من عشر سنوات لأن من أبتلينا بهم لا يتقنون على ما يبدو سوى لعبة الفساد والضحك على المواطن والوطن في آن واحد، والتحريض على أبناء جلدتنا من بني وطننا بحجة الطائفة حتى أصبحنا خارج التاريخ بفضل هؤلاء الحمقى الذين جلبوا لنا ألوان العار والشنار.

بقي ان نقول إن اجتماعات الساعات الأخيرة المقبلة حتى مساء الاثنين ستكون حاسمة ولكن الشيء الوحيد المؤكد ان جميع الأطراف عازمة على الخروج بأتفاق يرضي الجميع ، لأنه لا بديل عن ذلك سوى المواجهة العسكرية، وأعتقد إنه أمر مستبعد لعد أسباب منها ما يتعلق بالجانب الاقتصادي المرتبط بالكلفة الباهظة للحرب و نتائجها غير المضمونة، فضلا عن أن الشرق الاوسط الساخن لا يحتمل المزيد من المشاكل التي تزيد من درجة حرارته ، بالاضافة الى اعتبارات عديدة أخرى أرغمت واشنطن ومن يقف خلفها على الجلوس مضطرة أمام ايران في مفاوضات لا نظير لها في التاريخ.