اكتب بقلمي هذه المقالة وانا انظر من النافذة الى الشارع الخالي من المارة بسبب شدة برودة الجو حيث وصلت درجة الحرارة الى درجة مئوية دون الصفر وهذا يعني الانجماد التام.. ولكن الحرارة داخل غرفتي طبيعية جدا لوجود مدفأة نفطية توزع الدفىء في كل ارجاء الغرفة الا انني اشعر بغصة حزن تؤلمني وانا افكر بمعيشة من لا يوجد لديهم حيطان تحميهم من هذا البرد القارص..
احزان واهات لكل من يعيش الان ولايستطيع تأمين الدفء لعائلته فبرد هذا الشتاء لا يرحم.. ومازال هناك اناس هدمت دورهم وهم يعيشون الآن في مخيمات لاتقيهم برودة الشتاء مفترشين الارض بفراش خفيف وغير كافي من عزل الرطوبة عن اجساد اطفالهم وهم يصرخون امام اعينهم من ألام في اجسادهم سببها لهم هذه الاجواء المنجمدة…. وكان الله في عونهم…
بعدها ذهبت ذاكرتي الى سنين خوالي عندما كنت اعيش مع عائلتي في احدى قرى جنوب الموصل في ستينات وسبعينات القرن الماضي وما كنا نعانيه في الشتاء من ازمات وقود تدفئة وقلة الوسائل مثل المدافئ وغيرها واتذكر جيدا ذلك الكانون في وسط احد الغرف عندما كنا نحتاجه فنضع بعض الخشب او روث الحيوانات اجلكم الله ونشعل فيه النار وماهي الى دقائق نشعر بدفىء تام ورغم ان النار يرافقها دخان قوي داخل الغرفة الا ان الفائدة تغطي على الضرر…
ولمن لا يعرف ماهو الكانون او الچانون باللهجة الشعبية فهو عبارة عن حفرة داخل الغرفة يعلوها سقف واحد من الحجارة مبنية وملبوخة من الطين ويوضع داخلها الوقود وهو كل ما تيسر من الاخشاب او غيره… واحيانا كنا نستخدم هذا الكانون للطبخ ايضاً.. ولكن مع كل الاجواء التي ما زلت اذكرها من سقوط ثلوج او انجماد في الصباح ومشاهدة الجليد فوق الارض الا ان الطبيعة يبدوا انها كانت رحومة معنا بعض الشيء فلم اتذكر حدوث حالة وفاة نتيجة البرد مثلما نسمع في يومنا هذا…
وعندما دخلت الى قرانا المدافئ او ماكنا نسميها ((الصوبات )) وانواعها المعروفة علاء الدين او دجلة اعتبرنا ان التطور وصل الينا وتحولنا من الچانون الى الصوبة. وكنا نولد النار بطريقة اما الجداحة القديمة وهي تعمل بالنفط الابيض والفتيلة او علبة الشخاط والذي تطور في زماننا الماضي بصناعته الكبريتية واصبح الكبير والصغير والدفتري وغيره من الاشكال والانواع وكنا نقرأ على علبة الشخاط صنع في باكستان وغيرها وكان ممنوعة علينا لأننا صنعنا لعبة جميلة تعتمد على بارود هذه الشخاطة وتسمى ((الطکاگة )) يستخدم فيها ظرف طلقة فارغ يسمى (( قوانه )) مع لا ستيك مع مسمار وما ان نضربها على الارض او على الحجر حتى تصدر اصوات قوية نتيجة اشتعال البارود وانحصاره داخل الظرف الفارغ
ايام مضت وكأنها دقائق وحلاوتها مع مرارتها تبقى خالدة في ذكريات العقول…..وداعا ياذكريات الامس وداعا مع اهلك الطيبين البسطاء… وداعا… وداعا… وداعا…