فعاليات تحسين الانتاجية:
الكايزن بالتطبيق الميداني
لقد تضمنت الخطة السنوية لتخفيض التكاليف ، الصادرة عن احدى الشركات اليابانية النقاط التالية :
* رفع الجاهزية والانتاجية في قسم التصنيع بواقع 10%
* تخفيض التكلفة المباشرة للمواد المصنعة بواسطة تطوير قدرات التصنيع الداخلي
* تخفيض مسارات التوزيع الجغرافي للأنشطة المختلفة : كقطع الغيار والمبيعات
* تنويع المنتجات والتركيز على جودتها (بالحد الأدنى من التكاليف)
* تخفيض تكالبف الاصلاح ( الناتجة عن الشكاوي ) والكفالات ، بواسطة تحسين الانتاج
* رفع الكفاءة والفعالية لدى العاملين والمكائن على حد سواء (كيف؟!)
وبهدف تطبيق هذه التحسينات فقد لجات الشركة المذكورة لتبني تقنيتين هامتين هما : الصيانة الانتاجية الشاملة ، وفعاليات تخفيض الهدر .
سألخص فيما يلي تفاصيل الخطوات المؤدية لتحسين الانتاجية :
* فعاليات الصيانة الانتاجية الشاملة وادارة الانتاجية الشاملة ، حيث تفيد هاتين التقنيتين في التخلص من مصادر الهدر والاجهاد في العمل ، وتعرف الصيانة الانتاجية الشاملة بأنها تلك التي تجعل مشغلا ما ملما تماما بالأجهزة التي يعمل عليها ، وخبيرا بالطرق الكفيلة برفع الكفاءة التشغيلية ، علما بأنه يجب تعميم هذه الطرق لتشمل كافة العاملين بمستوياتهم المختلفة وعلى كافة الصعد.
* الفعاليات المستندة للصفر: وتعني هذه النشاطات التخلص من عناصر الهدر والاجهاد ، وعدم التوازن، وحيث يتطلب ذلك السعي لتحقيق مستوى الصفر في كل من المجالات التالية : حوادث العمل، التوقفات، التخزين، مصادر الهدر الميكانيكي ، عمليات التعديل واعادة العمل ، وباختصار فانه يجب التخلص من كل شيء غير مرغوب فيه . كما يعني هذا المبدأ التقييم والمراجعة والتصحيح ، والسعي الحثيث لاستئصال عناصر الهدر والاجهاد وعدم التوازن من كافة النواحي ، سواء مباشرة او غير مباشرة، ويعني هذا المفهوم ” الاستخدام الأمثل للموارد ” لتحقيق الأهداف ، وكمثال فمن
العبث استخدام رافعة طاقتها عشرين طنا لرفع مادة وزنها خمسة أطنان والعكس صحيح! أما الهدر فقد يشمل هنا ايضا الطاقة البشرية غير المستفاد منها سواء بمستوى التخصص او بوقت العمل ، كما ينطبق ذلك على الحركات الزائدة والتقارير المكررة وكل الأشياء التي لا تضيف قيمة للزبائن .
* الهدر والاجهاد وعدم التوازن: أما الاجهاد فهو عكس الهدر، أي تحقيق الهدر بموارد غير كافية، فمن غير المنطقي مثلا توقع قيام شخص ما برفع طنا او طنين استنادا لقوة عضلاته ، كذلك من غير المنطقي انجاز مشاريع طويلة معقدة في فترة وجيزة مما يخلق اجهادا واخفاقا واحباطا، ويعني عدم التوازن أخيرا عدم التوازن والثباتية او نقص التجانسية في الأداء ، وتنسب لحالتي الهدر والاجهاد معا، ولو تأملنا الكثير من فعالياتنا الانتاجية والخدمية والحكومية لوجدنا الكثير منها يعاني من هذه “الحالة الثلاثية” ، وكأمثلة : الموظف الذي يعمل لساعات اضافية باجهاد وتشتت، والآخر الذي يعمل القليل ويضيع الوقت في القيل والقال، والمشاريع الضخمة التي ينخرها الفساد ولا تجد خطة تطبيق وجدول زمني ملائم، والاختناقات المرورية بدلا من الطرق البديلة، والكفاءآت المجمدة، والرواتب غير المتوازنة ، والتوزيع غير العادل للمخصصات المالية ، والمبالغة بتدريب بعض الكوادر على حساب كوادر اخرى مهملة ، والتفتيش الزائد وكذلك عدم توفر المعلومات، والوقت الضائع لاسترجاعها… كل هذه الأمثلة العملية وغيرها تؤهلنا لامتلاك “عيون جديدة ” تسمح بمراجعة وتقييم كل جهد وعمل والسعي لقياسه ( كقياس كيفية استخدام موجودات الشركة ! ) ، وذلك بغرض التخلص من كل أنواع الهدر والاجهاد وعدم التوازن .
* الانعكاس والمشاركة والتدقيق التتابعي :
تعني هذه المفاهيم الجديدة البحث السببي لجذور المشكلة بغرض ايجاد حلول ناجعة وتتحسينات ملموسة ، انها الاجراءآت الجديدة فبل البدء بالتنفيذ ، كما انه من الضروري اجراء مشاركة “افقية” للخبرات المكتسبة بغرض تعميم الممارسات الناجحة في المؤسسة، كما أن هذا المفهوم يطور عادات التعلم والتطوير داخل المؤسسات العربية، ولا يقتصر التعلم هنا على معرفة خفايا الممارسات الناجحة وانما يشمل الأسباب المنطقية للحلول المطبقة . أما مفهوم التدقيق ” الطبقي ” فيعني اجراء عدة تدقيقات متتابعة لضمان صحة التطبيقات وبناء منهجية عملية للمتابعة بغرض ضمان التحسين وجعله مرئيا ، وبالتالي تحديد جملة الاجراءآت التصحيحية والوقائية اللازمة، والأهم هنا هو ضمان المحافظة على استمرار ية التحسين ومنع العودة للممارسات والعادات القديمة. لا شك أن معظم مؤسساتنا العربية لا تمارس هذه المنهجيات الا بشكل استعراضي مؤقت وعير متكامل، وبغرض تجهيز نفسها لجوائز الجودة والتميز، وليس كقناعة وممارسات مؤسسية !
* كيفية الكتابة الفعالة لتقارير المشاكل وانجاز المشاريع :
لاحظت من خبرتي العملية الطويلة أننا نفتقد حقا لهذه المهارة ، فمعظم المشاكل والمشاريع لا يتم توثيفها بشكل تتابعي فعال ومختصر، بل يتم احيانا استخدام لغة سردية “خشبية” غامضة لا تفيد كثيرا في التقصي الفعال لأسباب المشاكل ولا بتحديد جداول الانجاز، كما ان هناك عشوائية واضحة بطريقة حصر واستخدام الأدوات اللازمة لتحقيق الأهداف: التقارير الفعالة يجب ان تحتوي على النقاط المختصرة التالية: توضيح أسباب المشاكل وجدوى المشاريع وكيفية القياس باستخدام منهجية “من-ماذا-أين ومتى ” / تحويل المشاكل والمشاريع لاجراءآت صغيرة متتابعة، والتعرف على مصادر الهدر/تحديد الأهداف المنشودة بدقة ووضوح / تحليل أسباب المشاكل وخطة انجاز المشروع /تطبيق اجراءآت للحلول العملية /تحليل النتائج المحققة ودرجة المقاربة مع الأهداف الموضوعة / وضع مواصفات للانجاز / تحديد كيفية المحافظة على ديمومة التحسين / مشاركة الانجاز مع الآخرين وتوضيح الخفايا بغرض تعميم الخبرة / توضيح التحديات الجديدة وسبل مواجهتها بفعالية: وانا متأكد تماما أن الكثير من المشاريع والمشاكل المعقدة
سيتم ايجاد حلول ناجعة لها فيما لو تم التقيد بالمنهجيات الموضحة أعلاه ، وريما سننجح بالتخلص من الفشل والاخفاق وحتى الفساد الخفي لو تم اللجؤ لهذه الأساليب التي أثبتت فعاليتها عالميا!
أما السؤال المطروح الان فهو كيفية تحفيز صناعاتنا وخدماتنا ومرافقنا الحكومية لتبني هذه الأنظمة والمفاهيم؟
لا توجد حقا وصفة سحرية ، فكل ما يلزمنا هو احداث تغيير جذري في العقلية ونمط التفكير، بحيث تشمل التغييرات كل العاملين بلا استثناء: ومراعاة عناصر الاخلاص والانتماء في العمل، فعندما يعم الرخاء بالمؤسسة ليشمل كافة العاملين، ولا يتحول فقط لمزايا خاصة بالنخبة من المدراء، ولجيوب المساهمين وحدهم …عندئذ يتحول كل عامل وموظف لانسان حريص حساس لكافة مظاهر الهدر والاجهاد وعدم التوازن، وعندما يسود المنطق على الادعاء وتتغلب السببية على الحماس العاطفي والتحيز، تتحول الكائنات البشرية لكائنات عقلانية تكرس جل وقتها وطاقتها لكشف مصادر الهدر والقضاء عليها، كنا أن مجرد الوعي ليس كافيا هنا بل يتطلب الأمر وضع اجراءآت عملية فعالة لمواجهته جذريا، ويلزم لذلك أساليب غير تقليدية وجريئة وحازمة.