23 ديسمبر، 2024 4:21 م

مفاهيم سيئة السمعة (3) ثوابت الإسلام

مفاهيم سيئة السمعة (3) ثوابت الإسلام

بدايةً أتمنى أن يؤخذ العنوان بحسن نية تماماً، فالمقصود ليس أنه لا يجب أن يكون ثمة ثوابت في الإسلام يعلمها المسلم ويلتزم بها، أو رفض وجودها في حياته بالمرة، بل المقصود هو محاولة ضبط هذه الجملة بالذات، لأنها جد فضفاضة، ولأن عدم ضبطها سيخلق إشكاليات خطيرة في المجتمعات الإسلامية، بل وفي العالم بأسره.

أقول هذا لأن القائمة قد تطول جداً في مسألة تحديد ثوابت الإسلام، التي يُعد الخروج عليها كفراً يترتب عليه ما يترتب، من قمع للإختلاف، والحيلولة دون توسيع دائرة الاجتهاد لمواءمة الدين مع العصر، وصولاً إلى هدر الحق في الحياة للمخالف لهذه الثوابت، كما أعتقد أنني ملتزمة بالقول، إن من يطيل تلك القائمة، يفعل ذلك من منطلق مخاوفه، وهي مخاوف تجدها في فكر الجماعات الإسلامية، التي نالها بالذات الكثير من الاضطهاد على يد حكام ديكتاتوريين في العالم كله، بدءًا من بعض الدول الشيوعية، التي راقبت المسلمين وحدّت من ممارستهم لشؤون دينهم، أو حتى بدول ترفع شعار الإسلام كبعض الدول العربية، ومنطلق هذه المخاوف، كان هو الحفاظ على الهوية الدينية، وعلى الإسلام في ذاته من المساس به.

وعودةً إلى الموضوع، فإن تيارات إسلامية كثيرة على الساحة، تختلف اليوم في تحديد المقصود بـ “ثوابت الإسلام”، التي لا يجب أبداً التشكيك فيها، ولا حتى مجرد النقاش حولها، وذلك على النحو التالي:

ثمة من يحصر ثوابت الإسلام اليوم، في وجوب عمل المسلم بالقرآن فقط واستثناء السنُة من ذلك، وهي طائفة تسمي نفسها باسم القرآنيون، وذلك بسبب اضطراب مؤسسة الحديث النبوي، ولكون أن معظم الأحاديث قد وضِعت بعد وفاة الرسول بعشرات السنين، بسبب ما يرونه تعارضاً ملحوظاً بين تلك الأحاديث وبين ما جاء بالقرآن، واختلاف المسلمين أنفسهم حيالها، بين آخذ بها لإقرار القرآن نفسه بصلاحية النبي في التشريع، وبين رافض لها لعدم ثبوت ذلك لديه، واقتصاره على الأخذ بالأحاديث التي توافق صحيح القرآن فقط.

وثمة فريق آخر يرى أن ثوابت الإسلام إنما تنحصر في عمل المسلم بالقرآن والسنة معاً، وثالث يرفّع من ذلك، ليكون ليس عمل المسلم فقط بالقرآن والسنة، بل عمل المجتمع برمته، وعمل السياسة والقضاء والاقتصاد والأخلاق والأسرة بهما.

وتطالعك فئة أخرى من علماء المسلمين، اعتبرت توقير الصحابة، وعدم جواز الطعن عليهم من ثوابت الإسلام التي لا تقبل الجدال، وفي هذا إشكال مهم، وهو تعذر ـ إن لم يكن استحالة ـ إعادة قراءة التاريخ

الإسلامي من جديد، وتناول حوادثه الشهيرة بالنقد، وإعادة توصيف أحداث الفتنة وموقعة الجمل وصفين على سبيل المثال، وتناوُل أخطاء الصحابة وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وأخطاء عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وعلي بن أبي طالب … الخ، بوصفهم بشراً غير منزهين، ووفق سياقات ووقائع ذلك الزمن ومجرياته.

وأخطر من هذا عندي، أن ثمة من يُدخل مفهوم موالاة المسلم والتبرُّؤ من الكافر، ضمن منظومة ثوابت الإسلام، وقول كهذا سيستطيل حتماً إلى تحريم عقد صلات ومعاهدات مع غير المسلمين من الغرب والصين واليابان … الخ، ، ومكمن الخطورة هنا أننا سنكون أمام تحريم للتعامل مع منظمات محترمة ومعترف بدورها على الصعيد الحقوقي والإنساني العالميين، كمنظمات الصليب الأحمر، ومنظمة الهيومن رايتس ووتش ومنظمة الشفافية الدولية، وأطباء بلا حدود، ومنظمة الجرين بيس (السلام الأخضر المعنية بالبيئة) والأهم منظمة الأمم المتحدة وملحقاتها، المعنية بالتراث الإنساني والعلوم والصحة والطفولة … الخ.

إن هذا يعني ولا شك، أننا متى قبلنا بمبدأ البراءة من الكفار والولاء للمسلمين وحدهم ضمن ثوابت الإسلام، فستترتب على ذلك مآلات خطيرة جداً، منها قطع للكثير من الصلات الدولية مع هذه المنظمات وغيرها، ووقف لكثير من المعاهدات مع كثير من الدول غير المسلمة (الكافرة)، ومن أهمها معاهدة تحريم الرق، وتحريم العنف ضد النساء، ومعاهدات تسليم المجرمين، ومعاهدات ترسيم الحدود … الخ، ورجحان الاعتداء على أعضاء هذه المنظمات، وهو ما حدث فعلاً بدول كثيرة بالعالم الإسلامي.

وقد حدث هذا بشكل متواتر كما بالباكستان، حين هاجمت جماعات إسلامية متطرفة ـ يُعتقد أنها تنتمي لطالبان ـ حملات التطيعم ضد شلل الأطفال بمناطق واسعة هناك، وقتلت الكثير من الأطباء والمتطوعين للحملة, بدعوى أنها حملات تستهدف شل قدرة الأطفال المسلمين على الإنجاب مستقبلاً, عدا عن التبشير بالمسيحية والتجسس على الحركة, ما جعل عشرات الآلاف من أطفال الباكستان يحرمون من تلقي اللقاح، وللتثبت من الموضوع يمكنك معرفة تفاصيل الخبر هنا بالعربية http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2014/03/140301_pakistan_polio_attack.shtml ، علاوة على قيام ذات الحركة ـ طالبان ـ بقطع أصابع بعض الناخبين المشاركين في الانتخابات الرئاسية وانتخابات المجالس الإقليمية في أفغانستان، وللتثبت أنقر هنا http://www.elaph.com/Web/Politics/2009/8/474678.htm ، وفي ليبيا لم تسلم مقار الصليب الأحمر الإغاثية، من هجمات متتالية وعنيدة، يُعتقد أنها لمتطرفين في مصراتة وحدها عدة مرات، ما ترتب عليه تعليق أعمال هذه الجمعيات الإنسانية لمجهوداتها في بنغازي ومصراتة أثناء الحرب، وللتثبت من الخبر أنقر هنا http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2012/08/120805_libya_misrata_redcross.shtml

وثمة تيار إسلامي آخر يُضيف لثوابت الإسلام، مبدأ علوية أمة الإسلام وريادتها على سائر الأمم، بوصفها خير أمة أُخرجت للناس، وهذا المبدأ بالذات من شأنه أن يعرقل أي حوار جاد بين الأديان والحضارات، فالدخول في حوار مع أطراف ما، يستلزم بالضرورة وجود مبدأ الندية بين هذه الأطراف، لا مبدأ اصطفاء أحد تلك الأطراف على غيرها، وإلا لكنا أمام إملاءات واشتراطات لا أمام حوار متكافئ بين أطراف، تسعى للتطبيع بينها على أُسس من المساواة والاعتراف المتبادل، وخلق أجواء من التعاون والاحترام.

وقد انبنى على هذا وجود من يعتبر أن اللغة العربية هي من ثوابت الإسلام، لكونها لغة القرآن ولغة أهل الجنة، وقول كهذا يكرس لفكرة إزدراء اللغات الأخرى لبقية القوميات، وقد يذهب إلى حد اعتبار النص عليها بالدستور فتنة وتجريف للهوية الإسلامية، وهذا بالذات ما حدث بليبيا، حين تدخل مفتي الديار الليبية الدكتور الصادق الغرياني، معتبراً أن دسترة اللغة الأمازيغية فتنة على ليبيا، وللتثبت أنقر هنا https://www.youtube.com/watch?v=IrcYJfKzvaU ، ما أفضى بالفعل لمقاطعة شريحة كبيرة من الأمازيغ لانتخابات هيئة سن الدستور، وقيام البعض منهم بوقف صادرات النفط من ميناء مليتة غربي البلاد, للفت الإنتباه لمطالبهم، حين لم يجدوا أي إصغاء لمطلبهم العادل في دسترة لغتهم الأم، وللتثبت من هذا انقر هنا http://www.qurynanew.com/56687 ، بل ويهدد بعض أمازيغ ليبيا اليوم، بعدم الإعتراف بدستور ليبيا المقبلة، وبتصعيد نشاطهم إلى أقصى حد إن لم يُعترف بلغتهم الأم, وللتثبت من تداعيات هذه الثوابت الدينية بقمع الأمازيغ تحت ذريعة الثوابت الإسلامية انقر هنا /www.alwasat.ly/ar/news/libya/5197/%D8%A3%D9%85%D8%A7%D8%B2http:/-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D9%8A%D8%BA-%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%B7%D8%B9%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A9.htm#.U1VcoPmSyd0%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%AA%D9%8A%D9%86 .

والأهم من هذا وذاك، أن من شأن اعتبار اللغة العربية لغة مقدسة على سائر اللغات، احتكار العربي لتفسير النصوص والأحكام للمسلم غير الناطق بالعربية، والوصاية الفكرية عليه وسنّ أحكام ترهقه وتخالف بيئته وممارسة هيمنة عليه، وإذابة لغته وتفتيتها لصالح العربية وحدها، كما حدث مع دخول الإسلام لشمال أفريقيا،

حيث تعرضت الأمازيغية للتراجع، بل وللضمور في بعض المناطق ومنها ليبيا علاوة على لغات قومية أخرى.

ولعل من أخطر المبادئ التي يقول البعض إنها من ثوابت الإسلام، هي عالمية رسالة الإسلام، والخطر ليس في هذا بحد ذاته، فمن حق أي أحد ـ ومن ذلك المسلمون ـ أن يعتقد بعالمية دينه أو مذهبه أو نظريته، لكن الخوف هو مما ينجم عن ذلك، بما يمكن أن يؤدي إلى استرواح فكرة نشر هذه الرسالة العالمية بالقوة، أي استرواح مبدأ الجهاد في سبيل الله، ولا شك أن مبدأ الجهاد اليوم، ما عاد يُفهم إلا في إطار الإرهاب والتدخل في شؤون الآخرين، فالعالم بات قرية صغيرة، وتكنولوجيا الفضائيات والإنترنت والهاتف النقال، صارت متاحة لعدد لا بأس به من سكان الكوكب، وبوسع كل من يصله الإسلام أن يأخذ منه الموقف الذي يساير قناعته، والإصرار على الجهاد بالقوة لنشر الدين، لن يعود يُفهم من المجتمع الدولي ـ الذي لا نعيش فيه وحدنا ـ إلا كاعتداء سافر على الآخرين يجب إعلان الحرب عليه.

ويدخل في ثوابت الإسلام أيضاً ما يفترضه الشيعة، من عصمة آل البيت، وعدم جواز تناول سيرهم وأعمالهم وأحاديثهم بالطعن والتشكيك، وعدم جواز أخذ الدين وأحكامه إلا منهم وحدهم، دوناً عن بقية الصحابة الذين يأخذ أهل السنة عنهم هذه الأحكام، بل وتجويز سب بعضهم أو بعض أمهات المؤمنين كما يذهب إلى ذلك بعض غُلاة الحوزة الشيعية ، وهذا لا شك هو أحد أسباب الفُرقة بين أكبر طائفتين مسلمتين في العالم الإسلامي, وسبب للإحتراب والتقاتل بينهما اليوم.

خلاصة المسألة، أن مصطلح “ثوابت الإسلام” مصطلح فضفاض وحمّال أوجه، وكل طرف على الساحة متشدداً كان أو منفتحاً في تدينه، يمكنه أن يضع قائمة ضخمة بتلك الثوابت، وهي ثوابت ستُعيق تطور المجتمع الذي تُطبق فيه، وقد تؤثر حتى على الجوار والعالم، وقد بات لازماً الآن ألّا تُترك هذه الكلمة على عواهنها، ليحتكرها رجال الدين والمفسرون للقرآن والسنة، أو لتتلقفها التيارات والأحزاب المتطرفة، بل يجب أن يُصار إلى تدخل المجتمع بكل أطيافه في تحديد المقصود منها، وبيانها على سبيل الحصر لا المثال، وضبط عباراتها وحدودها، وعلى المختصين التصدي بشجاعة للمسألة برمتها، وضبط مفهوم” ثوابت الإسلام” لتقتصر على المعتقدات منه لا المعاملات، فتكون هذه الثوابت هي التوحيد، والإيمان بالأنبياء والرسل، وبالملائكة واليوم الآخر وآداء الطاعات، لا أي شيء آخر عداها، والاتفاق على أن هذه هي ثوابت الإسلام فقط وإلزام الآخرين بها، بموجب قانون أو بموجب الدستور حسب موقف كل بلد من الإسلام، والاحتجاج بالقانون أو الدستور ومترتباته على من يخالف ذلك.
يتبع ….