كتبت مقالة على (كتابات) ، عنوانها (أصرخ فيكم ، العراق يضيع) في 8 حزيران عام 2014 ، قبل يوم واحد من دخول داعش للموصل ، إستشرفت فيها ، ان الجيش الحالي ليس أهلا لأي مواجهة مهما صغرت ، لأنه جيش بلا إنتماء ولا عقيدة ، ودافع الفرد العسكري للإنخراط فيه هو الراتب فقط ، وهو بذلك لا يختلف عن المرتزقة ، ولا يوجد قانون عسكري صارم يحكمه ، وبإمكانه التسرب منه ساعة شاء ، لهذا إستنجدت بكل جيوش الأرض (عدا الأمريكان والبريطانيون) ، بدأ من اليابانيين وإنتهاءً بالكولومبيين والهنود ، لإنقاذنا من ضياع البلد ! ، كنت أعلم جيدا ، أن الجيش الذي تأسس في 6 كانون الثاني عام 1921 ، غير الجيش العراقي الحالي تماما ، إن صحّت تسميته جيشا أصلا، فهما مختلفان تماما من ناحية العقيدة والإنتماء والحس الوطني والأمانة وغير ذلك ، فالجيش الأول كان جيشا لا يعرف الهزيمة ، وقد إنقرض وإنتهى تماما منذ كارثة الإنسحاب المُذل من الكويت عام 1991 ، بسبب تسلط الجهلة والطارئين والبعيدين جدا عن الحدود الدنيا من المهنية ، وبُعده التام عن ممارسة أبسط قواعد العلم العسكري نفسيا وتعبويا في الميدان ، أقول ربما كان ذلك مخططا منذ البداية لتفتيته وإضعافه وتدميره وبالتالي ضمان ولاءه للسلطة مذ ذاك ، وتحويله من سورٍ للوطن إلى أداة قمعية لضمان سلامة العروش .
قام المحتل ببناء “ببناء” جيش جديد ، وتوالت صفقات التسليح الفاسدة بالمليارات ، والتي التي لم نجد منها شيئا سوى ما كان متداولا كغنائم بيد داعش عند سقوط أكثر من ثلث البلاد بيدها ! ، بعد أن تنصلت أميركا تماما من معاهدة الإتفاق الإستراتيجي المشترك ، والتي هللت لها حكومة المالكي ! ، ونحن نعلم جيدا أن الحرب الحديثة يحسمها الغطاء الجوي ، فقامت أميركا بتجهيزنا بطائرات حديثة لا تعمل إلا بإذن (البنتاغون) ! ، وأثناء وصول الصفقة ، هُرّبت طائرة أو طائرتان منها إلى كردستان ولا أعلم إن أعيدت لحد الأن أم لا ، في مهزلة لا تحدث حتى عند ملاعب الأطفال ! ، ثم تنصلت أميركا مجددا من إرسال طواقم الصيانة لهذه الطائرات ، بحجة عدم وجود بيئة آمنة لهذه الطواقم بسبب القصف المستمر من قبل الميليشيات ! ، دائرة مغلقة ، أليس كذلك ؟! .
وإلا ما سر مهزلة الحكم لعامين على قائد طيران الجيش ، ومن قبل محكمة مدنية بتهمة “فساد” ، في سابقة مخزية لم يشهدها جيشنا ولا جيوش المنطقة ؟! ، أين دور القانون العسكري الذي يكون شديدا في كل دول العالم والذي سوف يحكم أضعاف هذه المدة ليكون عبرة لغيره ! ، ثم هرب ذلك “القائد” الذي تزين كتفيه نجوم بعدد نجوم السماء من يد القوة التي إعتقلته وهي من قوى الأمن ، وكان الأجدر أن تكون قوة عسكرية ! ، كيف نأتمن جيشا “جديدا” ينخر به قادة برتب “رفيعة” من هذه النماذج ؟! ، لا عتب على الضباط (الدمج) ، ممن ليست لديهم أي معلومات أكاديمية عسكرية ، ماذا نترجى من جيش ، تم تقاسم صنوفه بين الأحزاب والطوائف والقوميات ، وكل يعمل حسب إنتماءه ؟ ، ماذا تتوقعون من جيش ، قادته من البعيدين جدا عن السلك العسكري ، وهو عادة رئيس الوزراء ، فأذلّوه وأهانوه وألحقوا به الهزائم التاريخية ، إما جهلا أو بنية مبيتة ، وأفلتوا من القضاء الكسيح الأعور بل الأعمى ، والذي تغاضى عن جرائم الخيانة فوق العظمى ! ، وفوق كل ذلك ، لا يستطيع مواجهة أي ميليشيا من ميليشيات (الجيش الإنكشاري) المعاصر ! .
عمليا نحن لا نمتلك جيشا ، كونه تأسس على يد محتل ، لأن هذا الجيش ، سيكون واجبه الأول وهو طرد المحتل ، فكيف نتوقع بناء جيش قوي عُدة وعددا ، وعمليا أيضا ، لا توجد لدينا قوى أمن فاعلة ، فجميع حوادث الإغتيالات الكبرى وجرائم الفساد الهائلة ، وغيرها من الجرائم الكبيرة ، قيدت ضد مجهول ، لهذا نراها تتاجر بأخبار سخيفة ، كالقبض على المخمورين ، ومصادرة البضاعة الفاسدة ، وغير ذلك من الهراء الذي لا يعنينا لأنه من واجبهم البديهي ، لكن عندما تحين ساعة الواجب الحقيقي ، يتبخرون بأسرع من رمشة عين ، كما تلاشت حماية الشهيد عبير الخفاجي عند سماعها لأول رصاصة .
إيران (ووكلائها) لا تريد لغريمها القديم أن يقف على قدميه فلقد كان لها دورها في إفراغه من قادته اللامعين والطيارين المرموقين ، الأكراد لا يريدون جيشا قويا يقف حائلا بينهم وبين أطماعهم اللامشروعة في تمردهم وفق سياسة قضم الأراضي فيما يسمى (الأراضي المتنازع عليها) أو إيقاف نزيف المال الهائل دون أي عائد ، وفوق ذلك يملكون سطوة لا أفهمها حقا في صنع القرار في المركز بما يخصهم ، ومن الذي أوعز إلى (البيش مرگة) بتدمير نفق مزعوم لداعش بين ديالى وصلاح الدين ، وبمساعدة من “التحالف لدولي” ؟ ، فمتى يفهم أخواننا الأكراد أن لا يركنوا للدعم الإقليمي ، فالتحالف الدولي لم يُبطئ من تقدم طالبان أفغانستان لو ثانية واحدة ! ، أين الجيش العراقي من هذا كله وهل كان ذلك بعلم وزارة الدفاع المركزية ؟! ، تُركيا لا تريد من يقف بوجهها وهي تصول وتجول في ربوع البلد ، دول الخليج ، لا يزال الثأر يأكلها من عقدة غزو الكويت .
الجيش الذي أسسته أمريكا ، ولّى فرارا من بضعة مئات من الصعاليك على (بيكبات) عند سقوط الموصل ، وفي أفغانستان ، ترك 300 الف مقاتل سلاحه من جيشها المؤسس أمريكيا أيضا ، أزاء 60 الف مقاتل من طالبان في أعلى تقدير ، متى تتبلور لدينا ، فكرة أن الإرتماء في أحضان الغير إقليميا أو دوليا ، هو عار لا يقي صاحبه من إنتقام الزمن ، إنظروا إلى حشود الافغان وهي تتمسك حتى بإطارات طائرات الغزاة الفارّة في مشهد مؤلم للغاية ، لتهرسهم أحياءً أو ليتساقطوا من السماء ، وها هي الهزيمة النكراء الثانية بعد فييتنام ، لأقوى قوة عسكرية على وجه الأرض ، فلا تأخذوا بتبرير سياسييهم على إنه إنسحاب “تكتيكي” ، فهذا ليس سوى محض كذب لأنها وظيفة السياسي ، بل هو هزيمة نكراء جراء مغامرتهم التي كلّفتهم المئات من المليارات ، وخرجت وهي تجر أذيال الهزيمة .
لك الله يا عراق …