لا شكّ أنّ احداث ال 24 ساعة الماضية في بغداد , كانت زاخرة بمواقف ومتغيراتٍ نوعيةٍ قد تفوق أبعادها اعداد المتظاهرين من كلا ” الإطار والتيار ” والتي لم تستطع ايّ جهةٍ رسمية او حزبية وحتى اعلامية من احصاء عددهم ولو بشكلٍ تقريبي او تخميني .
من آخر هذه المفارقات أنّ السيد الكاظمي وضمن حديثه المتلفز مساء امس , والذي دعا فيه الى ايجاد خارطة طريق عملية لحلّ او حلحلة الأزمة , فقد اشارَ او طالب بشكلٍ مقتضب الى إخلاء مؤسسات الدولة من المتظاهرين ” دون تسمية البرلمان بأسمه ” , وسرعان ما جاء الرّد من ” التيار ” بأنّهم مستمرون .! وكان ذلك متوقعاً , فقد كانت درجة حرارة تصريح الكاظمي منخفضة .! رغم أنّ الرجل ليس بمقدوره اخلاء البرلمان من المحتجين بالقوة , وهذا محال اصلاً .
لا ريب أنّ أخطر او اشدّ ما تسببّ بتوتّر اعصاب الجمهور هو تصريح قياديين في ” الإطار ” ظهيرة يوم امس , بأنّهم ماضون لإسقاط الحكومة ويتوجهون الى قصر الكاظمي لإعتقاله , بالإضافة الى توجههم الى مطار بغداد لمنعه من الهروب .!
وبذات ذلك التوتر الآني , فأنّه أثار دهشة وبعض سخرية الجمهور لإعتبارات تتعلّقُ على الأقل بِ : –
A \ : الإعلان المسبق عن نواياً ” او نيّاتٍ ” دون التأكد من امكانية التنفيذ ولو بالحد الأدنى .
B \ : عدم التحسّب لكثافة القوات العسكرية والأمنية وقُدُراتها للدفاع وتوفير الحماية المطلقة لمقرّ الكاظمي , كما ايضاً دونما تحسّبٍ آخر لإحتمالات تطويق ومحاصرة الجيش ” للمتظاهرين المقتحمين ” من الخلف والأجنحة , وجعلهم داخل كمّاشة .!
C \ : المعضلة المستشرية لدى ساسة وقادة الأحزاب < من الزاوية الإعلامية بشكلٍ خاص > أنهم يتسرّعون ويتسارعون في اطلاق تصريحاتٍ متطرفة دونما وضع خطٍ مسبق للتراجع او للإضطرار عن التراجع عنها , وهذا ما حدث يوم امس حين صدرت التعليمات او الأوامر بسحب متظاهري ” الإطار ” بعد ساعتين من شروعهم لمحاولة اقتحام المنطقة الخضراء , رغم استعداداتهم اللوجستية المسبقة ونصبهم الخيام للمكوث لأطول فترةٍ مفترضة .!
D \ : هذه الفقرة السابقة تكشف أنّ لا اعتباراتٍ ولا حساباتٍ للجمهور أمام وازاء تلكم التصريحات المتطرفة , ولا نقول الطريفة .! , وهذا ما جعل متاحاً للشعب العراقي او الكثير من شرائحه في الإفتراض أنّ تعليماتٍ صدرت من خارج الحدود , وإلاّ ماذا قد يكون العكس .!
مع التقاطعات والتضادات السياسية بين قادة الإطار والكاظمي , فكأنّ هنالك بُعدٌ سيكولوجي في ذلك ايضاً , فإذا ما تجاوزنا هنا الإتفاقيات الإقتصادية والعسكرية التي وقّعها الكاظمي مع بعض الدول لما فيه منفعة ومصلحة للعراق , وطالما يجري استنكارها من قيادييي الإطار بأعتبارها خارج صلاحية حكومة تصريف اعمال , لكنّ الإتهام الأخير لرئيس الوزراء بوقوفه مع التيار الصدري في اقتحام البرلمان .! < ودونما تحيّزٍ او نفيٍ او تأكيدٍ لذلك > فيمكن القول الموثّق أنّ عدد المصابين من القوات الأمنية ” اثناء اقتحام الصدريين للبرلمان بلغَ 25 فرداً , بينما اُصيب أحد العسكريين فقط خلال اقتحام محاولة اقتحام الإطاريين للخضراء ! وعلى ذات السياق المقارن , فلم يجرِ استخدام الغاز المسيل للدموع ضد متظاهري الإطار , بينما جرى استخدامه بكثافةٍ أدّت لإصابة نحو 150 صدريّاً ونيف اثناء اقتحامهم للبرلمان .
ثُمَّ , بعيداً عن هذا المَلل السردي الذي فرض مفرداته , فإنّ الأيام القلائل القادمة مُعرّضة لتشهد هدوءاً نسبياً مشوباً بالحذر , ويترآى الى حدٍ ما أنّ تدخلاتٍ اقليمية وربما دولية بدأت تلعب دورها بمهارة في هذا المشهد العراقي , لكنَّ نُذُر الخطر لم تتلاشى ولم تسافر بعيداً او خارج الحدود .!