“لقد انجزنا المهمة الصعبة في الظروف الصعبة وانتصرنا بعون الله وبصمود شعبنا وبسالة قواتنا البطلة، وبدماء الشهداء والجرحى اثمرت ارضنا نصرا تأريخيا مبينا، يفتخر به جميع العراقيين على مرّ الاجيال، ونعلن لأبناءِ شعبنا ولكل العالم أن الابطال الغيارى وصلوا لآخرِ معاقل داعش وطهروها، ورفعوا علم العراق فوق مناطق غربي الانبار التي كانت آخر ارض عراقية مغتصبة، وأن علم العراق يرفرف اليوم عاليا فوق جميع الاراضي العراقية وعلى ابعد نقطة حدودية”.
هذه العبارات، كانت جزءا من خطاب النصر الشامل على تنظيم داعش الارهابي، الذي وجهه القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي لابناء الشعب العراقي، قبل عام من الان، بعد اكتمال تطهير كل الاراضي العراقية من عصابات ذلك التنظيم الارهابي المجرم.
ولم يكن ذلك الحدث حدثا عابرا، حاله حال الكثير من الاحداث اليومية التي تحفل بها بقاع العالم بلا انقطاع.
فالحاق الهزيمة النكراء بتنظيم داعش الارهابي، كان امرا في غاية الاهمية، لانه من جانب حافظ على وجود الدولة العراقية، ومن جانب اخر، اثبت ان العراقيين بشتى عناوينهم وتوجهاتهم وانتماءاتهم المختلفة، قادرين على الدفاع عن مقدساتهم وحرماتهم.
ولم يبتعد عن الواقع من وصف ذلك الانتصار بأنه نقطة تحول تأريخية، وانعطافة حاسمة، جاءت بعد ثلاثة اعوام ونصف العام من اجتياح عصابات داعش لمساحات غير قليلة من الجغرافية العراقية، بدعم واسناد من قوى اقليمية ودولية، كانت قد خططت لمشاريع تخريبية وتدميرية خطيرة للعراق ولعموم دول المنطقة.
ولم يخطأ من قال ان المخططات والاجندات التي اريد من ورائها دفع العراق نحو الهاوية، واغراقه في دوامة الصراعات الدموية الداخلية في صيف عام 2014، هي ذات المخططات والاجندات التي نفذت عام 2006، بعد استهداف مرقد الامامين العسكريين في مدينة سامراء المقدسة من قبل تنظيم القاعدة الارهابي.
ان هناك عوامل وظروف واطراف، كان لها الدور المحوري والحاسم في تحقيق الانتصار التأريخي الكبير.
فالمرجعية الدينية في النجف الاشرف، كان لها من خلال فتوى الجهاد الكفائي دورا مهما ومؤثرا للغاية في درأ خطر الارهاب الداعشي، وانجاز الانتصار، تلك الفتوى التي دفعت عشرات الالاف من ابناء الشعب العراقي، الى ان يهبوا للدفاع عن الحرمات والمقدسات والاعراض، ويقدموا الكثير من التضحيات التي عكست الروح الثورية الحسينية بأجلى واوضح وابهى صورها.
وكذلك كان للمواقف البطولية الشجاعية لمختلف صنوف وتشكيلات الجيش العراقي، ومعها قوات الحشد الشعبي والحشد العشائري وقوات البيشمركة الكردية، والمواكب والهيئات الحسينية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام، الدور الفاعل المكمل والمتمم لدور المرجعية الدينية، ولعله بدون عملية تكامل الادوار لم يكن ممكنا تحقيق الانتصار في غضون ثلاثة اعوام ونصف، وهو ما لم تتوقعه ولم تتمناه القوى المعادية للعراق، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية، التي رسمت صورة سوداوية قاتمة لوجود داعش في العراق، حينما راح كبار الساسة والعسكريين الاميركان يتحدثون عن الحاجة الى ثلاثين عاما للقضاء على داعش!.
الى جانب ذلك، فأن هناك اطرافا اقليمية ساندت ودعمت العراق بشتى الوسائل والاساليب في حربه ضد داعش، ولعل الجمهورية الاسلامية الايرانية، مثلت النموذج الايجابي الداعم والمساند، الذي ساهم في تسريع انجاز الانتصار، رغم الكثير من العراقيل والمعوقات، والحملات السياسية والاعلامية التي شنتها دوائر اقليمية ودولية، لم يرق لها ان يتحقق ما تحقق، ولم تكن تستوعب حقيقة ادوار ايران ومواقفها في تلك الحرب المشرفة.
ولاشك ان النظرة الشاملة والعميقة، تؤكد ان الحاق الهزيمة العسكرية بداعش، كانت الخطوة الاساسية، والمقدمة الصحيحة للعمل على الخطوات الاخرى، التي لم تكن تقل اهمية عنها، بل ان كل منها اكملت وتممت الاخرى.
فالانتصار العسكري المتحقق، لايمكن ان يكتمل دون اعادة اعمار المناطق والمدن المحررة، واعادة النازحين الى بيوتهم وتعويضهم ماديا ومعنويا، أي بعبارة اخرى لابد من ان ينطلق حشد مدني واسع تشارك فيه كل المفاصل الحكومية ومعها الجهات غير الحكومية ومختلف الشرائح والفئات الاجتماعية، يمحو ما خلفه العدوان الداعشي التكفيري من خراب ودمار، ورغم ان عملا من هذا القبيل قد انطلق منذ بضعة شهور، لكنه مازال دون مستوى الطموح.
ولاشك ان الارقام تؤكد حصول تراجع كبير في معدلات العمليات الارهابية بالسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة والاجساد الانتحارية في مختلف مدن ومناطق العراق خلال العام الذي اعقب هزيمة داعش بالكامل، وهذا يؤشر الى ان الاجواء والمناخات الامنية مهيأة اكثر من اي وقت مضى لاعادة اعمار ما دمره وخربه تنظيم داعش.
فأعمار وترميم البنى التحتية والمنشات الحيوية الخدمية، واعادة النازحين الى بيوتهم، وتنشيط حركة الاسواق، وتحسين فرص العمل، وتعزيز التعايش السلمي المجتمعي بين المكونات المختلفة، تعد مفردات مهمة واساسية للغاية لمرحلة مابعد الانتصار العسكري.
فضلا عن ذلك، يفترض ان تنعكس النتائج والمعطيات الايجابية للمواقف الموحدة المنسجمة في مواجهة العدوان الداعشي عسكريا في الميدان، على المواقف السياسية لمختلف القوى والكيانات السياسية، بأتجاه تخفيف الاحتقانات السياسية، والتوافق على الاولويات الوطنية، و وضع حد للمناكفات العقيمة، التي يمكن لها لو استمرت واستفحلت ان تبدد كل المكاسب والانجازات المتحققة بفضل تضحيات ملايين العراقيين.
واذا كان الحفاظ على النصر، اصعب من تحقيقه، فهذا يعني، ان المهمة الكبيرة لم تنتهي، وان ما هو مطلوب بعد العاشر من كانون الاول-ديسمبر 2017، اكبر واكثر مما كان مطلوبا قبله.