ولأنَّ الحكومة العراقية هي حديثة الولادة , فسنحيّدها مؤقتاً من هذا الطرح وما يُطرحُ فيه من طروحات .
لعلَّ ابرز المفارقات التي سبقت قيام 18 مقاتلة تركية بعمليات القصف الجوي الأخيرة , هي قدوم رئيس جهاز المخابرات التركية الى بغداد , وذلك قبل 3 أيامٍ من العملية العسكرية التركية الأخيرة , وهنا ومن الناحية النفسية < على الأقل ! > , فمن الصعب التصوّر أنّ المسؤول المخابراتي التركي لم يبلغ الحكومة العراقية بنيّة دولته بضرب او قصف اهدافٍ محصورة ” بحزب العمال الكردي – التركي المسمى BKK اختصاراً لِ ” بارتي كاركاران كردستاني ” , ويؤخذ بنظر الإعتبار أنّ الإعلام الرسمي العراقي لم يُشر حتى بكلمةٍ واحدة عن طبيعة هذا الزائر , ولا حتى بعبارة ” تعزيز العلاقات الثنائية ! ” .
مفارقةٌ أخرى لكنها من صنفٍ ينتمي لعنصرالستراتيجْ , فأنّ 6 قواعد عسكرية بريّة تركية تتواجد في شمال العراق او في اقليم كردستان وقاعدتها الرئيسية في منطقة ” بعشيقة ” , ومنذ سنواتٍ طِوال وطِوال معظم الحكومات العراقية السابقة التي اعقبت او افرزها الإحتلال الامريكي , لكنَّ تلكُنّ الحكومات تعجز عن التحرّك او التطرّق لهذا الوجود التركي في الأراضي العراقية ولو قيد أنملة او حتى اقلّ من ذلك , لكنّه عند او بعدَ هجماتٍ جويةٍ تركية متكررة على تلك الأهداف المشار اليها , فأنّ تصريحات الإدانة والإستنكار الرسمية للحكومات العراقية تكونُ صلياً وبالجملة وليس بالمفرد .!
وفي هذه المرّة , وفي معظم المرّات الأخريات السابقة فأنّ قيادة اقليم كردستان او قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بشكلٍ خاص , فأنها تلتزم او تتظاهر بالصمت تجاه التجاوزات الجوية التركية في الأقليم , لكننا لا نزعم ولا ندّعي أنّ وراءَ ذلك أسباباً عرقِيّةً او ما شابه ذلك من مشتقاتٍ ومفردات ! , بالإضافةِ الى أنّ احتمالات مصالحٍ تركيةٍ خاصة وضيّقة مع الأقليم , فهي واردة .
والى ذلك , فمنذ سنواتٍ قلائل , أشارت الأخبار بشكلٍ مقتضب الى اتفاقٍ ثلاثيٍ بين الحكومة التركية وال BKK وقيادة الأقليم على نقل وما يشابه التهجير لنقل عناصر منتسبي حزب العمال التركي الكردستاني , من جنوب تركيا الى شمال العراق , لكنّ مقاتلي هذا الحزب ما لبثوا أن نقضوا هذا الإتفاق وعاودوا نشاطاتهم الحربية ضد القوات التركية , انطلاقاً من قواعدٍ ترسّخت لهم في اراضي وجبال الأقليم , لكنه من المحال بقاء هؤلاء المقاتلين وعوائلهم واقربائهم في هذه المنطقة من دون دعمٍ لوجستيٍ مكثّف من قادة الأقليم , وبعكسه فأنه تجاوز للمنطق حتى من حدّه الأدنى والمتوسط والأعلى .!
ثُمَّ , وعلى صعيد الإعلام , فطالما او دوماً أن نلحظ بأنّ وسائل الإعلام العراقية وعند ايّ عملية قصفٍ جويٍ تركيٍ في شمال البلاد , فهذا الإعلام يستخدم عبارة : < قصفَ معسكرٍ للاجئين > ودونما ذكر اللاجئين من حزب العمال التركي .! ومع تجاوزٍ او تجاهلٍ للأهداف والأوكار العسكرية وقواعد ومخابئ هذا الحزب مقاتلي والمصنفة عالمياً كمنظمة ارهابية .!
إشارةٌ أخرى قد تجدر الإشارة اليها من بعيدٍ او من قريبٍ في هذا الصدد , فأنّ معظم المرافق السياحية وغير السياحية في الإقليم وفي كلا شَقّيه الطالباني والبرزاني ! فأنها تعجّ وتضجّ بآلافٍ مؤلّفة من اكراد سوريا وايران , ودونما علمٍ من الحكومات المركزية في بغداد , ورغماً عنها شاءت أم أبت , وحتى بتجاوزٍ غريبٍ ومجهول لتشغيل المواطنين الأكراد العراقيين في تلك الأمكنة وسواها بدلاً عنهم .!
الأهمُّ من كلّ ذلك , فكان من السهولة حلّ هذه المعضلة – المزمنة في التواجد العسكري التركي في شمال العراق وخرق سيادته , وذلك عبر دخول قوات من الجيش العراقي للإحاطة وتطويق مناطق تواجد ال BKK في الأراضي العراقية واعتقالهم او تسليمهم للسلطات التركية , وهم ليسوا اصعب من داعش ! , لكنّ ما يحول دون ذلك , فأنّ قيادة الأقليم لا ترفض دخول هكذا قوة عسكرية لكردستان ” حتى ولو بحالةٍ مؤقتة اضطرارية وأمنية ” فحسب , لكنها ترفض ايضا دخول ايّ سيارة شرطة نجدة لتعقّب مجرمين ولا حتى سيارة شرطة مرور من الحكومة المركزية المفترضة في بغداد .!