أفرزت نتائج انتخابات مجلس النواب الأخيرة , التي هي بانتظار المصادقة على نتائجها النهائية لكي تكون الأساس في التحالفات لتشكيل الحكومة الجديدة , عن مجموعة مهمة من المعطيات التي وجدنا من المناسب عرضها على الجمهور , فقد اعتمدت المحافظة كمنطقة انتخابية والقوائم المختلطة (مفتوحة ومغلقة) , وبلغ عدد سكان العراق عند إجراء الانتخابات هو (34794661) مواطن , كما بلغ عدد من يحق لهم التصويت (20437712) ناخب , وقد تم اعتماد البطاقة الإلكترونية للناخب التي تم توزيعها على الناخبين بحيث لا يحق للناخب المشاركة في التصويت ما لم يحمل البطاقة الإلكترونية , وقد اقتربت نسبة البطاقات التي تم توزيعها إلى 85% من عددها الكلي ، وبلغ عدد الأصوات الصحيحة للناخبين (13017765) صوت , وحصدت الكيانات الفائزة منها على (11160479) وتشكل نسبة (85,6%) من مجموع الأصوات الصحيحة وقد بلغ القاسم الانتخابي الوطني (40680) صوت في حين تراوح القاسم الانتخابي للمحافظات ما بين (24840) في الانبار و (49632) في أربيل .
وبموجب قانون الانتخابات رقم (45) لسنة 2013 الذي تم من خلاله تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية العليا المتضمن عدم دستورية تحويل أصوات الناخبين الذين صوتوا لقوائم لم تحصل على مقعد إلى القوائم الفائزة بشكل غير مشروع والتي بلغ عددها في هذه الإنتخابات (1878968) صوت شكلت (14,4%) من مجموع أصوات الناخبين ، لكن القانون ومن وجهة نظر أخرى من خلال إعتماده نظام سانت ليغو المعدل بدلاً من نظام سانت ليغو الذي أعتمد في انتخابات مجالس المحافظات عام 2013 ، قد افرغ النظام المذكور في جوانبه الإيجابية لصالح الكتل الكبيرة بعد أن تم تعديل الرقم الأول الذي يعتمد لتقسيم الأصوات من (1) إلى (1,6) , وبالرجوع إلى النتائج في عدد من المحافظات نتلمس انعكاسه عليها بوضوح , ففي بغداد على سبيل المثال كانت قيمة المقعد بالنسبة لدولة القانون التي حصلت على (30) مقعداً (35820) صوت وائتلاف الوطنية التي الذي حصل على (10) مقاعد (34820) صوت وائتلاف الأحرار الذي حصل على (6) مقاعد (39824) صوت وائتلاف المواطن الذي حصل على (5) مقاعد (38538) صوت , في حين كان عدد الأصوات التي حصلت على مقعد واحد في بغداد (53719) صوت لائتلاف العربية و (51290) صوت لائتلاف الفضيلة و (47617) صوت لتحالف الإصلاح وأخيراً (36020) صوت لكتلة الصادقون ، وكذلك هي الحال في بقية المحافظات ففي محافظة البصرة كانت قيمة المقعد لدولة القانون التي حصلت على (12) مقعد (33753) صوت وائتلاف المواطن الذي حصل على (8) مقاعد (34169) صوت وائتلاف الأحرار الذي حصل على (3) مقاعد (43928) صوت , في حين كانت قيمة المقعد للكيانات التي حصلت على مقعد واحد أكبر بكثير حيث حصل ائتلاف الفضيلة على مقعد واحد مقابل (45475) صوت وحصل ائتلاف البديل المدني المستقل على مقعد واحد أيضاً مقابل (41090) صوت .
وينطبق الحال نفسه لبقية المحافظات التي تقترب من نفس المؤشرات , مما يؤكد أن اعتماد نظام سانت ليغو المعدل افرغ النظام من محتواه ومبادئه حيث أصبح المقعد النيابي يتطلب عدد أقل من الأصوات للكتل الكبيرة مقارنة بالكتل الأصغر , ومن بين المؤشرات المهمة التي يمكن الخروج بها من نتائج الانتخابات في مجال ارتفاع عدد أصوات القوائم غير الفائزة نجد أن نسبة أصوات القوائم غير الفائزة كانت في محافظات إقليم كردستان في أدنى مستوياتها فكانت تشكل (2,1%) في محافظة السليمانية و(4,9%) في محافظة أربيل و (5,6%) في محافظة دهوك وهي أرقام نسب معتدلة ومعقولة والسبب الرئيس في هذا الانخفاض على ما نعتقد محدودية عدد القوائم المشاركة في الانتخابات وعدم ( تشرذمها ) .
إلا أننا حين ننتقل إلى بقية المحافظات نجد بان هذه النسب تبدأ بالتصاعد بشكل كبير حيث تبدأ بنسبة (9,3%) في بغداد ثم (12,1%) في صلاح الدين و (14,7%) في ميسان ثم (15,9%) في محافظتي الانبار وديالى ثم (16,9%) في البصرة ثم تتجاوز نسبة (20%) في بقية المحافظات كما كانت النسبة (20,4%) في محافظة المثنى و (23,2%) في محافظة ذي قار و (23,5%) في محافظة كركوك و (25%) في محافظة القادسية وبابل وكانت النسبة الأعلى في محافظة واسط حيث شكلت (36,4%) من الأصوات التي حصلت عليها القوائم الفائزة وبما يشير إلى إن أكثر من ثلث عدد أصوات الناخبين ذهبت هباء بسبب توزعها على عدد كبير من القوائم , مما يتطلب أخذ هذا الموضوع بنظر الاعتبار في الانتخابات القادمة من خلال اندماج القوائم التي تحمل رؤى مشتركة أو متقاربة لتركيز أصوات الناخبين ومساهمتها في إيصال ممثليها إلى مجلس النواب بدلاً من ضياعها , ومما يؤكد الحاجة إلى ترشيق عدد المرشحين هو وجود أعداد كبيرة جدا منهم حصلوا على اقل من 100 صوت وسنخص ذلك بمقالة لاحقة .
ومن المؤشرات التي يمكن أن نخرج بها من هذه الانتخابات والتي هي تكرار لما حصل في الانتخابات السابقة هي إن عدد النواب الذين فازوا بما حصلوا عليه شخصياً بدون دعم من أصوات القائمة هو (19) نائب فقط مقارنة بـ (17) نائب في الدورة البرلمانية المنتهية (التي جرت سنة 2010 ) ويتوزع هؤلاء النواب وفقاً للقوائم الانتخابية بواقع (6) لدولة القانون و (3) للإتحاد الوطني الكردستاني و (1) للقائمة الوطنية و (2) لتحالف المواطن و (2) لتحالف متحدون و (1) لكل من الحزب الديمقراطي الكردستاني وائتلاف الأحرار وحركة التغيير و(2) للأحزاب الإسلامية في كردستان , أما من حيث توزيعهم على المحافظات فكان عددهم (4) في محافظة بغداد ( نوري كامل المالكي , أياد هاشم علاوي , محمد صاحب خلف , باقر محمد جبر صولاغ ) و (3) في محافظة السليمانية ( ئارام محمد علي , شيركو ميرزا محمد أمين , مثنى أمين نادر ) و (3 ) في أربيل ( اردلان نور الدين محمود , سليم همزه صالح , ناريز عبد الله احمد ) و (2) في البصرة ( خلف عبد الصمد خلف , محمد ماشي جري ) و (2) في كربلاء ( حسين احمد هادي , ياسر عبد صخيل ) و (1) في كل من محافظات المثنى ( عدنان هادي نور علي ) ودهوك ( جمال احمد محمد سيدو ) ونينوى ( أسامة عبد العزيز محمد ) وكركوك ( نجم الدين عمر كريم ) .
في حين لم يصل أي من الفائزين في بقية المحافظات ضمن القوائم إلى القاسم الانتخابي الوطني البالغ (40680) أو إلى القاسم الانتخابي لمحافظاتهم الذي يتراوح ما بين (24840 في الانبار و 45002 في واسط) وهي محافظات ( الأنبار ، النجف ، صلاح الدين ، القادسية ، ذي قار ، واسط ، ديالى ، ميسان ) , ولا يفوتنا الإشارة إلى إن مقاعد المكونات الثمانية حيث تم تخصيص (5) مقاعد للمكون المسيحي ومقعد واحد لكل من المكونات الصابئي والأيزدي والشبكي وبلغ عدد المصوتين في هذه المكونات لإشغال تلك المقاعد (163678) منها (105109) من المسيحيين و (7194) للصابئة المندائيين و (14910) من الأيزيديين و (9465) من الشبك .
وتظهر هذه النتائج , ضرورة أن يعمل مجلس النواب في دورته الجديدة على تشريع قانون جديد للانتخابات يكون مستوفياً للمعايير الدولية وملبياً لحاجات وطموحات العراقيين , بحيث يكون منصفاً للجميع بشرط أن يتم ذلك عند بداية انعقاده وليس في النهايات لكي لايفصل على مقاسات المتنفذين ليكون هذا القانون ثابتاً ومستقراً قدر الإمكان ولا يتغير في كل دورة انتخابية ، كما يتطلب على مجلس النواب في دورته الجديدة تهيئة المستلزمات الأساسية للعملية الانتخابية وفي مقدمتها تشريع قانون الأحزاب على أن يكون هو الآخر ضامناً للعملية الديمقراطية وبما ينقل العراق إلى حالة الاستقرار السياسي , و نشدد على ضرورة أنجاز التعداد العام للسكان في العراق في أقرب وقت ممكن لتصبح متطلبات الانتخابات متكاملة وواضحة بما يضمن اعتماد البيانات الشاملة التي يتم التوصل إليها من خلال التعداد العام للسكان كمنطلق لخطط التنمية لبناء العراق الجديد . ( ملاحظة : ساهم في إعداد هذه الدراسة الخبير القانوني زهير ضياء الدين )